أمراض المناعة الذاتية: عندما يُهاجم الجسم نفسه
أمراض المناعة الذاتية: عندما يُهاجم الجسم نفسه
جنى جبّور
جريدة الجمهورية
Saturday, 03-Jun-2017 00:12
عندما يتمرّد الجسم على نفسه، ويفشل الجهاز المناعي في التفرقة بين أنسجته الطبيعية والأنسجة الغريبة، يهاجم نفسه مدمِّراً أنسجته ما ينتج عنه عدد من الأمراض التي تُعتبر من بين أبرز 10 أسباب للوفاة في العالم. وفي لبنان ترتفع هذه النسبة، فهل أنتم مصابون بأيّ مرض من أمراض المناعة الذاتية؟
تسبّب أمراض المناعة الذاتية أضراراً على جسم الانسان، وتُعتبر نسبة الإصابة بها شائعة نسبياً. وفي هذا السياق، كان لـ»الجمهورية» حديث خاص مع الاختصاصي في علم المناعة، والباحث في مركز الأبحاث التابع للمركز العالي للدكتورا في الجامعة اللبنانية الدكتور حسان سعيّد الذي استهلّ حديثه قائلاً: «يتميّز جهاز المناعة بالقدرة على التمييز بين الأجسام الدخيلة (العدوّة) والخلايا التي تنتمي الى جسم الإنسان ذاته، ما يفرض عليه رفض الأجسام الداخلية ضمن آلية عمل محدّدة تقع ضمن نطاق استخدام كريات الدم البيضاء لاقتلاع الأجسام الداخيلة من ناحية، وتدميرها وتفجيرها من ناحية أخرى. ولكن في بعض الأحيان يفشل جهاز المناعة في عملية التمييز هذه وبالتالي يتصدّى لخلايا الجسم نفسه، وهذا ما يسبب الكثير من المشكلات الخطيرة، فتنتج عن ذلك مجموعة من الأمراض التي تُسمى أمراض المناعة الذاتية».

الشلل التام
تمتلك خلايا الجسم ما يُعرف بالبصمة الوراثية، وهي عبارة عن علامة تميّز كل جسم عن الآخر. وخلال الأيام الاولى من الحياة، يقوم الجسم بالتدرّب على مقاومة الخلايا الدخيلة، فيستبعد أيَّ خلية مناعية قادرة على مقاومة خلايا الجسم ذاته.

وفي حالة الفشل المناعي، تقاوم الخلايا المناعية خلايا الجسم ذاته، فينتج عن ذلك عدد من الأمراض المناعية الذاتية التي تُقسم الى اثنين، بحسب سعيّد الذي يقول: «منها ما هو موضعي، حيث تتركز الأمراض في مكان واحد أو عضو واحد، وهنا يمكن أن نلمس حالات التهاب الغدة الدرقية، كما يمكن أن تقوم الخلايا المناعية بمهاجمة جهاز كامل داخل الجسم كما هو الحال مع مرض التصلب المتعدد، بحيث يقوم جهاز المناعة بمهاجمة أجزاء معيّنة من الأعصاب مسببِّاً مشاكل عديدة في نقل الرسائل العصبية وعمليات التحكّم ما يؤدّي الى الشلل التام.

وفي هذا الاطار، أصبح بإمكاننا تفسير الكثير من الحالات التي تظهر فجأةً على مستوى الجسم. فالدراسات الحالية تشير الى أنّ حالة البهاق، والذي هو مرض جلدي، يتمثل بزوال اللون الطبيعي للجلد ما يؤدي الى بقع واضحة، نتيجة مرض مناعي ذاتي ناتج عن تدمير الخلايا المنتجة للون البشرة».

تتنوّع مسبّبات أمراض المناعة الذاتية، دون القدرة على تحديد السبب الرئيسي. ويعددها سعيّد على الشكل الآتي:

التوتر والقلق

العوامل الوراثية الجينية: إستخدام أنواع من الأدوية خصوصاً عند صغار السن، ما يسبب في إحداث خلل في بعض الأعضاء، كما في حالات الفشل الكلوي عند بعض الاطفال حيث يقوم الجهاز المناعي بمحاربة خلايا الكلية بعد أخذ جرعات مفرطة من هذه الأدوية.

- الملوّثات الطبيعية والعوامل البيئية: من أهم ما تمّ رصده حالياً، هو ما يُسمى بـ «post viral infection» حيث تمت ملاحظة أشخاص يصابون بأمراض مناعة ذاتية، بعد تعرضهم لإصابات بفيروسات أدّت الى استنزاف جهاز المناعة لمدة طويلة. وهؤلاء الأشخاص، عانى نصفهم من شلل وعدم قدرة على تحريك الأقدام لمدة شهرين بعد الاصابة الفيروسية، ومن ثم عادت الامور الى طبيعتها بعد هدوء جهاز المناعة.

- التوتر والقلق: يُعتبر التوتر والقلق وإشغال الفكر الدائم، من أبرز أسباب الحالات المرضية. فقد لوحظ بأنّ الأشخاص الذين يتناسون الحالة المرضية هم أكثر قابلية للشفاء، مقارنةً بالأشخاص الذين يفكرون بهذه الحالة. من هنا أهمية اتّباع أنظمة غذائية ورياضية معيّنة قادرة على تخفيف التوتر، وأخذ نوع من الفيتامينات ما يؤدي الى تحسين وضع المريض تحضيراً للشفاء التام.

وعن ما إذا كانت الأمراض المناعية تهدّد حياة الانسان، يجيب: «نعم، فنهاك حالياً أكثر من 80 مرضاً ناجماً من المناعة الذاتية، وتشير التقديرات الى أنّ أمراض المناعة الذاتية هي من بين أبرز عشرة أسباب للوفاة بين الناس في جميع الامراض حتى عمر 65 عاماً».

الحمل والرضاعة
من الممكن أن يُصاب الشخص بعدد من الأمراض المناعية في الوقت نفسه، والتي تصيب النساء بنسبة 70 في المئة، ما يجعلهن الأكثر عرضة، وربطت دراسة أجريت في المركز الأميركي للمناعة الذاتية السبب، بالتبدل والتغيير الهرموني المستمر عند النساء خلال الدورة الشهرية وفترة الحمل والرضاعة. وفي هذا السياق، يلفت سعيّد الى أنّ «إصابة المرأة بمرض مناعي ذاتي، غير ملزم للمولود بهذه الحالة، كونه تختلف الخلايا التابعة له عن خلايا أمه، وبالتالي المواجهة المناعية الحاصلة عند الام لا تُنقل الى الابن إلّا في حالة وجود علامة مشتركة بينهما على مستوى الخلايا».

الفحوصات
تختلف عوارض المناعة الذاتية تبعاً لنوع المرض والعضو المستهدَف. ويمكن للمريض أن يدرك إصابته بعد رصد العوارض المشترَكة التي تكون أسبابها غير مفهومة، ويشير اليها سعيّد: «التعب والإعياء، الحرارة المرتفعة وشعور بعدم الراحة.

إضافةً، الى الألم وفقدان الوظيفة العائدة للعضو المستهدَف، مثل فقدان عمل المفاصل والشعور بالتشنّج والتصلّب. وفي بعض الحالات قد نلمس فشلاً عضليّاً، بحيث تحرم العظمة من أداء الوظيفة والدور. هذه المؤشرات تدفع المريض الى إجراء فحوصات مخبَرية بعد تأكد الطبيب المختص أنّ حالته هي وضعية من وضعيات المناعة الذاتية. ومع التطوّر الحالي، يسهل تحديد السبب بعد الخضوع الى عدد من الفحوصات المخبَرية مثل: auto-antibody test ، CRP test..

العلاج
يمكن للتدخل الدوائي مثل اعتماد أدوية إلتهابية معيّنة، والأدوية المثبطة لجهاز المناعة، التخفيف من حالات التهيّج المناعي. وأحياناً، يلجأ بعض الأطباء الى إعتماد علاج نفسي بالطب البديل كالعلاج بالأعشاب.

السكري
ما زالت نسبة الإصابة في لبنان قيد الارتفاع المستمر، وهذا ما نلاحظه في الكثير من الدول التي تعاني من وضعيات بدنية غير سليمة وظروف توتر دائم. ويوضح سعيّد أنّ «حالات المناعة الذاتية تختلف تبعاً لنوع المرض (من أصل 80 نوعاً). ويمكن ملاحظة ازدياد حالات الفشل الكلوي، وحالات البهاق الجلدية وحالات السكري من النوع الأول، الذي يُعتبر من أكثر الأمراض فتكاً.

وأظهرت الدراسات بأنّ فشل خلايا البنكرياس (B-cells) بإنتاج الانسولين عائد الى مهاجمة الخلايا المناعية لخلايا البنكرياس نتيجة الحكم الخاطئ وتدمير هذه الخلايا، وبالتالي حرمان الجسم من الإنتاج الذاتي للانسولين. وهنا لوحظ بأنّ حالات القلق والتوتر والخوف ساعدت في هذا الفشل في الأداء المناعي وخصوصاً عند الأطفال».

لبنان والأمراض الذاتية
أمّا في ما يخصّ مستوى الوعي في لبنان فأكدّ أنّه «لم نصل بعد الى المستوى المطلوب، لذلك ننصح بإجراء ورش عمل وحلقات تدريبية وتوعية مستمرة، بهدف جعل المواطن يتقبّل فكرة هذه الأمراض، ومعرفة أنّ التعافي سيحصل ولكن بعد مرور الوقت اللازم للعلاج الدوائي والنفسي، من هنا أهمية أن يصبر المريض على العلاج، وأن لا يبدّل الطبيب المعالج ظنّاً منه أنه لا يتحسّن ويمكنه تلقي علاج أفضل».
theme::common.loader_icon