النميمة وراءها الضغينة
النميمة وراءها الضغينة
د. أنطوان الشرتوني
جريدة الجمهورية
Monday, 06-Jun-2016 00:06
النميمة هي نقل الكلام بين الناس بقصد زرع العداوة والبغضاء. تُعتبر النميمة ظاهرة نفسية- إجتماعية وإحدى أوجه الاتصال. فهي كلام ينتقل من شخص إلى آخر وتحتاج الى 3 أطراف كي تتم: المتكلم (النمّام) وهو الذي ينقل الكلام بقصد السوء، المتلقي وهو مَن يتلقى الكلام، والشخص موضوع النميمة أي «الضحية». فما هي النميمة؟ وما هي أسبابها؟ وهل إنتقلت النميمة من الكلام المحكي إلى الكلام المكتوب من خلال وسائل التواصل الإجتماعي؟
ليس من السهل أن يتقبّل أيّ إنسان، ومهما عظم شأنه، الملاحظات أو التوصيات، فماذا إذاً عن النميمة المكوّنة من كلام غير صحيح يهدف إلى زعزعة ثقة الإنسان بنفسه وإفساد علاقته بالآخرين.

لا يمكن إعتبار النميمة معياراً لتقييم الانسان وعمله، فبعض الأحيان يكون كلام الناس غير موضوعي وغير صحيح. وبغضّ النظر عن مدى صحة الكلام أم عدمه، قد تدفع النميمة الإنسان إلى التخلّي عن أهدافه وطموحاته خوفاً من كلام الناس. ويلاحظ علماء النفس-الإجتماعيون، بأنّ النميمة تطال المرأة أكثر من الرجل خصوصاً في موضوعات الأخلاق والشرف.

ما هي أسباب النميمة؟

اعتبرت الأستاذة في علم النفس العيادي والمرضي، والمعالجة النفسية وبالموسيقى الدكتوره حمدة فرحات في حديث لـ»الجمهورية» أنّ النميمة آفة «يمكن أن تؤدي إلى مشاكل نفسية واجتماعية. ومن أسبابها المتعدّدة الغيرة والشعور بالدونية والرغبة بالاستحواذ على ما يملك الآخر كالعلم والشكل والمال والشهرة».

وتضيف د. فرحات، بأنّ «النمّام يعاني مشكلة نفسية جرّاء عدم تمكنه من تحقيق ذاته وشعوره بالفشل، فيحاول إبعاد نظر المجتمع عنه الى شخص آخر غالباً ما يكون موضع حسده وغيرته». وبهذه الطريقة يحقّق النمّام هدفين هما: أولاً، الانتقام من هذا الشخص بسبب تفوّقه عليه، وثانياً، تبرير فشله أمام المجتمع.

ولا ننكر أنّ النميمة تؤدّي الى مشكلات اجتماعية ونفسيّة عديدة خصوصاً في المجتمعات التقليدية. ويمكن أن تغيّر النميمة مصير حياة العديد من الناس وتتسبّب بإحباطهم من خلال تشويه صورتهم وسمعتهم الاجتماعية.

أنواع النميمة

توضح الدكتوره فرحات بأنّ «هناك أنواعاً متعدّدة من النميمة، فمنها الاجتماعية، الشخصية وفي مجال العمل. الجدير بالذكر أنّ شكلها يتغيّر بحسب المستويات الاجتماعية، فأحياناً تغلّف بالنقد اللاذع في مجالات فكرية أو برامج تلفزيونية (Talk Show) مثلاً أو في إعلانات تجارية من خلال تقنيات «الفوتوشوب»، فحتّى بعض الفكاهة يحمل نميمة.

كيف يمكن تجنّب النميمة؟

يمكن تجنّب النميمة من خلال العمل على تقوية وعي المتلقي، ليفهم آلية النميمة وأسبابها. وقد لاحظ علماء النفس وعلماء الإجتماع أنّه كلما كان المتلقي ناضجاً ومنفتحاً كلما إبتعد من تصديق النميمة قبل التأكد منها. وتضيف الدكتوره فرحات: «يجب الابتعاد من الأشخاص المعروفين بالنميمة والأجواء التي تكثر فيها وعدم المشاركة في الحديث إلّا بشكل حيادي».

أما عند الأطفال، فيمكن دفعهم منذ صغرهم إلى مواجهة مشكلاتهم بطريقة منطقية وتشجيعهم وتعريفهم الى ميزاتهم الخاصة من خلال التقرّب منهم وحثّهم على إكتشاف ذاتهم وعلى اللعب وممارسة النشاطات المفيدة والبنّاءة». فرفع منسوب ثقة الطفل بنفسه وانخراطه الفعّال في المجتمع يبعده من النميمة في المستقبل. كما يمكن للأهل أن يعلّموا أطفالهم إحترامَ الآخر وتقبّله مهما كان مختلفاً عنهم.

سلبيات النمّام

النمّام شخص يكذب بإستمرار، فهو غير صادق ويستغلّ ثقة الناس، كما لا يحترم نفسه والآخرين. هو يصرخ ويوجّه ملاحظات قاسية وليس لها معنى لجميع الأشخاص وحتّى لمَن لا يعرفهم. ينتظر المناسبات للتكلّم عن الآخرين وصولاً إلى نشره أكاذيب كثيرة تجلب له المشكلات، فيصبح شخصية مكروهة وغير مقبولة من الجميع. ويُعتبر النّمام شخصاً معتداً أي ينتهك حقوق الآخرين وهو غير عادل.

وسائل التواصل الاجتماعي ونشر النميمة

ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي وبقوة في انتشار النميمة فباتت أسرع بكثير من قبل وعلى جميع المستويات. يمتلك جميع الناس هواتف ذكية ومواقع متعدّدة لتبادل المعلومات والنشاطات التي يقومون بها. لكنّ الخطورة في هذه الوسائل هي معاودة تداول الخبر والبناء عليه والحكم على الأشخاص قبل التأكد من صحة الخبر.

وتضيف المعالجة النفسية، الدكتورة فرحات بأنّ «الصور هي الأكثر خطورة وخصوصاً تلك الخاضعة لتعديلات «الفوتوشوب»، كوننا نعيش في عصر الصورة. فكم من المشكلات كانت محورها صورة وتعليق وُضعا على إحدى وسائل التواصل الإجتماعي. وفي هذه المواقع تكثر البلبلة والنميمة خصوصاً عندما يكون سببها الغيرة والحسد».
theme::common.loader_icon