رحيل مهندس السينما المصرية...
رحيل مهندس السينما المصرية...
اخبار مباشرة
راكيل عتيِّق
جريدة الجمهورية
Wednesday, 27-Jul-2016 00:06
الحب الحقيقي لا يموت. الوله بأيّ شيء مهما أخمدنا ناره ستشتعل مجدداً عند هبوب رياح التوق. تخلّى عن دراسة الهندسة المعمارية وانتقل إلى دراسة السينما، عشقه الطفولي. فهندس وساهم بإعمار السينما الواقعية في نهاية السبعينات وطوال ثمانينات القرن الماضي. ورحل محمد خان عن الحياة فجر أمس، حاملاً الجنسية المصرية، حلمه الوطني، وتاركاً أفلاماً من حقيقة وواقع.
غيّب الموت المخرج السينمائي الباكستاني المصري محمد خان فجر يوم أمس، عن عمر يناهز 74 عاماً، إثر تعرضه لأزمة صحّية مفاجئة.

ضربة حياة

وقّع محمد خان نحو 24 فيلماً روائياً طويلاً لاقت بغالبيتها النجاح الجماهيري، وحازت الجوائز. وقدّم أفلاماً تجسّد الواقع السياسي والاجتماعي المصري، محاكياً الشارع بناسه وهمومه وحقيقته. ومنها فيلم «أيام السادات» الذي أرّخ لحياة الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

انطلقت مسيرة خان الفنية الغنية مع فيلمه الروائي الطويل الأول «ضربة شمس» عام 1973، بطولة نور الشريف، فحاز عنه الجائزة التقديرية الذهبية عن الإخراج الأول من مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي الأول، وجائزة العمل الأول من جمعية الفيلم، وجائزة الدولة التقديرية.

لعب بطولة الأفلام التي أخرجها محمد خان أبرز وجوه السينما المصرية، وقد اختير عدد من افلامه من بين اهم 100 فيلم في القائمة المُعَدّة من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 1997، وفي قائمة مهرجان دبي السينمائي قبل عامين.

ومن أبرز أفلامه إلى جانب «ضربة شمس»، أفلام:

«الحريف» (1983) بطولة عادل إمام، الذي نال عنه جائزة أفضل إخراج من جمعية الفيلم 1985، الجائزة الثانية في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي الثالث 1983، وشهادة تقديرية في مهرجان برلين الدولي 1983، كما عرض داخل المسابقة الرسمية في مهرجان موسكو الدولي عام 1983.

«زوجة رجل مهم» بطولة أحمد زكي، الذي حاز جائزة السيف الفضي وجائزة أفضل ممثل أحمد زكي وجائزة النادي السينمائي الطلابي في مهرجان دمشق الدولي 1987، وشارك كفيلم افتتاح وداخل المسابقة في مهرجان موسكو الدولي 1987، كما عرض في سوق مهرجان كان الدولي 1987، وشارك في مهرجان ستراسبورغ بفرنسا 1987، ومهرجان فالنسيا لدول البحر المتوسط بإسبانيا 1987، ومهرجان مونتريال بكندا 1987. وعرض على هامش المسابقة الرسمية في مهرجان القارات الثلاث (نانت) فرنسا 1987، ومهرجان القاهرة الدولي 1987.

وفيلم «فتاة المصنع» (2014) الذي نال عنه جائزة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين «فيبرسي» من مهرجان دبي السينمائي الدولي في 2013.

إخراج كتابة وتمثيل

من اشهر الافلام التي عرف بها محمد خان «احلام هند وكاميليا»، (1988)، «سوبر ماركت»، «طائر على الطريق» (1981)، «عودة مواطن»، (1986)، «خرج ولم يعد»، (1984)، و»فارس المدينة».

أما آخر أفلامه فكان «قبل زحمة الصيف»، عام 2015، بطولة هنا شيحة وماجد الكدواني وأحمد داود. وكان بصدد التحضير قبل وفاته لفيلم جديد بعنوان «بنات روز» مع زوجته وسام سليمان، بعد أن قدّما معاً افلاماً عدة، منها «بنات وسط البلد» و»فتاة المصنع». وكان مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بصدد إعداد كتيب عنه بعنوان «سينما محمد خان» لإصداره في دورته المقبلة في تشرين الثاني بمناسبة تكريمه في المهرجان.

شارك محمد خان في كتابة قصة 12 من أصل 21 فيلماً قام بإخراجها، من بينها: «ضربة شمس»، «الحريف»، «عودة مواطن»، «أيام السادات»، «بنات وسط البلد»، «في شقة مصر الجديدة» وغيرها من الأعمال الناجحة التي كان آخرها «قبل زحمة الصيف» الذي قدمه العام الماضي وحصد من خلاله العديد من الجوائز في المهرجانات الدولية.

كما ظهر خان كممثل أيضاً في مشاهد قليلة في بعض الأفلام المصرية مثل «ملك وكتابة» إخراج كاملة أبو ذكري و»بيبو وبشير» إخراج مريم أبو عوف.

وإضافة الى الاخراج ألّف بعض الكتب، منها «مقدمة السينما المصرية» و»مخرج على الطريق» الذي كتب مقدمته الناقد طارق الشناوي.

موعد مع الموت

وعلى رغم أنّ محمد خان وُلِد في مصر في 26 تشرين الثاني عام 1942، من أب باكستاني وأم مصرية، وعلى رغم تكريم الدولة المصرية له عام 2001 عن فيلم «أيام السادات»، إلّا أنّ محمد خان الذي يُعَد من كبار مخرجي السينما المصرية لم يحصل على الجنسية المصرية سوى في عام 2014، بعد مطالبات ودعم مجموعة من المثقفين والفنانين المصريين.

درس خان السينما في إنكلترا، وبعد التنقل والعمل بين انكلترا ومصر ولبنان، عاد المخرج الراحل إلى القاهرة وبدأ مشواره السينمائي بفيلم ضربة شمس عام 1978، الذي أعجب به نور الشريف عند قراءته للسيناريو، فقرّر أن ينتجه.

حين يغيب الفنان، نستذكر أعماله المتوالية لعقود بدقائق، فتمرّ المشاهد في عقلنا كشريط سينمائي طويل. ويستذكر القلب أيضاً أحاسيس ومواقف ودقائق وحوارات... مرتبطة بهذه الأعمال، فيشعر وكأنها رحلت وسرقها الموت كما سرق مهندس ومخرج وكاتب الأعمال. لمحمد خان فيلم أخرجه وكتب قصته، من أروع الأفلام المصرية الكلاسيكية، عنوانه «موعد على العشاء»، عام 1981، بطولة سعاد حسني وحسين فهمي وأحمد زكي.

الأجمل في هذا الفيلم التقاط كاميرا المخرج بشكلٍ متواصل، ومن زاوية الإحساس، لغة العيون بين سعاد حسني وأحمد ذكي. مشهد حزن وبكاء سعاد حسني بسبب عدم حصولها على لوحة رسم، يسكنك بدمعة وجع. فيلمٌ يموت في نهايته أبطاله الثلاثة، كما شخصيات أخرى.

كم أحسست حين شاهدته، برغبة سؤال كاتبه أو مخرجه، لماذا يكمن الحلّ دائماً بالموت؟ لماذا يموت الجميع في الفيلم؟ الجميع يموتون في الواقع! محمد خان خلق وقتل أبطالاً على الورق وعلى الشاشة. في الواقع، هناك مَن خلقه، ومَن قرّر أن يضرب له موعداً مع الموت يوم الثلثاء 25 تموز 2016.
theme::common.loader_icon