سجعان قزي «يُشرِّح» الوطن: لذّة قراءة الجروح المفتوحة!
سجعان قزي «يُشرِّح» الوطن: لذّة قراءة الجروح المفتوحة!
جريدة الجمهورية
Saturday, 10-Mar-2018 00:09
من القلّة غيرِ الطارئين على الأدب أو على السياسة، السياسةِ-الفكر، كما وُجدت وكما على أساسها يُصنَّف الشخص «سياسيّاً»! لا وِفق معايير المحلية اللبنانية التي لم تترك لأيّ مفهوم قيمة أو معنى. قولاً وكتابةً ومنذ عمرٍ يافع، يُعرّف الأدب السياسي والسياسة المؤدّبة على سجعان قزي، الشاب الذي كان مُقرَّباً من الرئيس الشهيد بشير الجميل، والذي كان ينتظر رئيس الحكومة الراحل رشيد كرامي معرفة ما يقوله يومياً عبر أثير إذاعة «لبنان الحر».

يُحرّك الوزير السابق سجعان قزّي كلماته حرفاً حرفاً، وبكلّ كلمة يصيب مَن يضع لبنان في العناية الدائمة، فيدلّ عليه من دون أن يُسمّيه. وفي جميع مقالاته يصيب. على رغم الأوجاع التي تحرّكها قراءةُ مقالات سجعان قزي، صعبٌ أن تفوّت هذه المتعة. مقالاته أدب صافي المهارة والدقة يستلذّ القارئ بكَمش ما بين سطورها ونقاطها. وكي تبقى حقيقةً تاريخية مُوثّقة، جمعها قزي في كتاب عنونه بـ»وطن في العناية الدائمة».

وقد اقامت جامعة «AUST» والمؤسسة العامة للدراسات والاستشارات، ندوة حول كتاب وزير العمل السابق سجعان قزي «وطن في العناية الدائمة» في حرم الجامعة-الأشرفية. وشارك في الندوة وزير التربية والتعليم العالي مروان حماده، وزير الإعلام السابق رمزي جريج، وزير الشؤون الاجتماعية السابق رشيد درباس ورئيسة الجامعة هيام صقر، وأدارتها الإعلامية والشاعرة ماجدة داغر، في حضور حشد من الشخصيات السياسية.

قزي

وأشار الكاتب الوزير السابق سجعان قزي، في كلمته خلال الندوة، إلى أنّ «ظاهر الكتاب مجموعة مقالات، حقيقته مجموعة طروحات في الفكر السياسي حول لبنان والشرق الأوسط. كان يمكنني نزع العناوين وربط النصوص ليصبح الكتاب بحثاً واحداً متكاملاً. لكنّي فضلت الإخلاص للترتيب الزمني ليبقى الكتاب مرافقاً تطوّر الأحداث. نشرت غالبية مضمونه صباح كل اثنين في جريدة «الجمهورية»، والجزء الآخر في جريدة «النهار».

وقال قزي: «فتيّاً عرفتُ الأزمات والتسويات، شاباً عرفتُ الحرب والمقاومة، رجلاً عرفت السلام الضائع. اليوم، وأنا في ضواحي هذه المراحل العمرية، أشاهد وطني ضائعاً بين الهويات والصراعات والتيارات الغريبة عن تراثنا وتاريخنا.

وألمس عجزاً ًعن تغيير المنحى الانحداري. القادرون مبعَدون والعاجزون مالكون». وأضاف: «التغيير في الدول يحصل عبر ثلاث قنوات: الطبقة السياسية وهي عندنا فاشلة، والانقلاب العسكري وهو عندنا متعذّر والمجتمع المدني وهو عندنا وصولي. إني أنتظر غضب الناس وهو حتماً آت مع دورة الزمن».

وقدّم قزي كتابه إلى الرئيس تمام سلام، الذي كان حاضراً في الندوة، وذلك «عربون محبة وإعجاب وامتنان». وقال: «تمام سلام نموذج رجل الدولة الحضاري».

وكأنّ عنوانَ كتاب قزي يخلو من أيّ أملٍ في الشفاء. وفي حديثٍ خاص لـ»الجمهورية»، قال قزي عن عنوان كتابه الخامس: «لا يجب أن نكون خياليّين حين نتكلّم عن الوضع في لبنان ونتجاهل الأمراض والجراثيم العالقة. فإن تجاهلناها لا يُمكن أن نعالجها، والمرض حين لا يُعالَج يقتل صاحبه. فبلدنا يعيش وضعاً غير طبيعي من النواحي كافة، الكيانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والثقافية. فقط الحياة اليومية مستمرة في لبنان، لا غير.

أما الدولة كشراكة وطنية فتمرّ بأزمة حقيقية، لذلك لبنان «وطن في العناية الدائمة» يحتاج إلى معالجة استثنائية. فلبنان يخرج من أزمة ويدخل في أزمة أخرى، يخرج من حرب ويدخل في حرب أخرى... يخرج من انقسام ويدخل في انقسام جديد... نحن في أزمة دائمة وفي صراع دائم وبالتالي نحن في عناية دائمة».

في كلّ مقالٍ يستعرض قزي المُسبّبات والنتائج والارتدادات وحتى الحلول، أمّا عن السبب الأساس الذي يضع لبنان في العناية الدائمة، فيقول قزي: «هناك عشرات الأسباب الداخلية والخارجية التي تُبقي لبنان في العناية الدائمة، ولكنّ التحليل العميق لبروز جميع هذه الأسباب يردّنا إلى عدم وجود ولاء وطني حقيقي تجاه لبنان، وعدم اقتناع فئات لبنانية بهذه الدولة وهذا الوطن، وتريد أن تغيّرَ وجهَ لبنان وهويّته».

حماده
ورأى الوزير حماده في كلمته، أنّ «الناظر إلى هذا الكتاب الذي نجتمع حوله اليوم، وكأنه يشهد توثيقاً لمرحلة حيّة من تاريخنا الحالي، غنية بالمعلومات والخلفيات ومدعّمة بالربط مع سياسة المنطقة وأصحاب القرار فيها، والأهم من هذا كله فإنّ في كل مقالة انسكاباً من روح الكاتب وخبرته وتحليله واستنتاجه».

واعتبر أنّ «الوطن هو فعلاً في العناية الدائمة، وهذا الكتاب يشكل مرآةً لمرحلةٍ حسّاسةٍ جداً ما زلنا في قلبها، نشهد تطوّراتِها في لبنان والمنطقة المحيطة بنا وفي العالم».

درباس
من جهته، تحدث الوزير السابق رشيد درباس، فقال: «عرفته بواسطة الأثير، معلّقاً سياسياً يومياً في إذاعة لبنان الحر أثناء النزاع الأهلي». وأشار إلى أنّ الرئيس الراحل رشيد كرامي كان يبادره بالسؤال «على طريقته المحبَّبة: ماذا قال سجعان اليوم؟».

وقال: «ورد إلينا كتاب سجعان أنيقاً، هفافاً جمع فيه مقالاته المكتوبة بقلم واحد وحبر واحد، ونسق واحد، قوامه ما يعتري قوام الوطن من مخاطر، كأنه كُتب علينا أن يُعفى لبنان من الثورات، على أن تشمله ضرائبها، وهو في قولته تلك كمَن قذف الله نوراً في صدره كما حصل مع الإمام الغزالي، بل هو نور قُذف في صدور معظم فئات الشعب اللبناني، بعد أن صار واضحاً أننا ندفع تلك الضرائب منذ العام 1948».

جريج
أمّا الوزير السابق رمزي جريج، فأشار إلى اكتشافه ومنذ زمن أنّ «سجعان قزي يتمتع بثقافة واسعة وأنه بالإضافة إلى بلاغته في التعبير عن رأيه، محلّلٌ سياسيّ بارع يعرف كيف يربط بين الأحداث ويستشرف من خلالها المستقبل».

وقال: «في هذا الكتاب الخامس الجديد جمع منتخبات من مقالات نشرها في جريدتي «النهار» و»الجمهورية»، وهي مقالات تخرج عن المألوف في الكتابة السياسية، لأنها تتميّز بأسلوب أنيق طوَّع فيه المؤلف اللغة وعرف كيف يختار الألفاظ المناسبة ويودعها في جمل قصيرة، حتى لتشعر وأنت تقرأها بأنك تستمع إلى خطبة على منبر من خطيب مفوّه».

صقر
وفي كلمتها الافتتاحية، قالت رئيسة الجامعة: «كتاب سجعان قزي الجديد يؤشر الى العلّة ويقترح الحلول، لا من موقع الشافي بل من موقع المحلّل الصائب الرأي، الذي يقرأ الأحداث بعين ثاقبة ترى ما خلف الأحداث، وبعقل تحليلي ناضج يستبق الحدث بالإشارة إلى مخاطره الداهمة».

theme::common.loader_icon