د. قمير: عدم الإحساس الخلقي بالألم... خطر على الحياة
د. قمير: عدم الإحساس الخلقي بالألم... خطر على الحياة
تيري رومانوس
جريدة الجمهورية
Saturday, 21-May-2016 00:01
هناك أشخاص لا يشعرون بالألم وهؤلاء ليسوا بمحظوظين لأنهم معرضون لمخاطر كبيرة تهدِّد حياتهم من حيث لا يدرون. فقد يظن البعض انّ الشعور بالألم نقمة، الّا أنه في الحقيقة نعمة لأنّ الإحساس بالوجع يُنذر بأنّ الجسم يتعرَّض للخطر، فيتنبَّه المرء ويستدرك استفحال وضعه المتوعِّك قبل أن يفقد حياته. ما هي أهمية الشعور بالألم في الحفاظ على الحياة؟ الإجابة مع الدكتور يوسف قمير، عميد كلية الطب في الجامعة اللبنانية - الأميركيّة، الإختصاصي في جراحة الدماغ والجهاز العصبي.
تُطلق تسمية «عدم الإحساس الخلقي بالألم Congenital insensitivity to pain» على من يعانون حالة مرضية نادرة، وهي عدم الشعور بالوجع. وهؤلاء يفتقرون إلى ردّات الفعل المناسبة التي تنقذ حياتهم.

وبالنسبة للدكتور قمير، فهو يؤكّد أنّ الألم شعور مضن، يقضّ المضاجع. لكنّ الحياة من دون القدرة على الشعور بالألم هي الجحيم بحد ذاته. فمن المفارقات أنّ الشعور بالألم وتمييز مصادره لهما الفضل في بقائنا على قيد الحياة.

ذلك لأنّ الإحساس بالألم يحمي الإنسان والكائنات الحيّة الأخرى من المضاعفات المترتبة على التعرُّض لأمر ضار او خطير، كالنار أو آلة حادة. ويلفت د. قمير الى انّ أهمية الإحساس بالألم تكمن في إنقاذ الكائنات الحيَّة من الموت أحياناً، وذلك عن طريق التنبيه إلى مصدر الخطر، وإن كانت الوسيلة مزعجة.

لذا، يمكننا القول إنّ الشعور بالألم هو وسيلة التواصل التي يستخدمها الجسم من أجل إرسال رسائل تحذيرية، مفادها أنّ المرء ليس على ما يرام، وهو الأمر الذي يتطلّب اتخاذ إجراء لوقاية النفس أو علاج الإصابة التي ألَمّت بالجسم.

فقد يتعرّض الطفل، الذي يعاني عدم الإحساس الخلقي بالألم Congenital insensitivity to pain، لكسر في ساقه على سبيل المثال، ومع ذلك يستمر في اللعب والسير والقفز، غير مُدرك لِما أصابه، الّا أنّ الأهل لا يلبثون ان يلاحظوا الورم الناجم عن الإصابة او الإحمرار، فيعلمون أنّ الطفل في وضع حرج، فيهرعون الى معالجته.

من المؤسف أنّ هؤلاء الأشخاص لا يعمّرون كثيراً، إذ غالباً ما يموتون في سن مُبكرة بسبب عدم إحساسهم بالألم.

الجهاز العصبي

وعن الجهاز العصبي، يشرح د. قمير: «يضبط الجهاز العصبي الإنسان والبيئة المحيطة به، ويراقبه بدقّة وبشكل مستمر. يقوم بإدارة الجهاز العصبي قائد أعلى هو الدماغ الذي يتخذ القرارات ويُصدر الأوامر.

ويحتلّ الحبل الشوكي المرتبة الثانية بعد الدماغ مباشرة، وتعمل تحت إمرتهما المُستقبلات التي تستكشف المؤثرات البيئية المحتملة.

وتتمّ عملية التواصل من خلال شبكة اتصالات ضخمة تتكوَّن من أسلاك عصبية دقيقة تتجمَّع في كابلات تُدعى الأعصاب الطرفية. وعبر شبكة الاتصالات تلك يستقبل الدماغ الرسائل، وعبرها أيضاً تُرسل الأوامر لعضلات الجسم وأعضائه بلغة سرية مُشفّرة تُدعى النبضات العصبية.

وإذا تعرض الجسم لمؤثر ضار كوضع اليد في الماء المغلي مثلاً، لا بد أن يستثير ذلك المستقبلات الحسية للألم، وهنا ينبغي أن تُبعث رسالة استغاثة إلى الدماغ فوراً.

وحين يتسلَّم الدماغ الرسالة، يحدِّد الموقع الذي أتت منه وهو اليد الموضوعة في سائل مغلي، وكذلك يحدِّد ردة الفعل كالصراخ او التأُّوه، ويقيِّم تجربة الألم ويحلِّلها، فيقارن ألم لمس سائل مغلي بأنواع أخرى من الألم مثل جرح الإصبع بسكين حاد، وهل هو أشد أم أضعف، وهكذا دواليك.

ويخزِّن الدماغ تجربة الألم تلك في الأرشيف الخاص به، ويجعل المرء يعيش تجربة الألم بين الحين والآخر أثناء فترة الشفاء، كما يسترجعها من الأرشيف في وقت الخطر ويذكِّر بها حين يقف المرء في مواجهة إناء مليء بالماء المغلي مرة أخرى، فلا يجرؤ على تكرار التجربة.

وعن سؤال: من أين ينشأ الخلل الذي يعطِّل عمل تلك المنظومة المُحكمة التي تعطِّل الإحساس الخلقي بالألم؟ يجيب د. قمير:

«تبيّن أنّ هناك عطلاً في شبكة الاتصالات، والمسؤول عنها هو جين وراثي معنيّ بعملية إرسال نبضات الألم عبر شبكة اتصالات الأعصاب الطرفية.

ونتيجة لذلك العطل الفني في الشبكة، يصبح الطريق مقطوعاً على أي رسالة استغاثة توجَّه إلى الدماغ، فتجعله بمعزل عن إدراك أي مؤثر خارجي قد يضر بالجسم».
theme::common.loader_icon