جوزيف نانو: قامةٌ من الزمن الجميل وألطف «شرشبيل»
جوزيف نانو: قامةٌ من الزمن الجميل وألطف «شرشبيل»
رنا اسطيح
جريدة الجمهورية
Tuesday, 24-May-2016 00:05
من ألبومات الشاشة وعصرها الذهبي في لبنان وجوه كثيرة تطالعُنا. ضحكات وأصوات وقامات عالية شكّلت بتصميمها وموهبتها أناقة تلك المرحلة التي تبقى محفورةً في الأذهان. جوزيف نانو هو أحد تلك الوجوه التي لم تقصِها عن الذاكرة غربةٌ جغرافية أو حتى ترحالٌ أخير.
كيف لا وهو صاحب الصوت الهادر الذي ملأ آلاف الساعات الإذاعية والحضور الطاغي الذي طبع أدواراً لا تتكرّر في أكثر من 2000 حلقة تلفزيونية و30 فيلماً سينمائياً وعشرات المسرحيات؟

كيف يتذكّره أبرز روّاد العصر الأجمل من الفن اللبناني: سمير شمص، وحيد جلال، جهاد الأطرش، وفاء طربيه، صلاح تيزاني، وميشال تابت؟ وماذا يقول عنه الكاتب شكري أنيس فاخوري في هذا التقرير الخاص لـ «الجمهورية»؟

أحلام مشبوكة بالموهبة

بين الكرتون والدبلجة والمسرحيات والتيليفيلم والبرامج والمسلسلات التلفزيونية والإذاعية، منذ أوائل ستينات القرن الماضي ولغاية أواخر السبعينات، شيّد جوزيف نانو جدران عالمه المشبوك بالأحلام والموهبة الكبيرة. الرجل الذي رحل السبت عن 81 عاماً في منزله في السويد إثر أزمة قلبية مفاجئة، عرف طوال مشواره الفنّي كيف يأسر القلوب ويشكّل حالاً من الفرادة والتميّز لا يمكن أن يغفلها مَن يشاهده او يلتقيه ولو لمرّة واحدة.

على الشاشة ممثل بطاقة لا تنضب. قلّة استطاعت أن تجسّد دور الـ villain أو الشرير كما فعل، بذلك التماهي المخيف الذي كان يعرف كيف يتسلل رهبةً ورعباً ممزوجاً باللذة إلى أفئدة متابعيه. أما عبر الإذاعة وفي الدبلجة فهو صاحب الصوت مضرَب المثل، القادر بطواعيّته وتلوينات النبرة ودفق الإحساس على إنعاش أية شخصية إذاعية كانت أو كرتونية.

لولاه لكانت «السنافر» افتقدت حماسة وتشويق «شرشبيل» الذي سكب جوزيف نانو فيه صوتاً وحضوراً، ومن دونه لكنّا فقدنا الكثير من المتعة والتعلّق بشخصيّات انطبعت في ذاكرتنا الطفولية في أعمال مثل: «بيل وسيباستيان»، «سندباد»، «مغامرات ساسوكي» وسواها.

جهاد الأطرش

جهاد الأطرش الذي تشارك مع نانو أعمالاً كثيرة يقول في حديث خاص لـ «الجمهورية»: «جوزيف نانو كان من كبار الممثلين في لبنان فيما اصطلح على تسميته العصر الذهبي. عرفته منذ ستينات القرن الماضي وكانت لنا أعمال كثيرة سواءٌ على صعيد المسلسلات الدرامية أو الأعمال التاريخية أو البرامج والمسلسلات الإذاعية.

كان في الحقيقة قامة فنّية تضجّ بالعطاء والإبداع وقد تعاون مع أبرز مخرجي زمنه من ألبير كيلو إلى إيلي سعادة فنقولا أبو سمح وجان فيّاض وباسم نصر وسواهم».

ويضيف: «كان الراحل يمتاز بدراسته للشخصية من جوانبها كافة وإعطائها دفقاً من الإحساس الراقي والصادق قلّ نظيره. وكان يمتاز بشخصية كاريزماتيّة لافتة وحضور قوي وأخلاق دمثة والتزام تام بالعمل ومهنية عالية.

وأستذكر مشاركتي معه في مسلسل «الحاقد» حيث أدّى واحداً من أجمل شخصيّاته. لقد كان كتلة أحاسيس صادقة في الأداء ويتعاطى مع شخصياته بذكاء وحنكة وهو كان الرجل المناسب للأدوار الصعبة والقوية والنافرة».

سمير شمص

الممثل القدير سمير شمص الذي تشارك مع جوزيف نانو أدواراً كثيرة يستذكره بغصّة. يقول: «كان ممثلاً استثنائياً وقد تعذّب كثيراً في حياته والدليل هو هجرته إلى السويد، فالفنان في هذا الوطن يعيش ميتاً. لم ياتِ يومٌ يكون فيه الفنان اللبناني مقدّراً ومرتاحاً والعذاب الأكبر كان الهجرة رغم الإسم والشهرة. ولم يكن متطلّباً في بداية مشواره كان يكتفي بخمس ليرات في اليوم وعلبة سجائر، قبل أن ينطلق في سلسلة أعمال طويلة ونجاحات كبيرة.

لقد قدم جوزيف ما يفوق الـ 100 مسلسل والأربعين فيلماً وأذكر من أعماله «غارو»، «كلنا فدائيون»، «الأجنحة المتكسرة»، «الأنتربول في بيروت»، «نساء عربيات»، «الأبله»، «إبن الحرامي وبنت الشاويش»، «نساء في خطر»، «حسناء وعمالقة»، «نساء عربيات» و»امرأة من زمن الحب» الذي صوّرناه في مصر مع نجوم مثل سميرة أحمد، يوسف شعبان، عبلة كامل، وهشام سليم».

ميشال تابت

أما الممثل الكبير ميشال تابت، فيقول عن جوزيف نانو: «هو شريك عمر ومشوار. وكلّما فقدنا ممثلاً كبيراً بهذا الحجم نفقد جذعاً من أرزتنا. لا شك أننا خسرنا برحيله فناناً عظيماً لا يتكرّر».

وحيد جلال

بدوره يؤكّد الفنان المخضرم وحيد جلال أنّ جوزيف نانو «كان مشهوراً بأخلاقه الطيّبة ودقته اللامتناهية في العمل. وإلى جانب الحيّز الفنّي الكبير من مشواره كان الحيّز الإنساني هاماً جداً في حياته. هو بالتأكيد خسارة للفنّ اللبناني وأحد روّاد الفترة الذهبية. أذكر جيّداً العمل الأوّل الذي جمعنا.

كنّا في أوائل الستينات وعُرضت علينا المشاركة في مسرحية بعنوان «ساندرا». في حينها لم يكن الدور بطولةً أبداً ولم يتخطَّ ظهورنا الدقائق المعدودة في مسرحية مدتها ساعة ونصف، إلّا أننا استمتعنا كثيراً بالعمل ولفتنا النظر إلينا ومن ثمّ كرّت سبحة الأعمال التي تشاركناها وبرزنا فيها».

ويضيف: «للصراحة نادراً ما أتعامل مع فنان أحبّه وأحترمه في الوقت عينه فأنا أحب الجميع ولكن هو كان من القلة التي تستحق الاثنين لانه فنان له خصوصية شديدة وصوت ذو حضور إستثنائي وأحد أعلام الجيل الذهبي».

وفاء طربيه

من جهتها تعتبر الممثلة القديرة وفاء طربيه جوزيف نانو «من مؤسسي العصر الذهبي لتلفزيون لبنان. ممثل له بصمته وحضوره المميَّز في كلّ الأدوار. كان شخصاً ذا حسٍّ إنساني طاغٍ ويكاد يكون مضرب مثل بكرمه فإن كان لا يملك إلّا القليل القليل وصادف محتاجاً كان يعطيه ما يملك دون أن يدري أحد. رحل ولكنّ نتاجه الفنّي باقٍ وكلنا على هذه الدرب سائرون وبتّ أشعر بشوق لأجتمع مع كلّ الذين سبقونا ممَّن كنا نتشارك وإياهم أجمل اللحظات والذكريات التي لن تعود».

صلاح تيزاني

الفنان القدير صلاح تيزاني يقول بحرقة: «كان فناناً «شو ما نعملّه قليل عليه» لقد كان نشيطاً وملتزماً ومبدعاً ومن الأبطال الأوائل في الدراما في الستينات والسبعينات. لم يستطع أحد أن يجسّد دور الشرير مثله كان من طينة الكبار أمثال محمود المليجي وفريد شوقي. كنّا نصدّقه في شرّه حتى نكاد نخشاه. ولكنه في المقابل إنسان خلوق وقلب حنون كقلب عصفور. وقد عاش مقهوراً في هذا البلد الذي لا يقدّر كباره فإما الرضوخ أو الهجرة»!

شكري أنيس فاخوري

بدوره يستذكر الكاتب شكري أنيس فاخوري جوزيف نانو الذي كان من آخر اعماله مسلسلي «نساء في العاصفة» و»العاصفة تهبّ مرّتين» ويقول فيه: «عملاق في أدائه وفنّه. قلّما نجد ممثلاً من هذه الطينة صاحب حضور ينحفر حفراً في السينما والتلفزيون. وهو من المخضرمين الذين نفقدهم. لا شكّ انه خسارة كبيرة ومعه نفقد فصلاً جميلاً إضافياً من ذاكرتنا الجماعية».
theme::common.loader_icon