عندما تتخيَّل المُراهِقة... أنها بدينة!
عندما تتخيَّل المُراهِقة... أنها بدينة!
د. أنطوان الشرتوني
جريدة الجمهورية
Monday, 24-Apr-2017 00:04
يمرّ كل طفل بمراحل عدّة خلال نموه الجسدي والنفسي. طبعاً يختلف النمو بين الفتيات والصبيان، ويظهر هذا الإختلاف بوضوح، خصوصاً في بداية المراهقة، على رغم اهتمام الصبيان والبنات بشكلهم الخارجي. خلال تلك المرحلة، تهتم الفتيات بوزنهنّ وتخفنَ أن يزيد فتصبحنّ سمينات، بينما لا نجد هذا الخوف عند الصبيان. فإذا كانت ابنتكِ تكثر من الحديث عن إنقاص وزنها وتمضي ساعات في مراقبته على ميزان الوزن، وتراقب بشكل مفرط الأطعمة التي يجب أن تأكلها، وتتجنّب الكثير من الأطعمة الأخرى وغيرها... يكون تدخّل الأهل وخصوصاً الأم مهم جداً لمساعدتها، إذ يمكن أن تتفاقم "مشكلتها" فتصبح عرضةً لاضطرابات خطيرة منها "وسواس البدانة". فكيف يمكن مساعدة المراهقة التي ترى نفسها دائماً بدينة؟ وما هو دور الأهل وخصوصاً الأم في استيعاب مشكلة ابنتها؟ وما هي الحلول النفسية؟
في عصرنا الحالي، يهتم الناس كثيراً بالشكل الخارجي لدرجة كبيرة، بحيث لم يعد مُستغرباً أن تنطبع في أذهان كلّ الناس لا سيما في أذهان الأطفال والمراهقين، صورٌ لشخصيات مثالية، يحاولون تقليدها سواء على صعيد التصرفات أو المظهر الخارجي. غالباً ما تتمثّل المراهقات ببطلات الإعلانات من فتيات جميلات ونحيفات جداً، فيحاولن تقليدهنّ والتشبّه بهنّ من حيث مظهرهنّ الخارجي.

وهنا تكمن المشكلة لأنّ تلك العارضات ذات قوام رشيق وتتّبعنَ نظاماً غذائياً معيناً مناسباً لعملهنّ. وبسبب تعلقهنّ الكبير بالمظهر الخارجي، تكثر شكاوى الفتيات من البدانة الوهمية وتنتشر أفكار عن أهمية الرشاقة وصولاً إلى الهوس. فنرى تلك المراهقات تلجأن إلى الريجيم وبرامج الحمية "العنيفة"، أي أن تأكل حبتي لوز في اليوم مثلاً، لتخفيف الوزن.

المراهقات و"هوس" تخفيف الوزن

بعد خلعها ثياب الطفولة، تبدأ المراهقة بالاهتمام بالموضة، و"آخر صرعة"، وطبعاً بالرشاقة لكي تُناسب الموضة جسمها. وطبعاً، الفتاة التي ترى أمها مثالها الأعلى، غارقة أيضاً في احتساب الوحدات الحرارية، وماذا يجب أن تأكل وماذا تتجنّب، معذورة لأنّ حياتها العائلية مركزة على مبدأ "الرجيم وهوس الرشاقة".

لا يعني كلامنا أنّ الرشاقة ليست مهمة وأنّ الاهتمام بالأطعمة الصحية لا يجب أن يكون من أولويات الإنسان، ولكن يجب ألّا يقع هذا الأخير فريسة لأفكاره الهوسية عن الريجيم وشكله الخارجي.

وتتفاقم مشكلة "هوس" تخفيف الوزن في المدارس أيضاً، حيث نجد أنّ موضوع الرشاقة والريجيم يُثار في الصفوف الثانوية وتدور حوله نقاشات لامتناهية بين الطالبات، تُصنِّف خلالها التلميذات ما بين فئتين وهما: الرشيقات، وصاحبات الأوزان الثقيلة.

فتبرز مشكلتان هما: أولاً، عدم تقبّل الآخر بسبب شكله الخارجي، وثانياً، الخوف المقلق من الوزن الثقيل ما يؤدي إلى اضطراب نفسي وهو الأنوريكسيا أو فقدان الشهوة العصبي للطعام.

أمّا على الصعيد العائلي، فمن المعروف بأنّ المشاكل الغذائية قد تنشأ عن عدم الإحساس بالأمن الأسري في سنوات الطفولة المبكرة. فنجد في العيادات النفسية أنّ بعض المراهقات اللواتي تعانينَ اضطراباً في الغذاء، عايَشن خلال مرحلة الطفولة، شعوراً دائماً بالقلق كان موجوداً بسبب مشاكل عائلية أو حتى فردية.

وللتلفزيون دور بارز أيضاً في حياة المراهقة التي تتنافس مع صديقاتها اللواتي يَردن بأيّ ثمن، رشاقة عارضات الأزياء النحيلات.

دور الوالدين

مسؤولية الوالدين مهمة جداً في موضوع الرشاقة، وهوس الريجيم عند المراهقات، وتمرّ بالنقاط التالية:

أولاً، إذا كان الوالدان من المبالغين في الرشاقة إلى حدّ الهوس، فسترث الفتاة المراهِقة هذه المبالغة في تقدير شكلها الخارجي.

ثانياً، يجب التفسير للمراهقة عن أهمية الغذاء والابتعاد قدر الإمكان عن أهمية الشكل الخارجي. فبعض المراهقات يعتبرن أنّ النجاح في الحياة العملية يعتمد على الشكل الخارجي وطبعاً هذا الكلام غير دقيق وغير صحيح.

ثالثاً، إذا كانت المراهقة ترى والديها دائمي الانشغال بوزنيهما، لا بدّ أن ترث هذه "الخَصلة" عنهما. لذا، يجب أن يسيطر الوالدان على حديثهما خصوصاً حول موضوع الطعام والرشاقة والريجيم.

رابعاً، عدم استعمال كلمات مؤذية عن الشكل الخارجي والبدانة مع المراهقات، والطلب من المدارس التي تتردّد عليها المراهقات بالاهتمام بالرياضة الصحية والتحدّث عن مواضيع الغذاء بشكل معتدل وإظهار أهمية الطعام الصحي.

خامساً، الفتاة التي تتردّد على مسامعها الأحاديث عن مستوى الدسم في الأطعمة، لا بدّ أن تتأثر بها. لذا، من المهم الابتعاد قدر الإمكان عن تلك الأحاديث.

... والعلاج؟

إنّ الاهتمام بأمور الوزن تتلاشى مع مرور الوقت، ودور الأهل أساسي في تعجيل انصراف بناتهم المراهقات عن هذه الأفكار. ولا يجب أن تُذعر الأم وتخاف على ابنتها إذا تكلّمت عن وزنها، فربما يكون حديثاً عابراً.

كما يجب أن يفهم الأهل أنّ المراهقات يقارنّ أجسامهنّ بأجسام عارضات الأزياء أو الممثلات الجميلات، وهذه المقارنة طبيعية، ولكن على الأهل أن يفسّروا للمراهقات بأنّ لكل شخص شكله الخاص، وبأنّ تلك العارضات أو الممثلات تتابعن برامج غذائية معينة وبرنامجاً رياضياً صحياً للحفاظ على شكلهنّ.

وإذا لاحظ الأهل أنّ طفلتهما المراهقة تفكر باستمرار بنوعية غذائها وتعاني "هوس الرشاقة"، أي تمارس باستمرار الرياضة ومن دون انقطاع، مع اختيار نوعية غذاء بسيطة وليست غنية نسبة للرياضة التي تمارسها، وبأنها تَتشبّه كثيراً بعارضات الأزياء وتطرح الكثير من الأسئلة حول مظهرها الخارجي... يجب أن يطلبوا المساعدة من طبيب واختصاصي نفسي لكي لا تتفاقم المشكلة فلا يتمكنوا من السيطرة عليها.
theme::common.loader_icon