شبح الماضي يطاردني
شبح الماضي يطاردني
اليسار حبيب
جريدة الجمهورية
Saturday, 24-Nov-2012 00:01
«أنا أحبكِ ولكن لا يمكننا أن نستمرّ في هذه العلاقة»... «أحبكِ ولا أريد أن أخسركِ، لكنّني في حاجة الى بعض الوقت للتفكير»... «أرجو أن تتفهمي قراري... لأن شبح الماضي لا زال يطاردني»، بهذه العبارات قد ينهي حبيبان علاقتهما متمسكين بشبح الماضي الأليم، رافضين عيش أمل جديد، و«مثلهما مثايل» كما يقال باللغة السائدة .
بدء علاقة جديدة يعني حكماً زوال علاقة قديمة، ولكن قد لا يكون هذا هو الوضع دائماً إذ قد يدخل أحد الطرفين في علاقة عاطفية جديدة من دون أن يكون قد تخطى فعلياً وكلياً العلاقة السابقة. وهنا لا يعني عدم تخطي العلاقة الماضية بأن الشريك لا زال يحبّ "حبيبته" السابقة، انما قد لا يكون تخلّى حقيقةً وبطريقة واعية وإرادية عن كل ما كان يجمعهما من تفاهم واحترام وماضٍ أو كل ما كان يفرقهما من مشاكل وخلافات وألاعيب.

كي لا يتحول الحب شرّاً

ففي الحالة الطبيعية يبتعد الحبيب عن شريكته عندما تزداد حدّة الخلافات بينهما، فيقررا الانفصال. لأن الغرام يعني عيش حالة من التفاهم والاحترام المتبادل ويعني اللجوء الى الآخر والوقوف بجانبه مهما اختلفت الظروف وتبدّلت، ولكن عندما يتحول التفاهم الى شكّ وغيرة مفرطة، فمن الأفضل إنهاء العلاقة كي لا يتحول "الحبّ" الى شرّ يكتسح القلوب "المحطمة" ويجعلها عقولاً "وحشية" هدفها الانتقام تحت شعار "إستعادة الكرامة".

وهذا الفراق يؤلم الطرفين على حدّ سواء، فليس من السهل نسيان الماضي الذي جمعهما بحلاوته ومرارته، وليس من السهل "الاعتياد" على فكرة غياب الآخر عن صخب حياتنا اليومية وانشغالاتنا العملية... كما أنه ليس من السهل أبداً انتزاع مشاعر الحبّ التي أدفأت القلوب لفترة معينة واحتلّت مكانة خاصة في حياة الشريكين وفي أولوياتهما وتطلعاتهما المستقبلية وحتى في رسومات أحلامهما. فلا شكّ أن الفراق صعب ولكن لا بدّ منه في ظروف معينة حفاظاً على "الكرامة" المنشودة والمسلوبة.

هل يكمن الحلّ في الجديد؟

لذلك يلجأ الشريك الى سبل ووسائل تساعده في تخطي هذه العلاقة الفاشلة، الّا أن هذه السبل تختلف من إنسان الى آخر، تختلف بحسب الواقع الاجتماعي لكل انسان، وبحسب طبيعته وشخصيته أفكاره ومعتقداته، فمنهم من يبحثوا مباشرةً عن "علاقة جديدة" مع شخص آخر يوافقهم نظرتهم الى الحياة ويساعدهم في إستعادة أمل "مفقود"، فيما يقرر آخرون الانتظار لفترة معينة من الوقت حتى يتمكنوا من نسيان ترسبات الماضي قبل الدخول في غرام جديد. ولكن في بعض الأحيان قد لا ينجح أيٌّ منّا في تخطي الماضي ونتائجة وانعكاساته، على رغم كل المحاولات.

فهل أنّ الحلّ في علاقة جديدة يا ترى؟ أو على العكس، فلربما تساهم هذه العلاقة في تفاقم المشكلة وإعادة التفكير في الماضي وما كان يحمل من معانٍ ومشاعر؟ وهل سيطارد شبح الماضي الأليم الحياة الجديدة الجميلة؟

ومن الناس من يحالفه الحظّ، فيصادف "شريك" يوافقه نظرته الى الحياة، يسانده في حياته العملية ويقف بجانبه في حياته الشخصية، يضحك برفقته ويهتم لمشاعره... يتشاركان الأفكار والأفعال، يسود بينهما التفاهم والحبّ ولا تجد الخلافات أي سبيل للتسللّ الى حياتهما.

ولكن رغم كل هذا التفاهم والاحترام والحبّ قد يفكر أحدهما بأنه يريد الابتعاد لفترة حتى يتأكد من أن الماضي لن يعكر صفو هذا "الغرام" الجميل الذي دخل القلب بنسمة واحتلّ مساحة مهمة فيه. فهل من الطبيعي أن يتخلّى الانسان عن سعادته وعن أمله وأحلامه لـ"ينبش" ويبحث في حيثيات الماضي؟ هل من الطبيعي أن يتخلى الانسان عن حبّ كان يعتقد بأنه لن يجده لينتقم لماضيه الأليم؟

وفي الختام، لا يسعنا سوى التأكيد على أهمية التفاهم في العلاقات العاطفية، فإذا حلّ التفاهم بين الشريكين وإذا اتخذا الاحترام والحب سلاحاً لمواجهة التحديات والصعوبات فبالتالي لن يضطرا الى الانفصال والابتعاد عن بعضهما متألمين ومعانيين. وإذا عرفت السعادة الحقيقية فعلاً فتشبثي بها ولا تدعيها "تفلت" من بين أناملك.
theme::common.loader_icon