اللعب عند الأطفال... وأهميته النفسية
اللعب عند الأطفال... وأهميته النفسية
د. أنطوان الشرتوني
جريدة الجمهورية
Monday, 14-Mar-2016 00:00
يستمتع الرضيع منذ ولادته باللعب، ويرافقه خلال كل مراحل الطفولة، وقد يتخطّى هذه المرحلة أحياناً ويتحوّل إلى نشاطات ذهنية. ويعترف جميع أطبّاء الأطفال والأطباء النفسيين والأخصائيين بأنّ للعب أهمية كبرى في حياة الطفل، وهو يُسهم في بناء شخصيته وتطوّر مفهومه الاجتماعي من خلال إبراز قدراته. ويدعم اللعب بعض الأطفال الذين يعانون المشاكل النفسية، إذ يمكن أن يترافق مع العلاجات الأخرى. فما أهمية اللعب في عالم الأطفال؟ وما أنواع الألعاب التي تساعد الطفل على التطوّر الجسدي والنفسي؟ وما رأي الأخصائيين النفسيين في هذا المضمار؟
اللعب نشاط جسدي أو عقلي، هدفه الرئيس اللذة والمتعة. يمتلىء اللعب بالنشاط والحركة اللذين يجعلان صاحبهما مسروراً. ولقد عرّف عدد كبير من علماء النفس اللعب بأنّه عملية تعلّم الطفل الكثير من المهارات الاجتماعية والنفسية على حدّ سواء. ففِعل اللعب يساعد في عملية الانتباه والتخيّل والتذكّر (يقوّي الذاكرة)، وغيرها من العمليات الفكرية التي تحفّز نمو الطفل النفسي والمعرفي.

أنواع الألعاب

هناك أنواع كثيرة من الألعاب، نذكر منها:

• اللعب البدني كالرياضة مثلاً، أو الألعاب في الملاعب الكبيرة.

• اللعب التمثيلي أو الدرامي، ويحبّ الأطفال هذا النوع من اللعب حيث يستسلمون لخَيالهم.

• الألعاب التركيبية حيث يصنع الطفل أشكالاً هندسية من خلال مجموعة من التركيبات الصغيرة . ويتطلب هذا النوع من الألعاب الكثير من الصبر والذكاء.

• الألعاب الفنية كالرسم والتلوين والأعمال اليدوية.

الألعاب الثقافية

وتختلف الألعاب حسب عمر الطفل: ففي الطفولة المبكرة يحبّ الطفل الألعاب البسيطة والدمى التي تتحرّك أمامه. أمّا حين يكبر، نراه يميل إلى الألعاب التمثيلية واستخدام مواد الرسم والتلوين، خصوصاً ما بين السابعة والتاسعة من عمره. كما يحبّ الأطفال الألعاب الرياضية القائمة على قواعد ونُظم.

أهمية اللعب في عالم الطفل

يُعتبر اللعب من أبرز المقوّمات التربوية في حياة الطفل، وتُقسم أهميته إلى فئات عدّة، منها:

• أهمية اللعب للنمو الجسدي والحركي-الحسّي عند الصبيان والبنات، لأنّ عملية اللعب تساعد في تقوية الجسم وتمرين العضلات وتعليم الطفل الكثير من الحركات اليومية، ومنها الركض والقفز والتسلق...

• ينظّم اللعب حركات التوازن والتآزر الحركي- الجسدي.

• على الصعيد النفسي، يُنمّي اللعب مفهوم الذات ومبدأ مشاركة الآخر وقبوله، كما انّ تشجيع الطفل على اللعب مع الآخرين يُخرجه من دائرة الذات.

• يساعد اللعب في النمو العقلي عند الجنسين من خلال بعض الألعاب التي توفّر فرَص الابتكار والخيال، مثل ألعاب التركيب Lego، كما يساعد في تنمية الإدراك الحسي- النفسي وتقوية عملية التذكّر والتدريب على الانتباه ودقّة الملاحظة.

• للعب أهمية لا بأس بها على صعيد النمو الانفعالي، فقد استنتج علماء النفس أنّ الأطفال الذين يلعبون يومياً مع أقرانهم يعبّرون بشكل أفضل عن حاجاتهم.

• يزيد اللعب الثقة بالنفس ويوفّر جوّاً من الراحة والمتعة والفرح ويساهم في علاج الكثير من الإضطرابات الإنفعالية والنفسية، كفرط الحركة والخوف.

• أهمية اللعب للنمو الإجتماعي، حيث يتعلّم الطفل عادات المجتمع وقوانينه والقيَم الإجتماعية كالعطاء وتَقبّل الآخر والتعاون الجماعي ومهارات التواصل الإجتماعي وتَقبّل الخسارة... كما يتعلّم من خلال اللعب كيف يَعقد علاقات صداقة مع الآخرين.

ما دور الأهل في فترة لعب أطفالهم؟

يعتبر المعالج النفسي والأستاذ الجامعي الدكتور يوسف عاقوري، في حديث لـ«الجمهورية»، أنّ «مشاركة الأهل اللعب مع أطفالهم تنطوي على الكثير من الإيجابيات، وهي لصالح نموّ الطفل النفسي.

فهذه المشاركة تخلق جوّاً تفاعلياً ونفسياً وعاطفياً وإيجابياً بين الأهل والأبناء، وتسمح للطفل ببناء ثقته بنفسه أمام أهله من خلال تبادل الأدوار، ما يدرّبه على التأقلم الاجتماعي والحضور الفاعِل في بيئته».

ويفسّر عاقوري أهمية لعب الطفل مع والديه، فيؤكد أنّ ذلك «ينمّي مهارات الجسد، ويساعد على تنمية سلوكيات الأولاد وضبطها، خصوصاً عند الذين يعانون الإفراط الحركي. كما أنّ عميلة التواصل العائلي تشكّل ركيزة من ركائز الانتماء العائلي، وبالتالي الراحة النفسية للأولاد في كنف عائلتهم».

ويلفت إلى خطورة المشاركة السلبية في اللعب، ويوضِح أنّ اللعب الذي ينمّي المخاوف والقلق والاضطراب في نفوس الأطفال، يُحبطهم ويساهم في تخزين الانفعالات السلبية المؤثرة في سلوكياتهم». ويشير إلى «دور الأهل في تشجيع أولادهم على الألعاب الهادفة، والانتباه الى مضمونها المناسب لفئتهم العمرية»، كما يشجّع الأهل على «حَضّ الأطفال على اختيار الألعاب والهوايات الجماعية، وعلى المشاركة الإيجابية والبنّاءة في اللعب».

علم النفس وتفسيره للعب

للعب أهمية إجتماعية كبيرة في حياة الطفل. ويحلّل الأخصائي النفسي شخصية الطفل من خلال الأدوار التي يلعبها خلال نشاطه. فاللعب يكشف عن:

• كيفية تمكّن الطفل من حلّ المشاكل التي تنجم خلال اللعب.

• عدوانية الطفل وأنانيته: بالإضافة إلى نضجه وسلوكياته المقبولة وغير المقبولة.

• ذكاء الطفل: إذ يظهر ذكاؤه من خلال لعبه مع غيره وقدرته على التأقلم بشكل كامل في اللعب.

كما يهتمّ علم النفس والعلوم التربوية بعدة نقاط في إطار اللعب، أهمها استمتاع الطفل باللعب أو لا. ولا بأس في تَرك الأطفال يلعبون ببعض أدوات المنزل، ومنها أدوات المطبخ، على أن يُطلب منهم تنظيفها وإعادتها إلى مكانها عند انتهاء اللعب.

ألعاب الصبيان والبنات

على صعيد الاختلاف ما بين ألعاب الصبيان والبنات، تعتبر الدكتورة شرين كريديه، المتخصّصة في نشر كتب الأطفال، في حديث لـ»الجمهورية»، أنّ «ثمّة ألعاباً تُصَنّف للصبيان وتحبّها البنات، والعكس صحيح». وتوضِح: «لذلك، أنا لا أحبّذ كثيراً فكرة أنّ للصبيان ألعابهم وللبنات ألعابهنّ».

وتعطي الدكتورة كريديه مثلاً: «تحبّ ابنتي اللعب بالسيارات، بينما لدى ابني شَغف بالتلوين». وتقول: «تقع المسؤولية على طريقة تسويق هذه الألعاب، فصحيح أنّ النموّ لدى الذكور يختلف عمّا هو لدى الإناث، لكنّ التقليل من تصنيف الألعاب بين صبيانية وبنّاتية، يُكسب الطفل، ذكراً كان أم أنثى، كَمّاً أكبر من المهارات، ويسمح بتحقيق تساوٍ في المهارات والفرَص مستقبلاً. على سبيل المثال، لماذا هناك «رجل إطفاء» و«خيّاطة»؟».

ولكن يجب الاعتراف بأنّ هناك اختلافاً شاسعاً ما بين ألعاب الصبيان وألعاب البنات، والتي تؤدي دوراً بارزاً في تحديد الشخصية الجنسية عند الطفل.
theme::common.loader_icon