أين هيبة المرأة في «الهيبة»؟!
أين هيبة المرأة في «الهيبة»؟!
رنا اسطيح
جريدة الجمهورية
Friday, 23-Jun-2017 07:05
بموازاة الحال الجماهيرية التي خلقها مسلسل «الهيبة» بين صفوف المتابعين وعلى السوشال ميديا، يحمل المسلسل أوجهاً كثيرة تستحق الوقوف عندها وتتخطّى الهالة الخاصّة التي تمكّنت من تكريسها ثنائية نادين نجيم وتيم حسن، ومن بينها المكانة التي تتمتّع بها المرأة بين مفاصل هذا العمل الذي يروي قصة تستند إلى عالم العشائر وتقاليدها المتوارثة، ومن بينها المقاربة الذكورية التي يعتمدها الرجل زعيماً كان أو تابعاً. وهنا يبرز السؤال: هل للمرأة هيبةٌ أيضاً في مسلسل «الهيبة»؟
على رغم دوائر الصراع على السلطة والزعامة بين العائلات والعشائر في «الهيبة»، وبموازاة الخطوط الدرامية التي تستند إلى قصص المتاجرة بالسلاح والممنوعات وتصفية الأعداء، يقدّم العمل الذي كتبه هوزان عكّو ويتولّى إخراجه سامر البرقاوي نماذج متعدّدة للنساء لا تغيب «الهيبة» عن بعضهنّ، وعلى رأسهنّ الممثلة القديرة منى واصف بدور «ناهد عمران» أو «أم جبل».

في هذه الشخصية السلطوية التي تتحكّم بشكل مباشر أو غير مباشر بمصائر من حولها من شخصيات، تبرز الـ Matriarch أو «المرأة-القائدة» و«الأم الحاكمة» بأبهى صورها. كلمة واحدة منها كافية بتبديل مسار بعض الأحداث وتحديد الخطوط الحمراء لِما يمكن قوله وفعله من قبل كل شخصية تدور في فلكها. امرأة لا تهاب المواجهة ولا تعرف الخوف وان كان وجهها الصارم قادر أيضاً على جمع حنيّة الأم بقسوة القائدة.

وفي مقابل نماذج مكرّرة للمرأة الخانعة أو الخاضعة أو حتى المعنّفة والمسلوبة الحقوق والإرادة التي نراها في كثير من الأعمال الدرامية العربية، لا تبدو المرأة في الهيبة كائناً ضعيفاً مُستسلماً لمصيره بشكل تام، فشخصية «منى» شقيقة جبل التي تؤدّيها الممثلة الموهوبة روزينا لاذقاني تتمرّد بدورها على محيطها ليس فقط بزواجها من الرجل الذي تحبّه رغم معارضة أهلها بل أيضاً بشجاعتها في مساعدة عليا مراراً على الفرار وعلى عدم الخضوع لقوانين عائلة شيخ الجبل.

وإن كانت المرأة في هذا المجتمع بعيدةً عن كثير من حقوقها الأساسية، وتخضع بشكل أو بآخر لحكم العائلة والزوج والتقاليد والمجتمع، إلّا أنّ الطبيبة الأربعينية التي تؤدّي دورها كارلا بطرس تشكّل بدورها خروجاً عن جدران البيئة الضيّقة بعلاقتها الغرامية المتحرّرة مع جبل.

أمّا بطلة المسلسل نادين نجيم فهي بدورها نموذج آخر لمرأة تستمدّ قوّتها من ذكائها وحنكتها، فهي تعرف جيداً ما تريد وكيف تحصل عليه وقد عرفت كيف تحارب هذه البيئة بأسلحتها، فمنذ اللحظة الاولى لإطلالتها في العمل كشفت عن أنيابها للمحاربة من أجل وحيدها ورفضت الخضوع لقوّة الأمر الواقع، ساعيةً بوسائط متعدّدة للمواجهة من خلال القضاء أو من خلال نسج صداقات وتحالفات مع منى وسواها لتقوية موقعها، وها هي في الحلقات الأخيرة تؤكّد مكانتها من داخل بيت الزعيم سواء عبر علاقتها مع جبل أو من خلال شدّ الحبال المستمرّ بينها وبين «أم جبل».

هذه المرأة التي تجمع بين سحر جمالها وقوّتها الداخلية تعرف جيّداً متى تجاري الموجة ومتى تقف بوجهها، ومتى تستعمل الخشونة في المواجهة الكلامية ومتى تستعمل صمتها ودموعها كدفاعات أشدّ تأثيراً، ومن المتوقع أن تشهد في الحلقات الأخيرة تدرّجاً تصاعدياً في اتجاه تكريس مكانتها ضمن هيكلية عائلة آل جبل. لا يمنح الكاتب هوزان عكّو مميزات للكاراكتيرات النسائية في عمله من أجل تبرير الأفعال الذكورية، ويبدو أنه ليس مجرّد كاتب موهوب بل هو باحث متعمّق في تاريخ المافيات على أرض الواقع وعلى أرض الترفيه.

ويكاد لا يكون هناك عمل تلفزيوني أو سينمائي أو قصّة واقعية عن المافيات لا يكون فيها للمرأة الدور الأبرز في حياكة الأحداث وطبخ المؤامرات، ومثلما تشير أفلام ومسلسلات مثل «The Godfather» و«Scarface» و«Goodfellas» و«Narcos» و«Sopranos» وغيرها الكثير إلى الدور البارز الذي تلعبه المرأة وتأثيرها المباشر والقوي على الزعيم وقراراته، في «الهيبة» أيضاً تَتمختر ناهد وعليا على خطوط رسم الأحداث العنيفة والذكورية بأنامل نسائية تتمتّع بالدهاء والحنكة والدلال.

مسلسل «الهيبة» كان ليفتقد إلى كلّ المقوّمات المافياوية لولا الدور البارز الذي تمّ منحه للمرأة، وقبل هيبة «جبل» و«شاهين» و«صخر» و«دب» و«دريد»، تشعّ القديرة منى واصف والمتألّقة نادين نجيم هيبة على عمل يَعد الجمهور العربي بفتح الباب على صناعة نوع جديد من الأعمال الدرامية التي ترسّخت في أذهان المشاهدين وفرضت هيبتها على نسَب المشاهدة.
theme::common.loader_icon