خلع الورك الولّادي.. الإهمال يُسبِّب العرج الدائم للطفل!
خلع الورك الولّادي.. الإهمال يُسبِّب العرج الدائم للطفل!
جنى جبّور
جريدة الجمهورية
Tuesday, 26-Dec-2017 13:29

 خَلْع الورك الولّادي، مشكلة مرَضية منتشرة وشائعة في مجتمعنا، ورغم ذلك قد يجهل عنها كثيرون، فيؤدّي الإهمال أو التأخّر في تشخيص حالة ولدهم في مرحلة الطفولة المبكرة الى مشكلات جدّية وخطيرة ولا سيما على استقامته وطريقة مشيه. فكيف تعرفون أنّ ولدكم مصاب؟ وهل العلاج فعّال؟

80 في المئة من المصابين إناث، كما أنّ إصابة الجهة اليسرى هي الأكثر شيوعاً. يُعتبر خلع الورك الولادي مرضاً قديماً وشائعاً، سُمّي بذلك للاعتقاد بأنه يحدث فقط داخل الرحم قبل الولادة، ولكن تبيّن لاحقاً أنه قد يتطوّر حتى بعد الولادة، لذا أصبح يُسمى خلع الورك أو عسر تصنع الورك التطوّري. وفي هذا السياق حاورت «الجمهورية» الاختصاصي في جراحة العظام والتنظير وتغيير المفاصل وزمالة جراحة عظام الأطفال، الدكتور قاسم اسماعيل الحشيمي الذي أخبرنا عن تفاصيل هذا المرض وقال: «هو مشكلة في مفصل الورك الواصل بين عظم الفخذ وعظم الحوض؛ في الوضع الطبيعي يكون رأس عظم الفخذ الكروي الشكل محتوى داخل تجويف في عظم الحوض المسمّى الجوف الحقي، أما في حالة الخلع فيكون هناك عدم استقرار في المفصل، إذ يخرج رأس عظم الفخذ من الجوف الحقي بشكل تام ودائم (خلع تام)، أو بشكل تام أثناء الحركة فقط (قابلية للخلع التام)، أو بشكل جزئي يظهر أثناء الفحص السريري فقط (قابلية للخلع الجزئي). ويؤدّي وجود رأس عظم الفخذ خارج الجوف الحقي إلى تشوّه شديد في شكل المفصل، يزداد سوءاً مع نموّ الطفل بحال بقي المفصل مخلوعاً، خصوصاً إذا بدأ الطفل بالمشي».

التوائم وجنس المولود
يصيب هذا المرض واحداً من كل ألف شخص، وتزداد النسبة عشر مرات في حال كان أحد الوالدين مصاباً، كذلك في حال وجود حالات خلع في العائلة. وفي 80 في المئة من الحالات هنّ إناث، كما أنّ إصابة الجهة اليسرى أكثر شيوعاً، بينما تشاهد الإصابة في الجهتين معاً في 30 في المئة من الحالات. ويوضح د. الحشيمي عن العوامل المساهمة في الإصابة تتلخّص في «ارتخاء الأربطة المحيطة بالمفصل التي تثبّت رأس الفخذ داخل جوف الحق، وضعيّة الطفل في رحم الأم، قلة السائل الأمينوسي المحيط بالجنين خصوصاً عند الحمل بالتوائم، الولادة المقعدية إذ يخرج وركا الوليد أولًا بدلاً من رأسه. كما يكون الطفل الأوّل اكثرَ عرضةً وخصوصاً إذا كانت الأم مصابة بهذه المشكلة، اضافةً لجنس المولود، فالإناث أكثر عرضة للخلع الوركي الولادي بسبب هرمون الأستروجين الأنثوي المسؤول عن ليونة العظام».

كيف تعرفون أنّ ولدَكم مصاب؟
هذا المرض كان يُسمى سابقاً بخلع ورك ولادي (Congenital hip luxation)، أمّا الاسم الجديد المتعارَف عليه اليوم فهو تصنع تطوري في نمو الورك (Developmental hip dysplasia)، لأنه لو تمت مراقبة وفُحص عند الولادة من قبل اطباء العظام، وجدوا أنّ الأطفال قد تتطوّر حالتهم عند النموّ ما يؤدّي الى خلع الورك حتى لو لم يكن مخلوعاً منذ البداية، وذلك بسبب التغيّرات التي يمكن أن تحصل خلال النموّ تؤدّي الى خلع الورك لا سيما للأسباب التي ذكرت آنفاً. فكيف يمكن للأهل معرفة أنّ ولدَهم مصاب؟ يجيب د. الحشيمي قائلاً إنّ «صعوبة هذا المرض أنه لا يمكن التكهّن به قبل الولادة، وإذا لم تتعالج المشكلة بشكل باكر يمكن أن يودّي ذلك الى الضرر الكامل بالمفصل. المشكلة الثانية، أنه لا يمكن ايضاً تكهّن صحة العلاج، لأنه حتى لو كان صحيحاً، يمكن أن تعاني نسبة من الحالات من تموت رأس الفخذ بعد العلاج ورد الخلع بشكل صحيح، ما يمنع تأمين نتيجة كاملة وصحيحة عند بعض المرضى، وقد يظهر ذلك بعد فترة طويلة من العلاج لا مباشرةً، ما يفسّر اهمية المتابعة حتى العقد الرابع والخامس من عمر المريض. ويوجد بعض المؤشرات التي يمكن أن تدلّ الأم على الإصابة، فتجد صعوبة إلباس الحفاص لولدها، وتلاحظ طقطقة متكرّرة على مستوى ورك المصاب. كذلك يمكن أن تلاحظ فرقاً في نصفَي الحوض، فيكون هناك حوض يفتح أكثر من الآخر. ويكون هناك فرق في طول عظمة الفخد من جهة مقارنةً بالأخرى، وقد يفيدها الانتباه الى التجاعيد الموجودة في الفخذ المصاب اكثر من الثاني السليم».

تغيّر وضعية الاستقامة
التشخيص المبكر هام جداً للعلاج، لذلك يفحص أطباء الأطفال جميع المواليد في اليوم الأول من الولادة، لاسيما أنّ الإصابة يمكن أن تتطوّر مع الوقت، فيجب متابعة تقصّيها بفواصل منتظمة إلى أن يصبح الطفل قادراً على المشي. وفي حال وجود علامات خلع أو عدم استقرار لمفصل الورك، تحوّل الحالة إلى اختصاصي جراحة عظام. وبحسب د. الحشيمي «لا تظهر عوارض الخلع في البداية، لذا يقوم الأطباء باختبار روتيني للمواليد ويشمل: عدم تناظر الطيات الإليوية عند الطفل (التجاعيد)، وجود قصر عند مقارنة طول الرجلين يبعضهما، تكون في بعض الأحيان الرجل ملتفة للخارج، محدودية قدرة الطفل على الحركة (تحدّد في فتح وضمّ الرجلين)، تأخّر النموّ الحرَكي (الجلوس والزحف والمشي) في بعض الحالات، اختلاف في طول الساقين والعرج عند المشي أو المشي بالتمايل إلى الجانبين إذا كان الطفل يعاني من خلع الوركين. ويختلف تشخيص الإصابة بحسب عمر الطفل؛ فخلال أوّل شهرين بعد الولادة تشخّص الإصابة بالفحص السريري للورك بتحريكه، وسماع أيّ صوت ينتج عن الحركة. كما يلجأ الأطباء للتصوير الإيكوغرافي للأطفال في عمر 4 الى 6 أسابيع وحتى عمر 4 أشهر، خصوصاً أنّ الكشف السريري لا يكشف كل الإصابات. بعد عمر الـ4 أشهر، يمكن التأكّد من سلامة المفصل باستخدام الأشعة السينية للحوض ومفصل الورك، وفي حال أتمّ الطفل المصاب بخلع عامه الأول دون تشخيص واكتشاف الحالة، فأولى علامات الإصابة هي عرج مشيته، وقد لا يلاحظ الأهل ذلك مباشرةً، خصوصاً بحال إصابة كلا مفصَلي الحوض، لعدم وجود عرج واضح في هذه الحالة، وذلك بسبب تغيّر وضعيّة الاستقامة وانحناء الظهر الى الخلف وبروز البطن الى الأمام».

العلاجات
التأخّر في الكشف عن مثل هذه الحالة له آثار سلبية خطيرة على الطفل، كعدم نموّ الساقين بشكلٍ متساوٍ، ما يؤدّي إلى حدوث عرجٍ لدى الطفل يلازمه طوال حياته، كما أنه يُصبح أكثرَ عرضة للإصابة بالتهاب مفصل الورك التنكسي في مراحل حياته التالية. وعن العلاج يشرح د. الحشيمي «في حالة الكشف المتأخّر يتلخّص العلاج بعملية جراحية لإرجاع رأس عظمة الفخذ إلى مكانها الصحيح، ويتمّ تثبيتُ الفخذين بوضعية الخط المستقيم بواسطة جبيرة، لأنّ الطفل سيكون قد بلغ عمراً كبيراً لا يمكن السيطرة عليه لارتداء جهازٍ سهل الخلع، ناهيك عن الوزن الزائد الذي سيتحمّله الطفل بسبب الجبيرة التي سيضعها لفترة طويلة، ما يحول دون مشيه أو حتى أن يبدأ بالزحف مثل أقرانه. أمّا في الحالات الطبيعية للعلاج فيجب معرفة درجات وأنواع خلع الورك لتوجيه الطريقة المناسبة للحالة. وهدف العلاج هو وضع رأس عظم الفخذ في التجويف الحقي والمحافظة عليه إلى أن يتسنّى للأربطة والعضلات المحيطة بالمفصل أن تحافظ على وضع المفصل الطبيعي وأن تنمو العظام بالشكل الطبيعي. وفي حالات عدم الاستقرار عند الولادة وليس الخلع الكامل، فلا يستدعي ذلك علاجاً معيّناً سوى المتابعة الطبّية. أما في حالات الخلع التام فيختلف علاجها بحسب العمر، فتحت عمر الـ 6 أشهر، يوضع رباط أو جبيرة تساعد على تثبيت المفصل، ويلبسها الطفل لمدة 3 اشهر تقريباً، وبعد ذلك يلبس الجهاز في أوقات النوم في الليل لحوالى ثلاثة أشهر.
وبين 6-12 شهراً، فيصحّح الخلع تحت التخدير الكامل مع إجراء أشعّة للورك للتأكّد من وضعيّته عند رجوعه؛ ومن ثمّ وضع بنطلون جبسي لمدة 3 أشهر. ويأتي خيار التدخّل الجراحي لإرجاع المفصل لهذه الفئة العمرية بحال لم تنفع الطرق الأخرى، ويُعتبر شبه ضروري للحالات بعمر فوق 12 شهراً، إذ يوضع بنطلون جبسي لمدة 3 الى 4 أشهر، وتتفاوت نسبة نجاح العملية في إعادة المفصل لوضعه الطبيعي في هذا السن، وفي بعض الأحيان يستلزم القبول بالنتائج التي يصل إليها التدخّل الجراحي مع الجبسي لعدم وجود طرق أخرى ناجحة أو سهلة التنفيذ؛ وفي حالات أخرى، تقدّم الجراحة نتائج ممتازة ولكنها تحتاج إلى خبرة كبيرة وتخصّص في هذا المجال».

نصائح
لا يمكن ضمان نتائج العلاج المتأخّر، ومتابعة المريض اساسية لسنوات عدة بعد العلاج لا سيما في حال الجراحة. وختم د. الحشيمي ناصحاً الأهل بـ«الالتزام بالمتابعة التي قد تستمرّ حتى العقد الرابع للمرض، فالعلاج لا ينتهي بعد الخروج من المستشفى. ومن المهم أن يفحص طبيب الاطفال المولود الجديد في الساعات الاولى من ولادته، الذي سيحوّله إذا لزم الأمر الى اختصاصي العظام في حال لاحظ علامات بسيطة تدلّ على الخلع»، مشدّداً على «ضرورة ابتعاد الاهل من لفّ الطفل بالقماط، أو وضع حفّاضتين للطفل بدلاً من واحدة لإبقاء الفخذين في وضع مفتوح».

theme::common.loader_icon