روميو لحود يُعيد «بنت الجبل» للمرة الثالثة
روميو لحود يُعيد «بنت الجبل» للمرة الثالثة
راكيل عتيِّق
جريدة الجمهورية
Tuesday, 24-Nov-2015 00:00
يتوق كثيرون إلى زمن المسرح الغنائي الجميل، الذي كان يضمّ كباراً من لبنان، من ممثلين ومغنّين وكتّاب ومخرجين. فلم يتمكّن عدد كبير من المؤلّفين والمخرجين المسرحيين اللبنانيين، البروز في عالم المسرح الغنائي بعد الأخوين عاصي ومنصور الرحباني. إلّا أنّ روميو لحود كان وما زال من الكبار الذين برزوا وأغنوا المسرح، ولم يتوقفوا عن الإنتاج والعطاء.
عادت مسرحية «بنت الجبل» لروميو لحود، إلى المسرح يوم الثاني عشر من الشهر الجاري، بالنصّ نفسه والأغنيات نفسها، إنمّا بأثواب ممثّلين آخرين. أمّا العرض المخصّص للصحافة فكان ليلة الجمعة في العشرين من الشهر الجاري على خشبة مسرح «Theatre Des Arts» في جونيه.

الكاتب وبائعة الزهور

«بنت الجبل»، عمل مسرحي قديم من كتابة جورج برنارد شو بعنوان «Pygmalion»، تتمحور أحداثه حول قصّة كاتب كبير يلتقي بائعة زهور في زمن ما قبل مجيء المسيح، الذي يسعى إلى أن يُحوّلها إلى فتاة مثقّفة، تجيد التحدّث والتصرّف برقيّ. ولقد نفّذ روميو لحود هذا العمل المسرحي للمرة الأولى عام 1977، وأعاد تقديمه للمرة الثانية عام 1988، مع الممثلين أنفسهم.

أبطال «بنت الجبل» الأساسيون، الذين ساهموا بنجاحها جماهيرياً وببقائها في «أرشيف» ذاكرة الآلاف، هم الراحلة سلوى القطريب، الممثل الكبير أنطوان كرباج، وماغي بدوي والياس الياس، بالإضافة إلى عدد من الممثلين الآخرين.

في النسخة الحالية من «بنت الجبل»، الممثلة الوحيدة التي أعادت لعب دورها هي ماغي بدوي. أما البطلان الجديدان فهما، بديع أبو شقرا وألين لحود، التي لعبت دور والدتها سلوى القطريب. وشارك إلى جانبهما الممثل اللامع غبريال يمّين، وعدد من الممثلين الشباب، مثل عصام مرعب وماريلين حكيم وغيرهما.

المسرحية تنقل مشهَديّة واقعية، يبدو أنّ تطوّرها زمنيّاً منذ ما قبل مجيء المسيح ليومنا هذا في القرن الواحد والعشرين، لم يصل إلى حدّ التغيّر الكلّي أو الزوال.

صورة واقعية بتطرّفها

صورة نمطيّة واقعية جسّدتها المسرحية بوجهها الأكثر تطرّفاً. فنقلت التفاوتَ الكبير بين الطبقات الاجتماعية. «ليزا» هي الفتاة التي لبست شخصيّتها كلّ من سلوى القطريب وابنتها ألين لحود، وهي بنت الجبل التي تركت قريتها لتبيع الزهور في المدينة.

تتكلّم بلهجة جبلية غير مثقّفة ومنمّقة، ثيابها رثّة غير نظيفة، وتصرّفاتها فوضوية غير لائقة. أمّا دور «هنري أديب»، الذي جسّده كلّ من أنطوان كرباج وبديع أبو شقرا، فهو الصورة المناقضة تماماً. هو أستاذ وكاتب كبير مثقّف، من أسرة برجوازية تتبع «الاتيكيت» والأصول في أسلوب حياتها وتصرّفاتها.

هنري يبغي التحدّي وإثبات قدراته اللغوية ودراساته المستمرّة للّهجات، وليزا فقيرة لا منزل يأويها بعد هجرها بيت والدها. فوحّدهما هدفٌ واحد، وهو إخراج «بنت الجبل»، من حالها المذرية في غضون 6 أشهر.

المشهَديّة الإخراجية للعمل المسرحي كانت مطابقة للنصّ، فنقلت الفارق الكبير بين نموذجَين اجتماعيَين، وانقسمت الصورة بين سوق الخضار و«الصالونات»، وبين «الزبّال» السكّير والمرأة الغنية الأرستقراطية الدائمة السفر والتنقّل بين مدن العالم.

بين ألين لحود وسلوى القطريب

لا يتطلب دورُ الممثل بديع أبو شقرا قدرات تمثيلية كبيرة، مثل التي سبق وأظهرها في أدوارٍ مسرحية وتلفزيونية أخرى. فقد لبس ثوب الدور بارتياح وانسجام واضحين، وأدّى دوره بسهولة واستمتاع.

أمّا ألين لحود، فكان حضورها محبَّباً، حيث أتقنت «اللهجة الجبلية» ودمجتها بأداءٍ أضحك الحضور الذي تفاعل معها في دور «بنت الجبل»، وفي دور الفتاة الجميلة الراقية. لكنّها لم تستطع أخذنا إلى «خلف البحر» بصوتها، أو أن ترينا «العيد بعيونها». صوت سلوى القطريب، هو الذي بقي مسيطراً على حواسنا، ومزروعاً في باطن ذاكرتنا، ومن الصعب أن ينجح صوتٌ آخر بنقل روح أعمالها الغنائية إلى الجمهور.

ماغي بدوي، هي الآتية من ذاك الزمن لتعيدنا إلى «مسرح العزّ» بأدائها المتقن. أمّا المحرّك الديناميكي، الذي أنقذ العمل المسرحي من وقوعه في «حفرة» الملل والرتابة، فهو الممثل غبريال يمّين من دون منازع. أداؤه إبداعي بامتياز، يمثّل بكلّ ما فيه، بيديه وجسده ووجه ورجليه.

يُسخّر يمّين نفسه للدور، فيغيّر نفسه شكلاً ومضموناً حسب قياس الدَور. رقصاً وأداءً وكلاماً، اختصر «الفيلسوف الزبّال»، بتجسيده المضحك-الموجع للأخلاقية البرجوازية.

عندما يكون الأساس متيناً وصلباً وناجحاً، وعندما يترك أثراً كبيراً في النفوس، من الصعب أن ينجح غيره في الوقوف مكانه وإيصال العمل بالإبهار ذاته. لكنّ ذلك لا يعني التوقّف، بل يجب المحاولة والاستمرار باستخدام أفضل العوامل والموارد والإمكانيات المتوفّرة. تحية إلى روميو لحود، الفنان الذي لا يعرف الاستسلام. وتحية لأعماله التي تعيد للفنّ قيمته.
theme::common.loader_icon