مواد مجهولة «تزرع» الأمراض وتُدمِّر الأعضاء
مواد مجهولة «تزرع» الأمراض وتُدمِّر الأعضاء
سينتيا عواد

ماستر في علوم الاعلام والاتصال. مسؤولة عن الملحق الأسبوعي والصفحة اليومية للصحة وغذاء.

جريدة الجمهورية
Thursday, 17-Mar-2016 00:00
مركّبات خطيرة جداً موجودة في كلّ المأكولات تهدّدكم وتغزو أجسامكم من دون علمكم لعدم تسليط الضوء عليها ونشر التوعية اللازمة إزاءها. ما هي هذه المواد وأين تجدونها تحديداً، وهل يمكنكم خفض كميّة تعرّضكم لها؟
«AGEs»، أو ما يُعرف بالـ«Advanced Glycation End-Products»، هي مركّبات تتشكّل طبيعياً في الجسم نتيجة التفاعل الكيماوي للسكّريات مع البروتينات.

إذا أصبح تركيزها عالياً في مجرى الدم، يمكن أن تُلحق الدمار بمعظم الأنسجة والأعضاء. واللافت أنّ العلماء إكتشفوا خلال الأعوام الأخيرة أنّ «AGEs» موجودة أيضاً في الأطعمة، والأخطر أنها ترتفع وفق طريقة الطبخ المُعتمد عليها، ما قد يزيد إلى حدّ كبير جرعاتها في الجسم.

وعلّقت أخصائية التغذية، ناتالي جابرايان أنّ «معدّلات الـ«AGEs» تكون عالية تحديداً في الأطعمة الحيوانية الغنية بالدهون والبروتينات، مثل اللحوم خصوصاً الحمراء، التي تكون عرضة لتشكّل هذه المركّبات أثناء طبخها. كذلك، فإنّ السكّريات بمختلف أنواعها، والمأكولات المصنّعة، والمنتجات المعلّبة تحتوي بدورها نسب عالية من الـ»AGEs». وتُعتبر تقنيات الطبخ التي تستخدم درجة حرارة عالية، مثل الشوي والتحميص، الأكثر تأثيراً في كميّة الـ»AGEs» المستهلكة».

تأثيراتها في الجسم

وتابعت حديثها لـ«الجمهورية» قائلةً إنّ «مشكلة الـ«AGEs» أنها تعمل بمثابة مفتاح يشغّل بشكل نهائي مستوى الإلتهاب المنخفض في الجسم، وتعبر أيضاً الرابط مع البروتينات في الخلايا وبالتالي تغيّر الوظيفة والبنية الطبيعية. أضحى من الواضح أنّ مستويات الـ«AGEs» العالية في الأنسجة مرتبطة تقريباً بكلّ الأمراض المُزمنة التي تهدّد العالم، وهي معنيّة مباشرةً بزيادة إحتمال الإصابة بمشكلات صحيّة عديدة أو حتى تطوّرها، بما فيها السكّري من النوع الثاني، والضغط المرتفع، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وقصور الكلى، والألزهايمر، والحساسية وأمراض المناعة الذاتية، والسرطان، والمياه الزرقاء، وتنكّس الشبكية، وأمراض الجهاز الهضمي. فضلاً عن أنّ كثرتها تسرّع عمليّة الشيخوخة».

الغذاء المنخفض الـ«AGES»

وأشارت إلى أنّ «الجسم يتخلّص طبيعياً من مركّبات «AGEs» المؤذية، غير أنه لا يُزيلها بشكل فعّال في حال الحصول على كميّة كبيرة منها عن طريق الأكل. إستناداً إلى دراسات أجريت على الفئران، تبيّن أنّ الحميات المنخفضة الـ»AGEs» أطالت مدّة حياتها بالدرجة ذاتها التي يُحدثها خفض السعرات الحرارية. أمّا عند البشر، فإنّ تقييد هذه المركّبات قد قلّل علامات الأكسدة والإلتهاب، ما يعني أنه يمكن زيادة عمر الإنسان إذا تمّ وضع حدّ لهذه المواد».

وشدّدت جابرايان على أنّ «إستهلاك أطعمة قليلة الـ«AGEs» يشكّل مفتاحاً فائق الأهمّية لخفض خطر التعرّض للأمراض المزمنة، خصوصاً مقاومة الإنسولين والسكّري من النوع الثاني. وفق دراسة نُشرت في «Diabetes Care» عام 2011، إستهلاك «AGEs» قد يؤدّي إلى مقاومة الإنسولين في النوع الثاني من السكّري، في حين أنّ الإبتعاد من المأكولات المشبّعة بها قد يساهم في الحفاظ على دفاعات الجسم الطبيعية ضدّ مقاومة الإنسولين من خلال الوقاية من تطوّر الأكسدة.

وفي بحث آخر نُشر في «Current Diabetes Reports» عام 2014، تبيّن أنه بما أنّ «AGEs» مرتبطة بالأكسدة، فهي مصدر قلق لمرضى السكّري والأشخاص الذين هم في مرحلة ما قبل السكّري.

ووجد الباحثون أنّ «تناول وجبة غنيّة بالـ»AGEs» ساهم في رفع مستواها في مجرى الدمّ، في حين أنّ خفض إستهلاكها قد حسّن فرط الإنسولين بنسبة 40 في المئة تقريباً لدى مرضى السكّري من النوع الثاني».

تقنيات الطبخ

وأكّدت أنّ «أفضل طريقة لتقليص تناول المواد الغذائية العالية بالـ«AGEs» هي تعديل طريقة الطبخ. بحسب دراسة نُشرت في «Journal of the American Dietetic Association» عام 2010، وجد العلماء رابطاً بين مركّبات «AGEs» وتعرّض الأطعمة المصنّعة للحرارة.

بعد مقارنة أنواع عدّة مختلفة من الطهي، تبيّن أنّ اللحوم العالية بالبروتينات والدهون شكّلت كمية أكبر من «AGEs» أثناء طبخها، في حين أنّ الكربوهيدرات كالفاكهة والخضار والحبوب الكاملة حافظت على أدنى نسبة من هذه المركّبات بعد طبخها.

كذلك فإنّ اللحوم التي طُبخت على حرارة رطبة (كالسلق، والطبخ على البخار)، ودرجات منخفضة، وتمّ تتبيلها بمكوّنات حامضية (Acidic) كالخلّ وعصير الحامض، أنتجت أقلّ كمية من الـ«AGEs».

لكن على رغم هذه الحقائق، فإنّ الأشخاص في معظمهم لن يتخلّوا عن تقنية الشوي ومن بينهم اللبنانيون خصوصاً الذين يعتمدون عليها كثيراً صيفاً وشتاءً. وفي هذا السياق، أوصت خبيرة التغذية بـ»عدم الحرمان منها نهائياً، إنما الحرص في المقابل على خفض عدد مرات إستعمالها.

كذلك يُفضّل تتبيل اللحوم أولاً بالخلّ، أو عصير الحامض أو أيّ فاكهة أخرى تنتمي إلى عائلة الحمضيات، بما أنّ هذه الطريقة لا تخفّض مستويات الـ«AGEs» فحسب إنما تحسّن أيضاً المذاق.

كذلك يجب الإنتباه جيداً إلى لون المأكولات مهما كانت طريقة الطبخ، إذ إنّ تشكّل طبقة سوداء على اللحوم يدلّ على وجود هذه المركّبات السامّة. لتفادي ذلك، يُنصح بطبخ المواد الغذائية على درجة حرارة متوسطة لبضع دقائق إضافية بدلاً من تعرّضها لحرارة عالية في وقت قصير».

وأضافت أنّ «إستهلاك مزيد من الخضار والفاكهة يُعتبر طريقة أخرى لخفض مستويات «AGEs»، والفضل في ذلك يعود تحديداً إلى المغذيات النباتية (Phytonutrients) الموجودة في أصباغ مختلف هذه الأطعمة النباتية. وتبيّن أنّ المغذّي النباتي المعروف بالـ«Iridoids»، المتوافر تحديداً في فصيلة التوت، يساعد على تقليص الـ«AGEs» في الجسم. أما في المقابل فيجب السيطرة على كمية السكر واللحوم المصنّعة المتناولة».

وبعيداً من الشقّ الغذائي، كشفت أنّ «الأشخاص الذين لا يحصلون على ساعات كافية من النوم لديهم معدل «AGEs» أعلى في مجرى الدم. يُعتبر النوم الوقت المثالي كي يقوم الجسم بإنماء أنسجته وإصلاحها، ما يجعلها أكثر قدرة على محاربة الـ«AGEs». النوم، والرياضة المنتظمة، وخفض التوتر، إلى جانب الغذاء، كلّها عوامل رئيسة للوقوف في وجه هذه المركّبات الخطيرة».

مُختصر مُفيد

ختاماً، قدّمت جابرايان نصائح سريعة وقويّة لوضع حدّ لإستهلاك الـ»AGEs»:

- السيطرة على حصص المأكولات الغنيّة بالـ»AGEs»، وتحديداً السكريات (السكاكر، الكوكيز، الكايك، الصودا، الحلويات)، والأطعمة المصنّعة (بما فيها الأجبان واللحوم المعلّبة)، واللحوم عالية الدهون خصوصاً الحمراء، والمواد الدهنية (السمنة، الزبدة، الزيوت)، والمقالي.

- التركيز أكثر على الأطعمة المنخفضة الـ«AGEs»، كالفاكهة، والخضار، وثمار البحر، والحبوب الكاملة، والمعكرونة، والخبز القليل الدهون، والبرغر النباتية.

- الإنتباه إلى تقنيات تحضير المأكولات من خلال طهيها ببطء على حرارة منخفضة، وطبخها بالمياه من خلال السلق أو البخار، وتتبيلها بالصلصات الـ«Acidic» أو المؤلّفة من مشتقات الحامض.

- إجراء تعديلات صحّية على نمط الحياة، مثل النوم من 7 إلى 8 ساعات كلّ ليلة، وممارسة الرياضة بما لا يقلّ عن 150 دقيقة في الأسبوع، ومعالجة المشكلات الصحّية كالبدانة والضغط المرتفع إذا تواجدت.
theme::common.loader_icon