الجدّ والجدّة... في كنف العائلة
الجدّ والجدّة... في كنف العائلة
د. أنطوان الشرتوني
جريدة الجمهورية
Monday, 18-Jan-2016 00:00
يتميّز مجتمعنا العربي بالدَور الإيجابي الذي تؤدّيه العائلة تجاه بعضها البعض. الجدّ والجدّة من أعضاء الأسرة، ويساهمان في استقرار العائلة ويرمزان إلى الحبّ والتضحية والتفاني. بعض الأحيان، يتجاوز الجدّان دورهما في الرعاية والحب، إلى التدليل المبالغ فيه أو السكوت عن أخطاء يقترفها الأحفاد. ما هو دورهما في العائلة؟ وكيف يمكن تقوية العلاقة معهما في حال ضعفها؟
على رغم تقدّم التكنولوجيا، والنمط السريع الذي نعيشه، إلّا أنّ حضن الجدّة ومجالسة الجدّ من أجمل ما يمكن أن يقصده الحفيد. غريزة الأبوّة والأمومة حاضرة حتى لو شاخا، وخبرتهما التربوية لا تُقدّر، حيث نجد جواباً لكلّ سؤال. كما يفهم الجدّ والجدّة متطلبات الأحفاد ويسعيان بالحب والمودة إلى حلّ جميع مشكلاتهم: الغرامية والإقتصادية والعلائقية والعائلية... إذاً هما مصدر الخبرة والأنس والحنان.

دورهما في العائلة

لا يمكن تشبيه دور الجدّ والجدّة في العائلة بدور الأب والأم. فالوالدان لهما دور بارز في التربية الجيدة والتنشئة الصالحة لأطفالهما، إلّا أنّ الجدّين غير بعيدين من هذا المضمار. فالجميع يعرف حنانهما وعاطفتهما تجاه أحفادهما.

وهما يعبّران عن حبّهما وإهتمامهما من خلال تلبية طلبات الأحفاد بالكامل. كما يعتبر علم النفس الأسري بأنّ الجدّ والجدّة يرتاحان بوجود الأحفاد إلى جانبهما، وهذا يزيد حبّهما لهم. ويتحوّل الجدّان إلى الحضن الذي يُصغي للأحفاد، بعيداً من قوانين الأب وصرامة الأم.

ولكن يجب التذكير بأنّه لا يمكن إستبدال الوالدين بالجدّين. ويجب الإنتباه في حال إضطُر الوالدان إلى وضع أطفالهما عند الجدّ والجدّة من عدم إفراط هذين الأخيرين في الحنان والتدليل. فعلى الجدّين معرفة لماذا يتصرّف الحفيد بهذه الطريقة وفهم ردّة فعل أهله، إذ ربّما يكون دافع الطفل هو العناد وإرتكاب الخطأ عمداً.

إيجابيات وسلبيات وجودهما في المنزل؟

من أهمّ إيجابيات وجود الجدّ والجدّة ضمن العائلة، إحداث المزيد من التوازن النفسي عند الأطفال، خصوصاً عند هؤلاء الذين يعانون من صدمات نفسية أو مشكلات عائلية. يخفّف حضور الجدّ والجدّة الآثار النفسيّة لقسوة الوالدين على الطفل. فبعد قصاص الأهل، يحتمي الطفل عادةً بجدّه أو جدّته
لأنه يكون بحاجة لعطف وحنان بسبب الشعور المزعج الذي مرّ به جرّاء القصاص.

أما بالنسبة للسلبيات، فأهمها التدليل المفرط للطفل. وعلى الوالدين أن يُصارحا ويشرحا للجدّ والجدّة بأنّ التدليل الزائد لا يُعلّم الطفل سوى المراوغة في التعامل مع الآخرين.

كما هناك نقطة سلبية أخرى وهي إنزعاج الجدّ والجدّة من معاقبة الأهل للأحفاد. لذا على الوالدين أن يفسّرا لهما أهمية العِقاب في التربية. ونتكلّم عن المعاقبة البنّاءة لا المعاقبة الهدّامة. ومن الأمور التي يستمتع بها الأجداد، وخصوصاً الجدّات، هي شراء الهدايا وتقديم الحلوى للأحفاد.

لهذا التصرّف تفسيرات نفسيّة كثيرة كما له إنعكاسات صحّية وإنعكاسات تربوية سيّئة. لذا على الأهل أن يتّفقوا مع الجدّين على كميّة الهدايا والحلوى المقدّمة للأحفاد ونوعها. ويجب الأخذ في الإعتبار مشاعر الأجداد، فقصدهم من تقديم الهدايا والحلويات هو التعبير عن الحب والعاطفة.

وإذا أصرّ الأجداد على التدخل في تربية الطفل، يعتمد الأهل الحوار معهم وتوضيح الأمور وشكرهم على محبتهم وعطفهم والتفسير لهم بأنّ التأديب والأخلاق والتربية من أساسيات الحياة. كما يجب على الأم أو الأب أن يُحسنا التعامل مع والديهما أمام أبنائهما، لأنّ أسلوبهما هذا سينقله أبناؤهما فيما بعد.

تقوية العلاقة مع الّجدّين

في بعض الأحيان، يعتمد الأبوان على الجدّين لدرجة الإثقال عليهما ما يؤدّي إلى انسحابهما وشعورهما بالانزعاج . وفي أحيان أخرى، تظهر بعض المشكلات بين الفريقين بسبب التربية أو بسبب إختلاف في وجهات النظر. كما قد نلاحظ بعض الفتور العاطفي ما بين الأحفاد والأجداد خصوصاً في العائلات التي تظهر فيها المشكلات النفسية والنفسية-الإجتماعية.

ولتقوية العلاقة مع الجدّ والجدّة، يمكن الإنتباه للنقاط التالية:

- أولاً، التفسير للجدّ وللجدّة بشكل هادئ جداً، بأنّ الأمور التربوية هي من مهام الوالدين أمّا بالنسبةَ للنشاطات الخارجية، فهي مسؤولية الجدّين.

- ثانياً، إستشارة الجدّين بشكل مستمرّ في الأمور الصحّية والتربوية. فيجب إشراك المسنّ في الحياة العائلية كي لا يشعر بأنْ لا حجّة له. لذا نرى عدداً من الأجداد يتدخلون بأمور كثيرة كي يشعروا بأنهم ما زالوا «مهمّين» في المجتمع.

- ثالثاً، يمكن الطلب من الجدّ أو الجدّة مشاركة الأحفاد في أنشطة أو هوايات محبّبة من الطرفين مثل السباحة أو المشي في الطبيعة... هذه طريقة لتقوية العلاقة ليس فقط بين الأجداد والأهل ولكن مع الأحفاد أيضاً.

ويمكن تعويد الطفل على الإتصالات الهاتفية المتكرّرة بالجدّ أو الجدّة أو كتابة رسائل هاتفية قصيرة لهما أو إرسال صور عبر الخدمات الهاتفية. كما يمكن للجدّ والجدّة تخصيص بعض الوقت لتعليم الأحفاد بعض المهارات التي يتقنونها كالرسم أو الأعمال الفنّية أو العناية بالحديقة...
theme::common.loader_icon