فيليب عرقتنجي: «اسمعي» رحلة إلى عالم الصوت والأنثى
فيليب عرقتنجي: «اسمعي» رحلة إلى عالم الصوت والأنثى
رنا اسطيح
جريدة الجمهورية
Friday, 27-Jan-2017 00:03
بعد 50 فليماً وثائقياً وقصيراً وثلاثة أفلام روائية طويلة و38 جائزة عالمية، يخوض المخرج اللبناني فيليب عرقتنجي في فيلمه الجديد «اسمعي» مغامرةً سينمائية جديدة، ليقدّم قصّة حب معاصرة يأخذ فيها المشاهد في رحلة ساحرة إلى فضاءات الصوت والصمت وعوالم الحب والجسد والأنثى. المخرج المعروف بمقاربته السينمائية غير التقليدية وغنى تجربته الإبداعية يخصّ «الجمهورية» بحوار شائق يكشف فيه كواليس صناعة فيلمه الجديد ونظرته الخاصّة إزاء المرأة وإشكاليات الحب والخيانة والحرية والجسد وشغف الصناعة السينمائية.
ثمينةٌ هي الأفلام التي يستطيع الجمهور أن يختبرها على مستويات عدّة والتي تفتح بوّابة جديدةً إلى عوالم متلاصقة ومتداخلة في أصواتها وحيواتها وكينونتها.

«اسمعي» لفيليب عرقتنجي الذي ينطلق في 9 شباط المقبل في مختلف الصالات اللبنانية، يفرض نفسه في هذا الإطار بوّابةَ عبورٍ إلى عالم الصوت والحب والأحاسيس، ضمن قالب يفيض بالرومانسية، ولكنه يقترن بنظرة واقعية مطعّمة بالتشويق والطرافة لقصة حب معاصرة، يقدّم من خلالها نظرةً جديدة إزاء المرأة والرجل على حدّ سواء، مشرّعاً أبواب السينما اللبنانية على آفاق جديدة.

في بداية حديثه إلى «الجمهورية» يصف فيليب عرقتنجي فيلمه بأنه «قبل كلّ شيء قصة حب بسيطة، ورغم أنه يحمل أفكاراً عميقة على مستويات مختلفة، ولكن «هدفي الأساسي كان أن أصنع فيلماً من النوع السهل الممتنع وفي متناول كافة فئات الجمهور، ويضمّ مزيجاً من الدراما والكوميديا في آن».

قصة حب

ويتمحور فيلم «اسمعي» حول قصة مهندس صوت خجول (هادي بو عيّاش) تنجذب إليه ممثلة شابة صاحبة شخصية متمرّدة ونابِضَة بالحيويّة (ربى زعرور). وبينما كان يعرّفها إلى عالم الصوت الذي يعيش فيه تصِل قصة الحبّ بينهما إلى ذروتها، قبل أن يحصل ما لم يكن في الحسبان، وتغيب رنا فجأةً. ولكي يستعيدها، يلجأ الشاب إلى رسائل وتسجيلات تتضمّن أصواتاً من الحياة، يواظب على إرسالها إليها بواسطة الشخص الأقرب إليها: شقيقتها (يارا بو نصّار).

ويضمّ الفيلم الذي كتبه عرقتنجي بالإشتراك مع منى كريّم وأخرجه وأنتجه بنفسه إلى جانب الوجوه الشابّة، مجموعةً من الممثلين البارزين من أمثال رفيق علي أحمد وجوزيف بو نصّار ولمى لاوند بالإضافة إلى وجوه معروفة من أمثال رنين الشعّار وبشارة عطالله وجوزيان بولس ولينا أبيض وساشا دحدوح ولينا خوري.

عالم المرأة

ويفصح صاحب فيلم «البوسطة» (2005) الذي قدّم للجمهور نظرة جديدة إلى مرحلة ما بعد الحرب اللبنانية، أنه كان ينوي بدايةً أن يقدّم فيلماً وثائقياً عن المرأة الشرقية ثمّ جذبته فكرة تقديم قصّة مميّزة عن مهندس صوت يدخِل المشاهد إلى عالم الصوت والإصغاء بكلّ وجوهه وسماته الغنية، ولكنه قرّر لاحقاً أن يكون الفيلم قصة حب بالدرجة الأولى، لتجتمع تحت مظلّتها أفكار كثيرة نثرها كبذور في حقل فسيح لتنمو بحريّة.

ويعترف أنّ «الإطار الأنثوي موجود في الفيلم ولكنه ليس القصّة بحدّ ذاتها فعلى الرغم من أهمية الحديث عن المرأة اليوم ولكنني قررت أن اتحدّث عنها من خلال وجهة نظر الرجل، والبطل في القصة رجل يهيم في عالم المرأة، ليشكّل «اسمعي» رحلة حسّية إلى عالم الصوت والأنثى ودعوة إلى الإصغاء وإلى التواصل مع العالم الانثوي كسمة موجودة سواءٌ في الرجل أو المرأة».

المشاهد الغرامية

فيلم «اسمعي» الذي ينسج عالماً ساحراً من الحب ومن الصوت أيضاً، يولي فيه فيليب عرقتنجي أهميّة قصوى للإصغاء كوسيلة للتقارب والانفتاح، ويرى أنّ «العالم يغرق اليوم في الضجّة.وبالتالي تركيزي على الاستماع يعود إلى أنني أرى فيه عنصر انفتاح وحوار بين الناس».

وعن المشاهد الغرامية الجسدية التي يتضمنها الفيلم، يقول عرقتنجي: «هذه المشاهد تندرج في سياق القصة، وهي أساسية في حبكة الفيلم. فالفيلم رومانسي وقصة حب شبابية ناعمة، والشباب اللبنانيون يقيمون علاقات جسدية عندما يكونون مُغرَمين، وبالتالي هذا واقع حقيقيّ، وأيّ معالجة سينمائية واقعية لقصة حبّ لا يمكن أن تستمرّ في تجاهلِه».

تعبت من هذا السؤال

وعن إشكالية الحب والخيانة التي يطرحها الفيلم يقول: «النقاش مفتوح على صعيد هذه المعادلة، فالخطوط ليست واضحة وكلّ شيء قابل للنظر وإعادة النظر. فما قد يبدو فعل خيانة من وجهة نظر محدّدة يمكن أن يكتسب معنىً مختلفاً تماماً من زاوية نظر أخرى».

المخرج الذي لطالما خرج في أفلامه عن المقاربات النمطية والصور المعلّبة للموضوعات والشخصيّات يعترف أنّ «صناعة الأفلام بالنسبة لي مغامرة شخصية أحوّلها إلى عمل فنّي». أما ما يريده من السينما اليوم في هذه المرحلة من حياته ومشواره المهني فهو «أن أصنع أفلاماً فقط لمتعة السينما. أودّ لو أرتاح من عبء المجتمع الذي يلاحقنا بسؤال: «هل هذا الفيلم يشبهنا؟».

ليس مطلوباً أن نقدّم دوماً نماذج من المجتمع ليست هذه وظيفتنا ولا دورنا كفنّانين. أنا أخبر قصّة أريدها أن تكون حرّة جميلة كما هي، من دون التقيّد بمتطلّبات تقديم نماذج عن المجتمع اللبناني من جهة ومن دون الخضوع من جهة أخرى إلى متطلّبات الغرب الذي يشجّع على تقديم قصص متعلّقة بالحروب الدائرة اليوم وبالإرهاب والتطرّف وداعش وسواها.

والمخرجون الجيّدون اليوم هم الذين نجحوا بتوزيع أفلامهم في الخارج أيضاً، فالسوق اللبنانية محدودة ولا تسمح للفيلم بأن يحقّق كسباً يعادل على الأقل ما تطلّبه من إنتاج».

ويؤكّد أنّ فيلم «اسمعي» الذي ينطلق في مختلف الصالات اللبنانية ابتداءً من 9 شباط المقبل، هو نتيجة «جهد وحب على مدى سنتين من التحضير، أقدّمه إلى جمهور أحبّه ولذلك أدعوه إلى مشاهدته ليس من باب تشجيع السينما اللبنانية كواجب وطني، وإنما من باب اختيار الأعمال التي يرغبون باختبارها كتجربة فنّية وإنسانية».
theme::common.loader_icon