لماذا ننتمي إلى حزب... وما دور القادة في جذب المناصرين؟
لماذا ننتمي إلى حزب... وما دور القادة في جذب المناصرين؟
اخبار مباشرة
ساسيليا دومط
جريدة الجمهورية
Friday, 12-Feb-2016 00:17
تصافح الزّعيمان المسيحيّان سمير جعجع وميشال عون بعد تاريخ من الحروب المتبادلة، المدمّرة، الّتي نتجت عنها خسائر بالبشر والحجر. تصافح الرّجلان وأعلن جعجع دعمه ترشيح الجنرال لرئاسة الجمهوريّة، ما أثار ردود فعل متفاوتة لدى المناصرين والمنتمين لحزب القوّات اللبنانية والتيار الوطني الحر، فمنهم مَن مرّ عليه المشهد مرور الكرام، غير آبه، ومنهم مَن أعجب بالمبادرة. وغيرهم شعر بالحزن والنّقمة وصولاً إلى الغضب، وهناك مَن قال «ضيعان الّلي راحوا».
اختلف التّفاعل مع المبادرة بحسب مستوى الانتماء لحزبَي القوّات اللبنانيّة والتيار الوطني الحرّ. فما الأسباب الّتي تدفع إلى الإنتماء؟ لماذا ننتمي إلى هذا الحزب أو ذاك؟ وما هو سبب التّفاوت في مستوى الإنتماء الحزبي بين شخص وآخر؟

منفعة أو عواطف

بداية، يُعتبر الإنتماء حاجة نفسيّة أساسيّة، كالحاجة للحبّ، تلي بأهمّيّتها الحاجات الفيزيولوجيّة للمأكل والمشرب، وهي مجموعة من المشاعر والعواطف التي تعتمد على وجود جماعة بشريّة.

للإنتماء لجماعة أو حزب معيّن مستويات، تتدرّج على الشكل الآتي: الإحترام، التأييد، الدعم، الإنتساب، الولاء، الإندماج، التوحّد بالجماعة، الطاعة التامة وصولاً إلى التضحية بالنفس.

قد ينتمي الإنسان إلى جماعة أو حزب بهدف الإستفادة والمنفعة الشخصيّة، كالخدمات والدعم المادي والمعنوي، إلّا أنّه يتركه إلى حزب آخر في حال عدم تلبية متطلّباته أو إذا دعت المصلحة الشخصيّة لذلك. إنّ هذا النوع من الإرتباط بين الفرد والجماعة غير عاطفي، بل يقوم على المصلحة الخاصّة.

أمّا في حال الإنتماء لحزب بدافع الميول والمشاعر والعواطف، حيث يكون المنتمي جزءاً لا يتجزّأ من الجماعة، تتشارك الخصائص والأهداف الوجوديّة التي تتعلّق بالأرض والهويّة، التي تختلف عن خصائص وأهداف الجماعات الأخرى، حيث يكرّس مصلحته الشخصيّة في سبيل المصلحة العامّة، يتوحّد مع الجماعة، ويحمل همومها، ما يشعره بالإندفاع للعمل في سبيلها، فتصبح أهدافها من أولويّات حياته.

كم من المحازبين تركوا جامعاتهم ووظائفهم وعائلاتهم والتحقوا بأحزاب للدفاع عن مناطق اغتُصبت، واستولى عليها عدوّ، عن كرامة أو رمز دُنّسوا؟ لم يخشَ هؤلاء الموت في سبيل قضيّة تشاركوها مع الجماعة.

كم من الأشخاص ضحّوا بمستقبلهم العلمي واستقرارهم المالي، في سبيل قضيّتهم وقضيّة الجماعة التي تمثّلهم. فعندما ينتمي الفرد للجماعة لدوافع عاطفيّة، لا يهتمّ للمناصب والمكاسب الشخصيّة، بل يتطوّر من خلال تطوّر هذه الجماعة، التي يعتبر قضاياها مقدّسة. من هنا قد تصل التضحية إلى حدّ الإستشهاد في سبيل قضيّة معيّنة.

من الذوبان إلى الانشقاق

وعلى رغم حال الذوبان بالجماعة والولاء المطلق لها، قد يصل الفرد إلى مرحلة الإنشقاق عنها.

ما الأسباب الّتي قد تؤدّي إلى الإنشقاق؟ ما هي مظاهره؟ وكيف يتمّ تجنّبه؟

أسباب عدّة قد تؤدّي بالفرد الذي ينتمي إلى جماعة أو حزب معيّن إلى الإنشقاق التام، وتدهور وانهيار العلاقة كلّياً بينهما، هذه العلاقة الّتي قامت أساساً على المشاعر والحبّ والتكامل، فعندما يُصاب الفرد بخيبة أمل من الجماعة، يضعف شعوره بالأمان والثقة.

والدور الأهمّ في مدى الإنتماء، يلعبه قائد الجماعة، إذ إنّه يمثلها، ويحمل شعاراتها، وخصائصها، وطموحاتها وأهدافها، وينطق بها. فإذا اتخذ قراراً أو موقفاً لا يتناسب مع تطلّعاتها، قد تشعر بالإنهزام.

يُعتبر بدء سماع الإنتقادات والإعتراضات داخل جماعة معيّنة، جرس إنذار يدلّ على وجود مشكلة فعليّة، بحاجة إلى علاج جدّي.
يظهر ذلك من خلال عدم المشاركة بالنشاطات المتعلّقة بالجماعة تدريجاً، التهرّب من المسؤوليّات، التّركيز على نقاط الضعف والنواقص والسلبيات، فصل المصلحة الشخصية عن المصلحة العامة شيئاً فشيئاً، فيضعف الإنتماء والإيمان بالجماعة، ويتحوّل الفرد إلى جماعة أخرى، أو يؤسّس بنفسه جماعة جديدة تحمل توجّهاته وهمومه.

العلاج الوقائي

كعلاج وقائي، لا بدّ من إجراء إجتماعات دوريّة للجماعة، تتخلّلها جلسات مصارحة بين القاعدة والقيادة، وسماع آراء الأفراد بطريقة مباشرة، مخاوفهم، إنطباعاتهم، وجهات نظرهم، مشكلاتهم، والعمل على حلّها؛، تفعيل دور الفرد من خلال إعطائه مهام لإتمامها، فيشعر بالمساواة والعدل، وتقدير أهمّيّة ما يقوم به، والعمل على مبدأ المكافأة والتمايز.

كذلك، احترام القيادة للأفراد مهما قلّ شأنهم ومستواهم العلمي والثّقافي والإقتصادي، ولعلَّ أهمّ أسباب تراجع عديد المنتسبين إلى الأحزاب، اقتصار تسليم السلطة لأقارب الزعيم أيْ القائد، ما يشعر الأفراد بأنهم خارج إطار المشاركة بالمسؤولية، فيقاطعوا وينسحبوا.

إنّ نجاح الجماعة يقوم على ازدياد عدد الأشخاص المنتمين لها، وخطر خسارتهم في حال لم تؤمّن لهم الشعور بالإهتمام والأمان والرضا من خلال التقدّم والنموّ، والتوازن بين تأمين حقوقهم مقابل قيامهم بواجباتهم تجاه الأهداف والقضايا المشتركة.

فإذا لم يشعر الفرد بالحبّ والعدل، ينتابه القلق والخوف، وينسحب شيئاً فشيئاً. ربما من هنا انطلقت أصوات كانت في السابق من صلب الأحزاب، تستميت من أجل قضيّتها، وذلك بسبب عدم الإستجابة لحاجات الأفراد بالأمان والعدل وغيرها ما يبدّد مخاوفهم.
theme::common.loader_icon