المريض بمرض مزمن... وعائلته
المريض بمرض مزمن... وعائلته
اخبار مباشرة
د. أنطوان الشرتوني
جريدة الجمهورية
Monday, 31-Oct-2016 00:04
بين أفراد غالبية العائلات شخص يعاني من مرض مزمن. لا ينتقل المرض المزمن بالعدوى من شخص إلى آخر، ويصاب به الإنسان لفترة طويلة، وعادة لا شفاء منه. تشمل الأمراض المزمنة: أمراض القلب والسرطان بكلّ أنواعه، وأمراض الجهاز التنفسي وداء السكري. ولا يحتاج المريض فقط للمتابعة الطبية الدقيقة، بل أيضاً للمتابعة النفسية وللإستماع لمخاوفه وهواجسه، كما يحتاج كلّ أفراد عائلته لمساندته نفسياً. فكيف يمكن مساعدة عائلة المريض؟ وكيف يمكن تخفيف وطأة القلق والإحباط عن المريض وعائلته؟
تقع صدمة إصابة الشخص بمرض مزمن عليه وعلى عائلته، خصوصاً إذا ما كانت العائلة متماسكة كالعائلات الشرقية والعربية. ويتحمّل تداعيات المرض من آلام وتوتر وخوف وقلق، كلّ من المريض والأهل والأحباء وحتّى الأصدقاء.

المريض وعائلته

لا يعاني أهل المريض، من آلامه الفزيولوجية أو الجسدية نفسها، إنما من القلق والخوف. وربما تكون آلامهم النفسية أشدّ من أيّ آلام جسدية خصوصاً في مراحل المرض الأولى. وعلى رغم تقدّم العلم والطب والعلاجات، ما زالت الأمراض المزمنة موجودة، وتتزايد الحاجة لمساندة المريض إذ يحتاج وعائلته، إلى العلاج والمتابعة والإستماع لقبول الواقع.

عادةً ما تكون الزوجة قوية وصاحبة قرار في المراحل الأولى من مرض زوجها حين يكون بحاجة ماسة إليها وإلى مرافقتها. ولكنّ غالبية السيدات اللواتي يرافقن أزواجهنّ خلال مرضهم، يعانين من القلق الكبير خصوصاً قلق الإنفصال أو الموت، ويُعبّرنّ عن الحاجة للتكلم عن مشاعرهنّ.

وتلجأ الأم إلى ابنتها أو ابنها البكر للتحدث عن مخاوفها، لكن تقع المشكلة عندما تكون الإبنة أو الإبن أيضاً في ضيق وقلق. ثمّة سيدات وخلال مرض أزواجهن يعبّرن بفرط من العناية وبتدابير صحية دقيقة تكاد تخنق المريض بدلاً من مساعدته، ويفسَّر هذا التصرف على أنه نوع من التعويض العاطفي.

أما بالنسبة للزوج، فإذا إكتشف معاناة زوجته من مرض مزمن، عادة ما تكون ردة فعله عنيفة جداً، أو قد يتصرّف بشكل طبيعي وهادئ لإخفاء مشاعره ومخاوفه، وفي ذلك نوع من النفي أو عدم تقبّل الواقع. كما تظهر عند بعض الأزواج صدمة عاطفية خصوصاً إذا ما زالت الزوجة شابة.
أما الأولاد في كنف العائلة، فيشعرون بالذعر عند إصابة أحد الوالدين بمرض مزمن.

ويرجع سبب ذعرهم إلى الخوف من موت المريض، أو الخوف من حملهم هذا المرض عبر الجينات وبالتالي الخوف من الموت أيضاً. ويؤدّي التكوين الشخصي للإنسان أكان مريضاً أو معافى، وطريقة إستيعابه للمشكلات ونضجه الفكري والعاطفي وغيرها من الأمور النفسية، دوراً بارزاً في تأقلمه مع مرض أحد الوالدين.

ماذا عن المريض؟

من المهم طمأنة المريض وعائلته على وضعه الصحي، والتفسير له عن متطلباته الصحية. إذاً دور الطبيب المعالج والاختصاصي النفسي هو تثقيف المريض عن حالته وعدم تضخيم أو تخفيف الوقائع بل قول الحقيقة، ولكن بطريقة «إنسانية» تأخذ في الإعتبار مشاعر ومخاوف المريض.
متابعة المريض نفسياً أساسية، لأنّ مرضه لن يختفي في ليلة وضحاها، بل سيلازمه مدى حياته كما سيؤثر على شخصيّته ويومياتة.

دور الاختصاصي النفسي أساسي في المتابعة النفسية والتفريغ النفسي والعاطفي. كما يجب تعليم المريض بعض التصرفات التي يمكن أن تخفف قلقه، ومنها: ممارسة الرياضة اليومية وأخذ رأي الطبيب المعالج والمدرب الرياضي، والإنضمام إلى جمعيات تقدم المساندة النفسية، وممارسة النشاط الفني أو الثقافي مثل تعلّم لغة جديدة، المشارَكة بورش فنية في الرسم، أو المسرح...)، التثقيف الذاتي، الإسترخاء وغيرها من التقنيات التي تساعد المريض على قبول حياته الجديدة.

حياة جديدة

بعد معرفته بمرضه المزمن، تتغيّر نوعية حياة المريض، خصوصاً أنه سيتابع نظاماً غذائياً ورياضياً وحياتياً مختلفاً تماماً عن السابق. مثلاً إذا كان المريض يعاني من مشكلات في القلب، سيفهم الأهمية الصحية للتوقف عن التدخين والاهتمام بالتغذية والرياضة. كما سيدرك وجود قيود جديدة، لا بدّ من إتباعها ومنها اللياقة والأساليب الصحية لمنع حدوث مزيد من التلف لقلبه.

الثقافة العامة التي يزوّدها الطبيب والاختصاصي النفسي للمريض مهمة جداً، لاسيما أنه عادة ما يأخذ في الإعتبار كلّ كلمة يفسّرها الطبيب. أما بالنسبة للمتابعة النفسية، فدورها هو إستبدال التصرفات والأفكار السلبية بأخرى إيجابية.

على سبيل المثال، التدخين من العادات السيّئة التي يُطلب من المريض الإقلاع عنها فوراً. دور الاختصاصي النفسي هو مساعدة المريض على التحكم بإرادته من خلال الدعم النفسي وإستبدال هذه العادة بأخرى مناسبة لحالته، مثل الرسم خلال وقت الفراغ.

أما بالنسبة للرياضة، فلا تقلّ أهمية، وتنفع الجسد والذهن بتخفيفها التوتّر. ولكن يجب تحديد نوعها والوقت الزمني لممارستها.
theme::common.loader_icon