«النسبية» في ظلّ الطائفية والسلاح حلّ أم مشكلة؟ (1/ 2)
«النسبية» في ظلّ الطائفية والسلاح حلّ أم مشكلة؟ (1/ 2)
ناهد يوسف
جريدة الجمهورية
Monday, 30-Apr-2012 02:14
نادراً ما جرت انتخابات نيابية في لبنان من دون أن تسبقها نقاشات حادّة في موضوعَي قانونها وتنظيم الدوائر الانتخابية. وبعد سبعين عاماً من الاستقلال، لا تزال الحال نفسها، ما يدلّ إلى أنّ اللبنانيّين لم يهتدوا بعد إلى طريقة تشكّل لوحتهم السياسية التي يُفترض أن تلبّي تنوّعهم السياسي والطائفي والمذهبي والمناطقي، خصوصاً أنّهم لم يُخلصوا لما يعلنون إرادة تحقّقه وهو الوحدة الوطنية، ولم ينبذوا ما يزعمون إضراره بهم وهو الطائفية.
اليوم عاد الحديث على تطبيق النسبية. وفيما يرى متبنّوها أنّها المخرج من ضلال الانقسام الداخلي، يردّ معارضوها أنّ مؤيّديها يستقوون بها لأنّهم يؤطّرون بالسلاح الرأي العام الذي يساندهم، ما يخلّ بالتوازن والمساواة بين أفرقاء العملية السياسية.

في هذا السياق، يرى عضو حزب "الكتائب" النائب إيلي ماروني أنّ "النسبية تحتاج إلى مزيد من الوحدة الوطنية لأنّ هناك طوائف ومذاهب وأحزاب كثيرة في لبنان"، مضيفاً: "كلّ المشاريع المطروحة قيد الدرس داخل المكتب السياسي الكتائبي، والجميع يسعى إلى قانون انتخابيّ يؤمّن أفضل تمثيل للمسيحيّين، وهذا من ضمن حقوقنا كطائفة يجب أن تختار ممثليها بنفسها، ونحن ننتظر أيضا التشاور مع كلّ الأطراف الحليفة للوصول إلى القانون الأفضل".

ويشير النائب الكتائبي لـ"الجمهورية" أنّ "كلّ عملية انتخابية قد تكون عرضة للضغط بوجود سلاح خارج يد الدولة اللبنانية، فنحن معنيّون بكلّ منطقة من مناطق لبنان، وهناك مناطق عدّة القرارُ فيها للسلاح، أمّا المواطن صاحب الرأي الآخر فممنوع عليه ممارسة حقّه". ويضيف: "نحن لا نرفض النسبية في المطلق، ولكن كغيرها من القوانين لا يجوز تطبيقها في ظلّ السلاح".

في المقابل، لم يحدّد "حزب الله" موقفه بعد من القانون الانتخابي الذي طرحه وزير الداخلية مروان شربل، لكنّ أحد نوّابه الدكتور علي فيّاض يؤكّد أنّ النسبية لا تعارض اتّفاق الطائف، ويقول لـ"الجمهورية": إنّها الأكثر عدالة وتلائم الصيغة الاجتماعية اللبنانية".

"التيار الوطني الحر" يوافق حليفه "حزب الله" الرأي. فهو يؤيّد النسبية "بكلّ أشكالها ومهما كان حجم الدوائر". ويعتبر، حسب قول النائب ألان عون لـ الجمهورية"، أنّها "نقلة نوعيّة على صعيد الإصلاح الانتخابي، ما يتيح تطوير نظامنا السياسي والسلوك الانتخابي والخطاب السياسي".

وإذ يصف عون المطالبة بالمناصفة بـ"الخبث في التعاطي مع موضوع الانتخاب"، يعتبر أنّ "من يرفض تطوير قانون الانتخاب هو من لا يريد المناصفة"، مشيراً إلى أنّ "هناك فئة مستفيدة من القانون الحالي، والذي ينسف مبدأ المناصفة التي ينصّ عليها الطائف، وهذه الفئة لم تطرح أيّ قانون انتخابيّ لأنّها تحاول إضاعة الوقت من أجل الإبقاء على القانون الحالي".

ولا يرى عون أنّ سلاح "حزب الله" يؤثّر في العملية الانتخابية، معتبراً أنّ "ربط قانون النسبية بالسلاح هو مجرّد أعذار لعدم تغيير القانون الحالي". ويشدّد على "ضرورة وجود ثنائيّات وثلاثيّات في الطوائف لتنتظم الحياة الديموقراطية"، جازماً بأنّ "الأمل الوحيد للتعدّدية هو النسبية".

من جهته، يوضح عضو كتلة "المستقبل" النائب زياد القادري لـ"الجمهورية" أنّ "الكتلة لم تتبنًّ أيّ طرح لقانون الانتخاب حتى الآن، ولكن لديها ثوابت لا تحيد عنها، أوّلها اتّفاق الطائف، والذي ينصّ في وضوح على مسألة مهمّة جدّاً وهي حسن التمثيل وفاعليته مع مراعاة العيش المشترك، وهذا سبب رفضنا للقانون الأرثوذكسي لأنّه لا ينسجم مع روحيّة الطائف".

ويردّ القادري على الاتّهامات بأنّ تيار "المستقبل" لم يقدّم أيّ مشروع قانون انتخابي لأنّه يريد تأجيل الانتخابات أو الإبقاء على القانون الحالي، بالتأكيد أنّ "موضوع قانون الانتخاب هو من مسؤولية الحكومة وليس من مسؤوليتنا كمعارضة أن نقدّم أيّ مشروع".

ويكشف عن مجموعة إصلاحات "اتّفقنا عليها مع الحلفاء والأصدقاء من أحزاب وشخصيّات مستقلة خلال اللقاءات التي قمنا بها، وهي ضرورة وجود هيئة مستقلّة للإشراف على الانتخابات وإدارتها، وتفعيل التمثيل النسائي في العملية السياسية، وتقسيم الدوائر بنحو متساوٍ إلى حدّ ما، إن في حجمها أو في عدد نوّاب كلّ دائرة، إضافة إلى اللوائح المطبوعة سلفاً لأهمّيتها في شفافيّة العملية الانتخابية، واقتراع المغتربين، إذ إنّ القانون الانتخابي النافذ الذي تمّ التصويت عليه عام 2008 يلحظ حقّ المغتربين في الانتخاب من مكان إقامتهم، لذا على الحكومة أن تنفّذ هذا البند وإلّا فإنّ نتائج الانتخابات قد تكون معرّضة للإبطال".

ويضيف القادري: "نحن كقوى 14 آذار أكّدنا مسألة مهمّة جدّاً وهي أن نتّفق وأن لا يكون هناك أيّ خلاف في ما بيننا، وأن نخرج بتصوّر ومشروع موحّدين لقانون الانتخابات".

ويرى أنّ "نيّة أصحاب هذه الحكومة ومالكيها، وأعني بهم "حزب الله"، أصبحت مكشوفة. فتسويق الحزب لقانون النسبية هو لتكريس الانقلاب الذي حصل بقوّة السلاح في 2011، عبر عملية انتخابية ديموقراطية تكون معلّبة ومزوّرة ووفق قانون انتخابيّ مقطع. واجهة هذا القانون هي "النسبية"، على أنّها موضوع جذّاب وإصلاحيّ ومتطوّر، ليكرّسوا نتيجة العزل السياسي والإلغاء بعملية ديموقراطية.

والواضح أنّهم حتى لا يريدون النائب وليد جنبلاط أيضاً، فهم يريدون الأغلبية لهم، عبر عملية ديموقراطية معلّبة بقانونها وإجراءاتها". ويعتبر أنّ "النسبية التي يسوّق لها "حزب الله" هي عنوان جميل لكنّه يخفي ما يخفيه في ظلّ وجود السلاح".

ويقول: "مع احترامي لجهود الوزير شربل في هذا الملف وصدق نيّاته، إلّا أنّ القرار النهائي في مجلس الوزراء هو لـ"حزب الله".

ويضيف: "حزب الله" وعبر النسبيّة يطبّق مقولة "ما لنا لنا وما لكُم لنا ولكم". فالغاية من النسبية هي توسيع هامش التنافس، وتمثيل أكبر عدد ممكن من الشرائح السياسية. ولكن في ظلّ وجود السلاح، النظام النسبيّ لا مفاعيل له في الدوائر الانتخابية الحاضر فيها "حزب الله"، فلن تكون هناك أيّ حرّية لتشكيل اللوائح بسبب وهج السلاح والمسلّحين. وفي الدوائر الأخرى، العملية الديموقراطية ستكون حرّة ونزيهة، وبالتالي النظام النسبي ستكون له انعكاساته على نتائج الانتخابات في هذه الدوائر. لذا فإنّ فريق "حزب الله" يؤمّن مناطقه ويسمح بخروق في مناطق أخرى".

ويردّ القادري على من يقول إنّ النسبية هي موضوع إصلاحيّ، بالتشديد على أنّ "الإصلاح لا يكون مجتزأً.

بما أنّ مالكي هذه الحكومة يضعون مساحيق تجميلية على هذه النسبية، نقول لهم إنّ الإصلاح يتضمّن عناوين أخرى، كخفض سنّ الاقتراع إلى الـ 18، وإلغاء الطائفية السياسية وانتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي ومجلس شيوخ يمثل الطوائف، وقانون أحزاب حديث.

لذا فليتقدّموا بطرح إصلاحيّ متكامل"، لافتاً إلى أنّ "هذه الحكومة التي أتت غصباً عن الناس لأنّها سرقت أصواتهم، لا يمكن أن نعتبرها مؤتمنة على إجراء انتخابات ديموقراطية ولا حتى على إنتاج قانون للانتخابات".

ويضيف: "نحن متمسّكون بالاستحقاقات الديموقراطية ونصرّ على أن تحصل في موعدها، ولكن يجب أن تكون الحكومة حياديّة وأن يكون السلاح محايداً لا دور له في الحياة السياسية، وقراره في يد الدولة حصراً".

وبالنسبة إلى هواجس المسيحيّين، خصوصاً في ظلّ الربيع العربي والديموغرافيا اللبنانية، يقول القادري: "نحن كلبنانيّين عموماً، وكمسلمين خصوصاً، نشدّد على أهمّية وفاعليّة الدور المسيحي في لبنان. وخلال نقاشنا في التيّار، نأخذ هذه الهواجس في الاعتبار ونتفهّمها ونساهم مع غيرنا في إيجاد حلول لها، ليبقى لبنان المناصفة والعيش المشترك على قاعدة تمتين الانصهار الوطني وليس على قاعدة شرذمة اللبنانيّين".

تعوّد اللبنانيّون على انقسام سياسيّيهم واختلافهم في مختلف المواضيع الحسّاسة، وربّما ينضمّ ملف قانون الانتخاب إلى غيره من الملفّات التي يطبّق عليها السياسيّون مقولة "نتّفق على أن لا نتّفق". ولكن المؤكّد أنّ مشكلة لبنان الأساسية تنبع دائما من الطائفية المستشرية، والتي يجب "الاتّفاق عليها" قبل أيّ اتّفاق آخر.
فهل قانون النسبية مناسب لإجراء الانتخابات النيابية المقبلة في ظلّ هيمنة السلاح وتعميم ثقافة التحريض المذهبي؟
theme::common.loader_icon