البكاء... في عالم الراشدين
البكاء... في عالم الراشدين
د. أنطوان الشرتوني
جريدة الجمهورية
Monday, 11-Jan-2016 00:00
البكاء... ومن منّا لم يكتشف طريقة التعبير هذه التي تصاحبنا في كلّ مراحل حياتنا. وفسّرت كثير من الدراسات النفسية بكاء الأطفال. ولكن ماذا عن بكاء الراشدين؟ فمن المعروف بأنّ البكاء عند الراشدين يختلف تماماً عنه عند الأطفال، حيث يتميّز باختبار سيكولوجي مؤلم يدفع الإنسان إلى البكاء. ولا يلجأ الراشد إلى البكاء كما يفعل الأطفال، إذ لا يكون لإشباع حاجة فقط. فما هو البكاء؟ وما هي أنواعه؟ ولماذا يبكي الإنسان؟
البكاء حالة يمرّ فيها الإنسان، وتتمثّل عادةً بإنهمار الدموع من العيون. تنبثق الدموع من غدد في العيون، ودورها فيزيولجي بحت، وهو ترطيب العين لمساعدتها في حركتها أثناء النظر من جهة إلى أخرى. وللدموع دور في مقاومة الجراثيم التي يمكن أن تدخل في العين.

ولكنّ الأهم في ذلك، الوظيفة النفسية التي تلعبها الدموع في حياة الإنسان، وهي مساعدته على إزالة التوتّر النفسي والتخفيف من الضغط العصبي.
عندما نرى شخصاً يبكي، نربط عادة بكاءه بالضعف والإستسلام، فمن الشائع أنّ البكاء في أساسه نوع من الإستغاثة. وهذه الإستغاثة لها جذورها في طفولة الإنسان، عندما كان يبكي طالباً المأكل أو المشرب...

ولكن عندما يصبح الإنسان راشداً، يبكي ليعبّر عن إحتياجه إلى الأمان والراحة. فدموعه تكون نوعاً من التنفيس عمّا يعانيه في داخله من ألم نفسي أو حاجة.

والبكاء نوع من التفريغ النفسي الذي يريحه. ويوصي الأخصائيون النفسيون بالبكاء لأنه طريقة لترطيب النفس المتألّمة، كما يشدّدون على فكرة ترك الطفل يبكي للتخفيف من توتّره وخوفه وقلقه من العالم الذي ما زال يكتشفه.

وفي هذه الحال، يشكّل البكاء سلوكاً صحّياً وعلاجاً للمشكلات النفسية.
فعند وفاة شخص قريب مثلاً، يكون البكاء وسيلة للتعبير عن الحزن والألم النفسي بسبب الهجر وطريقةً لطلب النجدة وعطف الآخرين بشكل واعٍ أو غير واعٍ.

وغالباً ما يكون البكاء «مُعْدياً» مثله مثل الضحك، لذلك نرى في التعازي «ضجّة بكاء»، لأنّ الإنسان عندما يرى الآخرين يبكون، تسهل عنده أيضاً عملية البكاء.

أنواع البكاء عند الراشدين

يجب التمييز بين بكاء الطفل وبكاء الراشد. فبكاء الطفل يأتي نتيجة شعوره بالجوع أو المرض ويكون بكاءاً صحّياً. والبكاء عنده ليس إلّا وسيلة للتعبير عن احتياجاته أو خوفه أو مرضه.

ومن أسباب البكاء عند الطفل الشعور بفقدان الأمان، عدم الرضا، الشعور بالوحدة، الحاجة الى الحنان أو غيرها من الأسباب النفسية.
والبكاء المستمرّ عند الطفل يمكن أن يكون نتيجة الإفراط فى تدليله أو بهدف الحصول على كلّ ما يريد، فيصبح بكاؤه سلاحاً يستعمله ضدّ والديه. وهذا النوع من البكاء ليس بكاءً صحّياً أبداً. بينما يأخذ بكاء الراشدين أشكالاً كثيرة بتنوّع واختلاف نفسيات البشر ذاتهم.

ونذكر بعضاً منها:

1 - بكاء العاشق: البكاء من علامات الحب. وأظهر كثير من الدراسات العلمية بأنّ بكاء العاشق يخفّف القلق والشوق والخوف من الفراق. فيكون البكاء وسيلة من التفريج النفسي.

2 - بكاء الشفقة: هذا النوع من البكاء شائع بين الأشخاص رقيقي القلوب وشديدي التأثّر بما يدور من حولهم. وعندما يرى الشخص نفسه في موقف ضعف نتيجة مرض أو مصيبة... تنهمر الدموع التي تكون صادقة ونبيلة.

3 - بكاء الخديعة: هناك مثل لبناني يفسّر هذا النوع من البكاء وهو: «ضربني وبكى، وسبقني واشتكى». هذا البكاء هو نقيض بكاء الشفقة. فهو ليس صادقاً، وليس نابعاً من عاطفة بل إنه بكاء كاذب غرضه الخداع والتخفّي. فبكاء الخديعة نوع من الكذب وهدفه التضليل.

4 - بكاء الضعف وبكاء الخوف: عندما يبكي الإنسان، يعبّر بطريقة أو بأخرى عن ضعفه أو خوفه. فالبكاء حيلة نفسية دفاعية غير واعية، يلجأ إليها الإنسان للتقليل من خوفه وهواجسه. وأظهرت الدراسات أنّ الإنسان يبكي عندما يخاف من شيء ما أو عندما يشعر بالضعف، فيحاول أن يقلّل من خوفه وتوتّره من خلال البكاء.

5 - بكاء الندم: قد يندم الإنسان على الكثير من الأفعال التي إقترفها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وعادةً ما يترافق هذا الندم مع البكاء وهو من النوع الأشدّ مرارة وقسوة على النفس. فهو اعتراف بالذنب والتقصير والظلم.

6 - بكاء الفرح: وأخيراً، البكاء ليس دائماً قرين الحزن، ولكنّ هناك نوعاً من البكاء بسبب فرحة كبيرة ويُسمى «بكاء الفرح» أو «دموع الفرح». ومن العجيب أن يقترن الفرح بالبكاء، والسعادة بالدموع، ولكن، نلاحظ هذا النوع من البكاء عندما يمرّ الإنسان بخبرة سعيدة أو فرحة غامرة، ويعبّر عن أحاسيسه بالبكاء.

هل تبكي المرأة أكثر من الرجل؟

تتضارب نتائج الدراسات في هذا الإطار، منها ما تؤكّد بأنّ المرأة هي أكثر دمعاً من الرجل فيما تنفي دراسات أخرى ذلك. ولكنّ العلم يشير إلى أنّ دموع المرأة «سخية» أكثر من دموع الرجل. فدموعها تنهمر بسرعة للتخفيف من توتّرها، بينما يتربّى الرجل وخصوصاً في مجتمعنا الشرقي، على فكرة أنّ البكاء فقط للنساء، ويجب الخجل من الدموع. ويكبر الرجل ولا يعرف معنى البكاء، ويبحث عن طريقة أخرى لتفجير مشاعره وقلقه وخوفه، خارج إطار البكاء والدموع.
theme::common.loader_icon