مسلّم: فرصة تاريخية أمام الكونسرفتوار اللبناني
مسلّم: فرصة تاريخية أمام الكونسرفتوار اللبناني
راكيل عتيِّق
جريدة الجمهورية
Wednesday, 20-Apr-2016 00:00
في زمن «الفن» السهل، حيث تركيب عشوائي لبعض النوتات والكلمات يُنتِج أغنية، لا يزال يوجد مَن يحترم ذوق المستمع، ويسعى إلى تثقيفه وتربية أولاده على الموسيقى الأصيلة، غربية كانت أم شرقية. من خلال الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية والأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية، وعبر أرقى أنواع العزف والموسيقى ينشر الكونسرفتوار اللبناني الفرح والسلام على جميع الأراضي اللبنانية.
يُعتبر المعهد الوطني العالي للموسيقى (الكونسرفتوار) من أهمّ المؤسسات الرسمية، نظراً لدوره التربوي الثقافي، وأهمية رسالته على رغم محدوديّة إمكاناته وموارده المالية. وفي مقابلة خاصة مع «الجمهورية»، أظهر الدكتور وليد مسلّم مدى فعالية دور الكونسرفتوار.

شهادات جامعية

تأسّس الكونسرفتوار عام 1925، وهو من أقدم المؤسّسات التربوية في لبنان، وأعلن رئيس المعهد بالتكليف الدكتور وليد مسلَّم، أنّ: «الكونسرفتوار تطوّر من معهد موسيقي إلى معهد وطني عالٍ للموسيقى، ونعمل الآن على أن يكون معهداً جامعياً فتُعطى للمتخرّجين إلى جانب الشهادات الموسيقية، شهادات جامعية من إجازة ودراسات عليا أو ماجستير».

وأشار إلى «أننا قدّمنا مشروع نظام الشهادات الجديد إلى وزارة الثقافة، فمن غير المقبول أن يحصل من يتعلّم لمدة 10 سنوات أو أكثر على شهادة موسيقية فقط، بينما هناك مَن يحصل على إجازة جامعية بعد 3 سنوات من الدراسة في الجامعات، كما يُتّبع في النظام الأميركي. ففي الولايات المتحدة الأميركية لا كونسرفتوارات على عكس أوروبا ولبنان». ولفت إلى أنّ «نظام الشهادات يتطلّب من الطالب أن يكون حائزاً على شهادة البكالوريا الثانية».

توسّع الكونسرفتوار وانتشرت فروعه في معظم المناطق اللبنانية، فأصبحت اليوم 15 فرعاً، وقال مسلّم إنّ «هناك طلبات لفتح مراكز وفروع للمعهد في مناطق جديدة منها قب الياس، حمانا، النبطية، وحاصبيا».

وعن توفّر جميع الآلات في الفروع كافة، أشار إلى أنّ «عدد الآلات الغربية من وترية ونفخ وإيقاع أكثر بكثير من الآلات الشرقية، لذلك البعض منها غير موجود في كافة الفروع ولا يوجد عدد كافٍ من الموسيقيين الاختصاصيين للتعليم وتدريس العزف على هذه الآلات».

وتابع «من هذا المنطلق هدفنا على المدى البعيد أن نخرّج طلّاباً لبنانيين يدرّسون هذه الآلات»، لافتاً إلى أنّ «ما يشجّع ويُفرّح أنّ هناك إقبالاً من الطلّاب على هذه الآلات الغربية الصعبة».

موسيقى ورقص وغناء

يستقبل الكونسرفتوار 5400 طالب في السنة، وبالتالي يستهدف 5400 عائلة، فبالإضافة إلى الهدف التربوي، يهدف المعهد إلى نشر الموسيقى بشكلٍ واسع.

أما تكلفة دخول الطالب إلى المعهد العالي للموسيقى فهي عبارة عن رسم تسجيل قيمته 350 ألف ليرة لبنانية في السنة، ما يُعدّ مبلغاً زهيداً جداً بالنسبة للاستفادة التي يتلقاها الطالب من المعهد. ونظراً لطلبات الدخول الكثيرة يتمّ اختيار الطلاب حسب العمر، فيُقبل من هم بعمر الـ7 سنوات، ويتمّ تدريسهم لمدة سنة وتعريفهم الى جميع الآلات وتعليمهم الغناء، ومن التحسينات في الكونسرفتوار في هذا المجال أشار مسلّم إلى أنّ «طريقة التعليم اختلفت، فخلال هذه السنة نجعل الطلاب يكتشفون الإيقاع وكلّ «ريتم» بأجسامهم من خلال الرقص»، مضيفاً: «بدأنا استخدام هذه الطريقة بعد اتفاقية مع كونسرفتوار ليون في فرنسا، منذ ما يُقارب الثلاث سنوات».

وغالبية أساتذة الكونسرفتوار هم من خرّيجيه، فمنهم مَن سافروا إلى الخارج وحصلوا على شهادات عليا من فرنسا، أرمينيا، وروسيا وغيرها، وعادوا للتعليم في الكونسرفتوار «ما يُعتبر غنىً كبيراً ويُضيف كثيراً إلى المعهد» على حدّ قول مسلّم. وأشار بأسى إلى «أننا نخسر الكثير من الموسيقيين بسبب العقلية السائدة في لبنان أنّ الموسيقى يجب أن تكون هواية فقط، فيصرّ الأهل أن يدرس أولادهم اختصاصاتٍ جامعية أخرى».

السياسة والمحاصصة

تولّى رئاسة الكونسرفتوار منذ عام 1991 لغاية 2011 الدكتور الراحل وليد غلمية، وبعد وفاته تمّ تعيين الأستاذ حنا العميل في هذا المركز، وفي 2014 تمّ تكليف الدكتور وليد مسلّم رئاسة الكونسرفتوار. أحاديث كثيرة تناولت الفساد في المعهد والمحاصصة في التعيينات. وفي هذا الإطار اعتبر مسلّم أنّ «هذه المؤسسة من أكثر المؤسسات شفافية فـ 90 في المئة من ميزانيتها تذهب لرواتب الأساتذة والعازفين».

وأقرّ بتأسّف أنّ «السياسة والمحاصصة هي التي تحول دون تعيين رئيس للكونسرفتوار ولذلك لا أزال أمارس مهامي بالتكليف منذ الـ2014، فبسبب التقسيم الطائفي للمراكز في الإدارات الرسمية يُعتبر أنّ هذا المركز من حصّة الطائفة الأورثوذكسية، وبعد تعيين استاذ حنا العميل كمدير عام في وزارة الاقتصاد لم يستطع مجلس الوزراء أن يعيّن خلفه».

خطوة تاريخية

وفي إطار الأهداف والمشاريع كشف مسلّم عن «مشروع مهم للكونسرفتوار وهو استعداد الصين لبناء مركز للكونسرفتوار يضمّ قاعة كبيرة للحفلات (concert hall) مجاناً، ونحن بانتظار الدولة اللبنانية كي تؤمّن أرضاً ليتمّ البناء عليها»، مشدّداً على أنّ «هذه الخطوة تاريخية للكونسرفتوار فمنذ سنة 1925 لا يملك الكونسرفتوار أيّ مبنى، وكلّ المباني التي يشغلها بالإيجار، وغير معدّة وملائمة لحاجاته».

ولهذا المشروع إيجابيات عديدة، فـ «عندما يتأمّن الـconcert hall لن نعود مضطرّين كي نقيم حفلاتنا خارجاً إن في الجامعات أو الكنائس أو غيرها... ومع الشكر الكبير للأماكن التي تستقبلنا إلّا أننا كالمهجرين»، مضيفاً «عندما يتوفّر هذا المركز الكبير سيصبح بإمكان الأوركسترا أن تتمرّن في المكان الذي سيُقام الحفل فيه، حيث ستتوفر قاعات عدة للتمرين، وللمحاضرات، وسيصبح بالإمكان استيعاب أكثر من أوركسترا كما ستُصبح هناك إدارة مركزية جامعة في هذا المركز».

وعن حاجات المعهد رأى مسلّم أنّ «الكونسرفتوار بحاجة لدعم متواصل من الدولة، ولإنهاء المراسيم التطبيقية لإنشاء ملاك للأساتذة كي يشعر الأستاذ بنوع من الأمان، وبالتأكيد إلى تأمين أرض كي لا تضيع علينا هذه الفرصة خصوصاً أنّ الصينيين يملكون خبرة كبيرة في مجال الأوبرا».

مهرجانات وحفلات

إلى جانب حفلاتها التي تتخطى المئة في السنة حيث تحيي على الأقلّ حفلين أسبوعياً، تشارك الأوركسترا الشرق العربية التي تضم 55 عازفاً والأوركسترا الفلهارمونية التي تتألّف من 90 عازفاً، في مهرجانات الذوق 2016، كما تشارك في أوبرا باللغة العربية من تأليف مارون الراعي وبطولة غسان صليبا من المفترض أن تعرض في أيار المقبل.

حفلات الكونسرفتوار كافة مجانية، ويستقدم الكونسرفتوار في كلّ سنة أكثر من 15 قائد أوركسترا عالميّاً، ليقودوا بعض الحفلات. كما تمّ تأليف منذ ما يُقارب السنة أوركسترا الطلاب الشرقي، التي تضمّ 50 طالباً تراوح أعمارهم بين 15 و23 سنة، يتولى التوزيع الموسيقي لها شربل روحانا، وتشهد حفلاتها قبولاً جماهيرياً كبيراً.

خلال حفلات الكونسرفتوار تمتلئ القاعات بجمهورٍ كبير، وعن عدم استيفاء رسم رمزي للدخول إلى الحفلات يقول مسلّم «إذا بـ10$ سأخسر 30% من الجمهور لا نريد أيّ مردود، فنشرُ الموسيقى هو رسالتنا وليس عملاً تجارياً».
theme::common.loader_icon