الشخصية الضعيفة... أسبابها والعلاج
الشخصية الضعيفة... أسبابها والعلاج
ساسيليا دومط
جريدة الجمهورية
Wednesday, 06-Jul-2016 00:04
الشخصية هي مجموعة السمات الداخلية والخارجية للفرد، هي أفكاره وسلوكه في المجتمع. تتكوّن من العقل، الميول، العواطف، المشاعر والأحاسيس، الدوافع والقدرات، بالإضافة إلى العادات والتقاليد. هي ما يراه الغير من خلال طريقة التعاطي والتفاعل في الحياة اليومية.
يتمتّع البعض بشخصية قوية، بارزة إجتماعياً، واضحة، تسعى للإنجاز والنجاح، ذات أهداف وأحلام، واثقة، مستقلّة؛ أو العكس، فيبدو ضعيفاً منسحباً إجتماعياً، لا يجد منفذاً للخروج من عزلته وشعوره بالنقص والعجز وعدم القدرة على إثبات ذاته، التي يرغب بإظهارها. ضعيف الشخصية لا أحلام لديه، ولا يسعى إلى التطوّر والتقدم الشخصي، محبط، غير واثق من نفسه، تبعي، مستعد لتقديم التنازلات مقابل رضى الآخرين عنه.

لا قدرة له على المواجهة، بحاجة دائمة لوجود شخص قوي بجانبه، يُشعره بالأمان والدعم. يهتمّ الضعيف كثيراً لرأي الناس به، ما يمنعه من التعبير عن رأيه، حتى لو كان يعلم بأنه صائب، وقدرته على المواجهة والتحدّي ضعيفة أيضاً. يتميّز بالإنكسار والهزيمة، خصوصاً أثناء الإختلاط بالمجتمع. يتهرّب ضعيف الشخصية من المناسبات الإجتماعية، لعدم قدرته على فرض وجوده. يكبّله الضعف والخجل.

يتردّد الضعيف في اتخاذ القرارات، ومواجهة الآخرين بوجهة نظر مختلفة. هو لا يدافع عن نفسه، ولو تعرّض للأذيّة والإضطهاد، يفضل الكذب على التعبير الحرّ الجريء.

يعاني من القلق الشديد، الشكوى الدائمة، التعلّق بالأشخاص، ارتجاف وسرعة في دقات القلب، كما يجد صعوبة في التعبير عن مشاعره. إلّا أنّ ضعف الشخصية يظهر أحياناً بطريقة معاكسة، فيقوم الفرد بإذلال الآخرين، والسيطرة عليهم من خلال القوة والإستعلاء، واتهامهم باطلاً.

أسباب ضعف الشخصية

تقف وراء ضعف الشخصية أسباب مرضية، بيئية وتربوية.

الأسباب المرضية: تظهر أعراض ضعف الشخصية لدى المصابين بالفصام والإكتئاب مثلاً. فيتميّز المصاب بالفصام بالبرودة، عدم الحوار والتعاطف، ما يفسَّر بضعف الشخصية. أما المكتئب فيشعر بأنه غير نافع، لا رغبة لديه ولا نشاط، يتجاهل الغير، وهو فاقد للثقة بنفسه.

كما قد تضعف الثقة بالنفس بسبب مرض أو إصابة بالشكل الخارجي، نتيجة حادث معيّن، كفقدان أحد الأطراف، التشوّه، أو فقدان الشعر جراء تناول علاجات معيّنة. كذلك تلعب المقاسات الجمالية دوراً في ذلك، كالطول والوزن، لون البشرة وغيرها.

البيئة: الأهل والمجتمع

تشكل طريقة العلاقة بين الأهل والطفل عاملاً أساساً في تكوين الشخصية الضعيفة. فالأهل المتسلطون، يعوّدون الطفل على الطاعة والضعف وعدم التعبير عن رأيه. يحصد النتيجة ذاتها الطفل الذي تربى على يد أهل يبالغون في حمايته والخوف عليه، وتأمين متطلباته ورغباته بصورة مبالغ بها. كما قد تنتج عن العنف الأسري المشاهد من قبل الطفل، أو الممارس عليه، شخصية ضعيفة، قلقة، تؤمّن التنازلات في سبيل إرضاء الغير وعدم إغضابهم.

كما أنّ التعوّد على فكرة الضعف والعجز، يشكل دافعاً مهماً لضعف الشخصية، خصوصاً إذا كان الإنسان يعيش في بيئة يتميّز أفرادها بالضعف والإستسلام والتبعية. إلى ذلك تؤدّي الغيرة إلى سلوكيات مؤذية من قبل المصاب بها تجاه الآخر، كإنتقاده بشكل مستمر، والتركيز على النقاط السلبية، ما قد يصيبه بضعف الشخصية.

العلاج

يتمّ علاج الشخصية الضعيفة بداية من خلال معرفة العامل المسبّب لذلك، والعمل على التخلّص منه. فيعالج المرضى النفسيّون لدى أطباء ومعالجين نفسيين. ويُعتبر العلاج السلوكي من أفضل العلاجات لضعف الشخصية الناتج عن الأسباب الأخرى، كالبيئة والمدرسة والأسباب المتعلقة بالشكل الخارجي والإعاقات. كما يتخلّص الذي يعاني من هذه المشكلة منها بشكل سريع ومباشر من خلال جلسات العلاج بالإيحاء.

كمجهود شخصي، يُنصح بالإيجابية في التعاطي مع الغير، والذات، كأن يردّد الشخص الضعيف دائماً عبارات "أنا ناجح، أنا محبوب، أنا قادر، أنا قوي..."، بالإضافة إلى تقدير الميزات والمهارات الشخصية وصقلها وتطويرها، وتشجيع ذلك من قبل البيئة المحيطة بالفرد.

ولا بدّ من الإبتعاد عن الأشخاص السلبيين الذين يسبّبون الأذى على هذا الصعيد، والتقرّب من الإيجابيّين. ويُنصح بالتوجه إلى الإكتفاء والقناعة بما لدينا، والعمل على تحقيق الإنجازات، عوضاً عن التركيز على نعم الغير، والشعور بالضعف والإنهزام بسبب ذلك، من خلال مقارنة أنفسنا بهم. كما يجب العمل على تطوير الذات من خلال الإطلاع، وقراءة الكتب والدراسات والأبحاث الجديدة، والمشاركة بالنشاطات والمناسبات الإجتماعية.

الإنتصار على الذات

كم من معاق جسدي تفوّق بحضوره وقوة شخصيته على المحيطين به؟ فليس شرطاً أن تؤدّي الأسباب التي ذكرنا، من ضغوطات وظروف حياتية، وتشوّه جسدي إلى ضعف كلّي في شخصية الفرد، إلّا أنه لا بدّ من معالجة هذه الحالة عند وجودها، ما ينعكس راحة وسلاماً على الفرد والمجتمع ككلّ.
theme::common.loader_icon