«آحاد أغسطس»... بلا نهاية
«آحاد أغسطس»... بلا نهاية
اخبار مباشرة
نسرين بلوط
بحبكة بوليسية «غير مشوّقة» يطلّ علينا الروائي باتريك موديانو في رواية «آحاد أغسطس»، مستبسِلاً في أن يخترق حُجُبَ الخيال الإنساني البعيد ليسوقنا معه إلى عالمٍ مشوّش يرواح بين العبث في ترتيب الأحداث، والإغراق في التفاصيل، والتحايل الجذبي، وحجب النهاية عن القارئ.
كما يشدّ الحوذي الأعنّة، انطلق موديانو بسريّة يضبّبُ فيها روايته حتى يزرع عنصر التشويق فيها، ولكنه زاد الجوّ تعتيماً في ذهن القارئ، دون أن يشيّد جسراً نصيّاً متيناً بيننا وبينه.
سردٌ مُملّ
إنها قصة مكرّرة في جميع العصور، تتناول حكاية مصوِّر يقع في عشق امرأة متزوّجة تدعى سيلفيا، يهرب معها من ضواحي المارن إلى نيس، وهي تحمل معها جوهرة نفيسة نادرة تُسمّى «صليب الجنوب»، هرّبتها من زوجها، فيقع الإثنان في فخ السيد والسيدة نيل، اللذين ينجحان في الإحتيال عليهما، فيخطفان سيلفيا ومعها الجوهرة، ويجوب هو الأزقة والطرقات ضائعاً تائهاً، مشدوه الخاطر، قلق البال، باحثاً عنهم من غير طائل.
المغزى مغبّش بعلامات التساؤل، والأزمنة والأمكنة غير مطلوبة من الراوي بشكل مُلح إذا ما تمكّن من تقمّص مشكلة إنسانية أو تاريخية، أو حتى هامشية، ولكنه انغمس في الأمكنة من دون أن يرصد المأزق.
فكان غائصاً في تفاصيل الأمكنة كعادته في رواياته، متنشّقاً روح السرد الممل، حتى نكاد أن نقع معه في غيبوبة عن لبّ الحدث ومقاصده، هنا يعجز موديانو أن ينتصب بقوائم الرواية بل يُغرقها في وحل التكرار، فيعيا النص ونعيا معه.
المنوال الإيقاعي مغيّب في هذه الرواية، ولكنّ اللغة هي العنصر المتميز فيها، إذ إنّها تخدم الحبكة بشكل مباشر، بطريقة دقيقة ومختزلة، عكس التفاصيل التي يلجأ إليها عندما تعجز مخيّلته عن ابتكار الحدث المناسب.
وكمصباحٍ يهتزّ مع الريح، يتناثر ضوءُ الحدث باهتاً خفيفاً، وقد رام الكاتب بهذا أن تنهال التكهّنات من القارئ على الحدث التالي، مقلّداً نوعاً ما، ولكن بعجزٍ ظاهر، أسلوب الكاتبة البوليسية أجاتا كريستي، وقد نسي بأنها متمرّسة في فنّ الغموض، وأنّ المكان والزمان يخدمان رواياتها فقط في كشف ملابس الجريمة في النهاية.
تناقض بين الواقع والمُتخيّل
تتراقص انعكاسات النهاية بحزن ظاهر في هذه الرواية في مستنقع مبهم، حيث تأتي فارغة، لا وقع لها ولا إيقاع. ونرى ريح الروتين تكنس التسلسل السردي، وتحدّ من سلاسته.
الأبطال في رواية «آحاد أغسطس» محدودون، مهزوزون بتقلّباتهم، ينزلقون على أسطحة الطمع والتردّد والإنحدار الوجداني. البطل يبدو الإنسان الوحيد البريء فيها، فقد أسبغ الكاتب روح الشك في قلوبنا اتجاه جميع مَن في الرواية باستثنائه وحده.
باتريك موديانو كاتبٌ محترف، حاز على جائزة نوبل الأدبية لعام 2014، أشاد به النقاد لبراعته في «فن الذاكرة»، ونجح في أن يتصيّد بفضل شهرته جمهوراً عريضاً من القراء، ولكنه لم يفلح في خداع العين الثاقبة للناقد.
على المتن الحكائي لروايته، تعثّر الكاتب وتجرّد من الأساسيات المُتّفق عليها في الهيكل البنائي للرواية السليمة، ولكنه نجح في إبقائنا قيد الإنتظار بعد المدّ والجزر، بين التناقض الظاهر للواقع والمتخيّل، فأتت الرواية بلا نهاية يمكن حتى للقارئ أن يختارها بنفسه. النهاية لا نهاية لها، كما أنّ البداية لا سند لها.
أن ترسمَ نفسَك أو غيرَك في رواية، وتطوف مع موجة وجدانية حادة، فنٌّ صعب لا يجرؤ عليه الكثيرون، وقد شجّعت نوبل الكاتب باتريك موديانو، التي منحت له إطراءً لإجادته فنونَ الوصف واللعب على الذاكرة، على إقناع نفسه بأنه يخطو للفن السليم في خريطة الرواية وحبكتها، ولكنه لم يُقنع القارئ بشكلٍ تام، ولم ينجُ من أقلام النقاد التي تميّز بين الإشادة والإبادة في فنّ الرواية المعاصرة.
سردٌ مُملّ
إنها قصة مكرّرة في جميع العصور، تتناول حكاية مصوِّر يقع في عشق امرأة متزوّجة تدعى سيلفيا، يهرب معها من ضواحي المارن إلى نيس، وهي تحمل معها جوهرة نفيسة نادرة تُسمّى «صليب الجنوب»، هرّبتها من زوجها، فيقع الإثنان في فخ السيد والسيدة نيل، اللذين ينجحان في الإحتيال عليهما، فيخطفان سيلفيا ومعها الجوهرة، ويجوب هو الأزقة والطرقات ضائعاً تائهاً، مشدوه الخاطر، قلق البال، باحثاً عنهم من غير طائل.
المغزى مغبّش بعلامات التساؤل، والأزمنة والأمكنة غير مطلوبة من الراوي بشكل مُلح إذا ما تمكّن من تقمّص مشكلة إنسانية أو تاريخية، أو حتى هامشية، ولكنه انغمس في الأمكنة من دون أن يرصد المأزق.
فكان غائصاً في تفاصيل الأمكنة كعادته في رواياته، متنشّقاً روح السرد الممل، حتى نكاد أن نقع معه في غيبوبة عن لبّ الحدث ومقاصده، هنا يعجز موديانو أن ينتصب بقوائم الرواية بل يُغرقها في وحل التكرار، فيعيا النص ونعيا معه.
المنوال الإيقاعي مغيّب في هذه الرواية، ولكنّ اللغة هي العنصر المتميز فيها، إذ إنّها تخدم الحبكة بشكل مباشر، بطريقة دقيقة ومختزلة، عكس التفاصيل التي يلجأ إليها عندما تعجز مخيّلته عن ابتكار الحدث المناسب.
وكمصباحٍ يهتزّ مع الريح، يتناثر ضوءُ الحدث باهتاً خفيفاً، وقد رام الكاتب بهذا أن تنهال التكهّنات من القارئ على الحدث التالي، مقلّداً نوعاً ما، ولكن بعجزٍ ظاهر، أسلوب الكاتبة البوليسية أجاتا كريستي، وقد نسي بأنها متمرّسة في فنّ الغموض، وأنّ المكان والزمان يخدمان رواياتها فقط في كشف ملابس الجريمة في النهاية.
تناقض بين الواقع والمُتخيّل
تتراقص انعكاسات النهاية بحزن ظاهر في هذه الرواية في مستنقع مبهم، حيث تأتي فارغة، لا وقع لها ولا إيقاع. ونرى ريح الروتين تكنس التسلسل السردي، وتحدّ من سلاسته.
الأبطال في رواية «آحاد أغسطس» محدودون، مهزوزون بتقلّباتهم، ينزلقون على أسطحة الطمع والتردّد والإنحدار الوجداني. البطل يبدو الإنسان الوحيد البريء فيها، فقد أسبغ الكاتب روح الشك في قلوبنا اتجاه جميع مَن في الرواية باستثنائه وحده.
باتريك موديانو كاتبٌ محترف، حاز على جائزة نوبل الأدبية لعام 2014، أشاد به النقاد لبراعته في «فن الذاكرة»، ونجح في أن يتصيّد بفضل شهرته جمهوراً عريضاً من القراء، ولكنه لم يفلح في خداع العين الثاقبة للناقد.
على المتن الحكائي لروايته، تعثّر الكاتب وتجرّد من الأساسيات المُتّفق عليها في الهيكل البنائي للرواية السليمة، ولكنه نجح في إبقائنا قيد الإنتظار بعد المدّ والجزر، بين التناقض الظاهر للواقع والمتخيّل، فأتت الرواية بلا نهاية يمكن حتى للقارئ أن يختارها بنفسه. النهاية لا نهاية لها، كما أنّ البداية لا سند لها.
أن ترسمَ نفسَك أو غيرَك في رواية، وتطوف مع موجة وجدانية حادة، فنٌّ صعب لا يجرؤ عليه الكثيرون، وقد شجّعت نوبل الكاتب باتريك موديانو، التي منحت له إطراءً لإجادته فنونَ الوصف واللعب على الذاكرة، على إقناع نفسه بأنه يخطو للفن السليم في خريطة الرواية وحبكتها، ولكنه لم يُقنع القارئ بشكلٍ تام، ولم ينجُ من أقلام النقاد التي تميّز بين الإشادة والإبادة في فنّ الرواية المعاصرة.
الأكثر قراءة
الأكثر قراءة
Dec 22
المرحلة الثانية: وفق أي قرار؟
1
Dec 22
مشروع قانون الإنتظام المالي واسترداد الودائع: ملاحظات أولية
2
14:01
غارة على صيدا.. والجيش الإسرائيلي يعلق!
3
Dec 22
بالفيديو - عملية استهداف عنصر في "حزب الله"
4
Dec 22
من أوكرانيا... فنزويلا... إلى الشرق الأوسط: لبنان يأكل العصي ويعدّها!
5
12:07
بري وقع القوانين التي اقرها مجلس النواب
6
13:30
بعد انسحاب "اليونيفيل".. قوّات أوروبية في الجنوب؟
7
17:48
مقررات جلسة مجلس الوزراء
8