متلازمة توريت إضطراب لا إرادي
متلازمة توريت إضطراب لا إرادي
ساسيليا دومط
جريدة الجمهورية
Thursday, 03-Nov-2016 00:16
يصاب الشابُّ جو بنوبة ضحك لدى رؤيته رفيقاً له، في الـ 14 من عمره، يقوم بحركات لا إرادية متبوعة غالباً بأصوات غير مفهومة، إلّا أنّ ما لا يعرفه جو، وكثُر غيره هو أنّ هذا المراهق، وغيره، مصابون بما يسمّى «متلازمة توريت».
إضطراب عصبيّ يَظهر من خلال حركات لا إرادية وأصوات متكرّرة، تسمّى «عرات»، هي تشنّجات حملت إسم طبيب الأعصاب الفرنسي جورج جيل دي لا توريت، أوّل الباحثين عن هذه الأعراض، أسبابِها وسبلِ علاجها، عام 1885. وقد تكون العرات حركية، أو لفظية، أو الإثنين معاً.

الأعراض

تظهر الأعراض الأكثر شيوعاً في الوجه، على شكل غمز أو إغماض في العين، أو حركة كالقفز، الرفس، دفع الذراع. وقد تَظهر على شكل استنشاق، أو/وأصوات وكلمات غير مفهومة، تُعرف بـ»التشنجات الصوتية غير الإرادية».

تبدأ أعراض «توريت» بين عمر 3 و9 سنوات، وغالباً ما تكون مؤقّتة، وأحياناً تدوم لأشهر فقط. في معظم الحالات تختفي تدريجاً في مرحلة المراهقة، لتتحسّن بشكل ملحوظ أو تختفي تماماً عند البلوغ. وتشكّل لدى بعض المصابين بها، حالة مزمِنة، قد تستمرّ لمدى الحياة.

قد تكون العرات حركية، بسيطة، كوميض العين، الغمز، تشنّجات في عدد محدود من المجامع العضلية، حركات الكتِف، هزّ الرأس وغيرها. وهي حركات مفاجئة، مؤقّتة ومتكرّرة.

أمّا العرات الحركية المعقّدة، فتشمل عدة مجموعات عضلية، وتجتمع بذلك عرات بسيطة، ترافقها بشكل منسّق، كهزّ الرأس والغمز وحركات في الفم، وقد تكون أكثر تعقيداً، فينحني المصاب بها أو يقفز.

أمّا الحركات اللفظية، فقد تكون بسيطة وتقتصر على صوت تطهير الحلق، الاستنشاق، أو لفظية معقّدة، تصل إلى التلفّظ بكلمات وعبارات بذيئة وقاسية جداً.

يمكن أن تكون العرات الحركية مؤذية جداً للنفس والغير، حيث يقوم المصاب بضرب وجهِه أحياناً، أو التلفّظ بكلمات وعبارات عنيفة وبذيئة، أو يكرّر ما يقوله الآخرون أمامه على شكل تقليدهم. إلّا أنّ مَن يتلفظون بالكلام العنيف يشكّلون قلّةً بين المصابين بهذا المرض.

يَشعر المصاب بمتلازمة «توريت» برغبة جامحة بالقيام بالعرات، على مستوى مجموعة عضلات معيّنة، ويسمّى هذا الشعور بالدافع الأوّلي، شعور يشبه الرغبة بالتثاؤب.

يَصعب على المصاب مقاومة الرغبة بالقيام بالعرات، لشدّة شعوره بالرغبة والحاجة لها. قد تتكرّر العرات عدة مرّات في اليوم، ويرتبط عدد المرّات بالجو العام، والراحة، أي على علاقة مباشرة بالحالة النفسية للمريض. يتزايد عدد التشنّجات مع القلق والانزعاج، ويتلاشى في أوقات النوم والراحة، والتركيز على اهتمامات أخرى، (لكنّه لا يختفي نهائياً).

تبدأ أعراض الإصابة في منطقة الرأس والرقبة، وتتقدّم الأعراض الحركية على الصوتية منها، والبسيطة على المعقدة. وتختلف العرات من حيث النوع والتكرار، الموقع والجدّية. ويُعتبر منتصف المراهقة، قمّة الإصابة بالأعراض التي تتراجع مع البلوغ، و على الرغم من تراجعها واختفائها، إلّا أنّ السلوكيات المرتبطة بها قد لا تزول.

يُصاب من يعاني من متلازمة توريت باضطرابات نفسية أخرى كالوسواس القهري، نقص الانتباه مع فرط الحركة، سلوك اندفاعيّ تصعب السيطرة عليه، وضعف في التواصل. كما تسبّب هذه الحالة مشاكلَ على مستوى التعلّم، من خلال النتاج العلمي، الأداء الأكاديمي والتكيّف الاجتماعي، الاكتئاب والقلق. في ظلّ كلّ ذلك، يحتاج من يعاني من «توريت» إلى دروس خصوصية، المعاملة بتفهّم، محبّة وتسامح، بالإضافة إلى التشجيع والمرونة، بحسب الحالة.

غالباً ما تكون تشنّجات «متلازمة توريت» خالية من أيّ معنى. ويتمكّن المصاب من التحكّم بها، لكنّه يحتاج للقيام بذلك إلى مجهود كبير، وقدرةٍ على التحمّل، لِما يسبّبه ذلك من توتّر، فهو بحاجة للقيام بالحركات ليرتاح.

الأسباب

يصيب هذا الاضطراب أيّاً كان، إلّا أنّ نسبته لدى الذكور تفوق الإناث. هو مرتبط بمشاكل معيّنة في الدماغ على صعيد المواد الكيماوية التي تساعد في عملية الاتّصال بين الخلايا العصبية، كما لا يمكن استبعاد العامل الوراثي عند الإصابة بمتلازمة «توريت».

التشخيص

لا يتمّ تشخيص الإصابة بمتلازمة «توريت» من خلال فحوصات مخبرية، بل يعتمد ذلك على المراقبة والمقابلة التي يقوم بها المتخصّصون من أطبّاء ومعالجين نفسيين، بمساعدة الأهل. لتشخيص الإصابة، لا بدّ من أن تعود مدّة الحركة المتكرّرة لفترة تفوق السنة، بالإضافة إلى ترافقها بعدّة تشنّجات لا إرادية حركية، مع واحدة أو أكثر من العرات الصوتية، مرّة في اليوم على الأقل.

العلاج

قد يتمّ تشخيص الإصابة «بمتلازمة توريت» خطأً من قبَل الأهل والمحيطين، كذلك من قبَل غير المختصين، فتُعالَج على أنّها حساسية موسمية مثلاً، في حال الاستنشاق، وقد ينسبون التطرّف والغمز في العين إلى مشاكل في النظر.

لا يحتاج المصاب بأعراض طفيفة جداً «لمتلازمة توريت» لأيّ علاج بالدواء، وذلك تجنّباً للآثار الجانبية لذلك، كالاضطراب في الحركة وعدم التركيز، والدواءُ الأنسب هو المضاد للذهان، لفعاليته في القضاء أو التخفيف من التشنجات اللاإرادية، ودواء الصرع.

يتخلّص ربعُ المصابين بهذا الاضطراب تماماً من أعراضه، كما يعيشون متوسطاً عمرياً طبيعياً، ويتمتّعون بمستوى ذكاء طبيعي. ومن أهمّ وأنجح العلاجات لهذا الاضطراب، العلاج السلوكي المعرفي، من خلال التوعية على المرض وأعراضه، والتدريب على عدم الاستجابة للرغبة بالقيام بالعرات، كما يساعد هذا العلاج المجتمع على تقبّلِ هذه الحالات عبر التعريف بها. ويدفع العلاج بالإيحاء نحو التخلّص من هذه الحالة، والاضطرابات المرافقة لها.
theme::common.loader_icon