بديع أبو شقرا: وسَقَط القِناع
بديع أبو شقرا: وسَقَط القِناع
رنا اسطيح
جريدة الجمهورية
Friday, 06-Nov-2015 00:00
قد لا يعني لك التمثيل شيئاً وأنتَ جالس في حضن كنبتك المريحة تقلّب في المشاهد والوجوه ولا تعتريك رعشة، ولكن بالنسبة إلى بعض الممثلين، قد يعني هذا كلّ شيء، لا بل قد يختزل حياةً بأسرها. ممثلٌ يتعارك مع نفسه على الشاشة والخشبة، يصارع أسئلته وهواجس الماضي وأشباح الغربات الجغرافية والنفسية، يغوص في تلك الأسطح اللمّاعة بحثاً عن صورة، وربما عن هوية. الممثل اللبناني بديع أبو شقرا من تلك الطينة التي تبحث عن حبّة رمل إضافية لتتكوّر ثمّ تتمدّد على وسع شواطئ من الأحلام والذوات المولودة داخل الذات الإنسانية.
قد تشاهد له مسرحية وتصفّق طويلاً لا لشيء سوى ربما لشعور خلقه فيك ولا تدري من أين أتى أو كيف ظهر. في «Venus» لجاك مارون، جعلك تتألّب على كرسيك داخل المسرح وكأنّ بك جمرة تتلوّى ولا تخترق.

بين ساقَي ريتا حايك وضع رأسه المحمّل بأسئلة الهوية والنزعة السلطوية الغافية في أحضان النكران، لتستفيق على الخشبة منظومات من المعاني الجديدة حول المسيطِر والمسيطَر عليه في العلاقات المتداخلة والمتشعّبة بين المرأة والرجل.

يسلّمون له ذواتهم

أما اليوم فموعد مسرحي جديد ومختلف تماماً مع بديع أبو شقرا وألين لحّود وغبريال يمّين وآخرين سيسلّمون أرواحهم طوعاً لمايسترو المسرحية القديمة- الجديدة روميو لحّود، ليحرّك على هواه خيوط الملهاة الإنسانية معيداً شبك خيطان فنّية وشخصية تتصّل بالماضي القديم المثقل بالحنين.

«بنت الجبل» التي تَعاقَب على أدائها كبار الممثلين تعود إلى الحياة معيدةً معها الروح إلى خشبة المايسترو الكبير روميو لحّود، الذي أعلن عن انطلاق العمل الجديد في الرابع عشر من تشرين الثاني في «مسرح الفنون».

ما يعرفونه

يرى بديع أبو شقرا أنّ «هذا العمل محفور في ذاكرة اللبنانيين. وعندما عُرض للمرّة الأولى منذ أكثر من 20 عاماً لم أكن أتوقّع أن ياتي يوم أقف فيه أنا على الخشبة وأكون جزءاً من هذه القصّة الجميلة. تحمّست كثيراً للمشاركة في عمل ناجح من هذا النوع له امتداد في الذاكرة. ما لا يعرفه البعض في لبنان عن المسرح هو أنه حاجة وليس مجرّد أداة ترفيه فنّية، لهذا السبب تُعاد المسرحيّات وتكمل لسنوات. أنا مع هذا المبدأ لا سيّما في ما يتعلّق بالمسرحيات المقتبَسة عن قصص عالمية لا تموت».

كلاسيكي-معاصر

بالنسبة إليه المسرحية قادرة بلا شك على استقطاب الجمهور الجديد، حيث يقول: «سيشاهد الجمهور عملاً يوقظ فيه نوستالجيا إلى أحداث وذكريات من الماضي وهو غالباً ما يبحث عن هكذا شعور. وعلى مستوى التقنية المسرحية، يجب القول إنه لتحدٍّ كبير أن يُعاد عرض عمل يستهدف جمهوراً جديداً تغيّرت مفاهيمه لناحية الحياة والمجتمع والحرّية.

هي لا شك من الأعمال الكلاسيكية ولكنها تمتزج بروح معاصرة تضخّ في شرايينها نبضاً جميلاً وأخّاذاً. وهذا تحدٍّ إضافي للممثل أيضاً ليستطيع أن يعكس رؤية روميو لحّود ونظرته للعمل والوصول بأداء مقنع إلى الجمهور بشكل لا يقول معه إنّ هذا عمل كلاسيكي محض وإنما عمل يحاكيني اليوم والآن. كلّ العناصر يجب أن تتضافر».

«هيدا خلِق عِنّا»

«بنت الجبل» كما يراها الممثل المعروف «هي قصة جميلة وصلت إلى الجمهور من خلال طريقة اقتباسها الفريدة ومن خلال الكلمات والألحان ووجوه فنانين ومطربين نحبّهم وكانوا ينتمون في تلك الحقبة إلى دائرة ضيّقة من الجمال والفن. اليوم بالطبع الدائرة أوسع والتحدي أصعب مع الوجود الطاغي للميديا وكلّ تلك الإعلانات التي تستحوذ على المشهد العام كذلك الرعاة، ما جعل نظر المشاهد مشتّتاً أحياناً ومهشَّماً في أحيان أخرى.

لذلك كلّه التحدّي أوسع ولكنني لم أتردّد بالمشاركة ولا لحظة رغم أنني لم أعمل في المسرح الغنائي سابقاً. شعرتُ بصعوبة الأمر ولكنني تحمّست كثيراً ولا أدري لماذا، ربما لأنني كممثل أحب أن يمرّ في مشواري المهني هذا النوع من المسرح لاتعرّف اليه والى روّاده الأساسيين الذين أوجدوه ليس في لبنان وحسب وإنما في العالم العربي أيضاً. «هيدا خلِق عنّا».

أجمل اللحظات عندي

بديع أبو شقرا يرى أنّ «تغيّر جيل الممثلين بين المسرحية القديمة والجديدة يترافق لا شعورياً مع تغيّر النظرة إزاء العمل الفنّي وظهور طابع مختلف... ويمكنني أن أجزم أنّ أجمل اللحظات عندي هي عندما كنتُ أجلس مع روميو لحّود حتى قبل بدء التمارين وأستمع إلى حكاياه القديمة حول مطربي ذاك الزمن وتاريخ الموسيقى في لبنان وموسيقى بيروت قبل مرحلة الرحابنة وتلك الأسماء التي طبعت تلك الحقبة الفنّية. كانت لحظات ثمينة لأفهم وجهة نظره إلى الأمور أكثر. كانت بروفات غير مباشرة بالنسبة لي استعداداً للمسرحية».

لم أعد جزءاً من المشهد

بديع أبو شقرا الناشط مسرحياً قدّم أخيراً 10 مسرحيّات في كندا، بلد الاغتراب، حيث جال على بلدان عدّة بينها أوروبا وجنوب أميركا. في لبنان يقول: «صادف أنني قلّلت من مشاركاتي التلفزيونية ولم أعد جزءاً أساساً من المشهد بسبب الظروف وبسبب ملاحظات معيّنة لديّ على أمور كثيرة».
بالنسبة له «هناك حيوية مسرحية وليس حركة مسرحية ناشطة لأنْ لا صناعة مسرحية في البلد.

هي مبادرات ومجازفات شخصيّة إذ إنّ المؤسسات الحكومية التي يجب أن تُعنى بالمسرح كجزء من حضارة وطن غائبة وفاسدة مثل سواها من المؤسسات أينما كان. ونحن كشعب حيوي لدينا كلّ الإمكانات المطلوبة إنسانياً وفكرياً وعلى مستويات الكتابة والإخراج والتمثيل لنقوم بنهضة مسرحية تصل إلى مكان عالمي لأنّ لدينا تجارب عظيمة في هذا المجال ولا تنقصنا سوى المقوّمات».

أداة التغيير

ويؤكّد: «المسرح هو الأهم في بناء حضارة وطن ولهذا السبب تتخوّف منه الحكومات أينما كان. هو يخيف الأنظمة في مختلف أشكالها لانه الوحيد القادر على تحريك الناس أكثر من الصحافة ومن السينما. التلفزيون تجاري أساساً ولا يخيف أحداً ولكنّ المسرح وإن لم يتكلّم بشكل مباشر عن حالات الرفض أو التغيير في الأوطان إلّا أنه حالة تغيير قائمة بحدّ ذاتها».

وعن الدور الذي يلعبه المسرح اليوم، يقول: «هو يلعب دور الحقيقة. مع المسرح يسقط القناع وتسقط الأكاذيب. المسرح لا يملك سوى قول الحقيقة لأنه إذا لم يفعل سقط توّاً... هو ليس رسالة على الإطلاق وليس توجيهياً أو تعليمياً وهو مجرّد حقيقة صرفة».

أيّ حقيقة ستقول إذاً «بنت الجبل» في عام 2015؟ يقول: «في المسرحية معانٍ جميلة وعميقة كثيرة. أدعو الناس لمشاهدة عملٍ فيه فرح وضحك ورومانسية وجرعات عالية من الفنّ والجمال.

وأنا سعيد جداً بالعمل مع مبدع مثل روميو لحّود وبالثنائية مع ألين لحّود التي سبق وتعاونتُ معها سابقاً وأجد متعة في العمل معها. هي لا شك جرأة أن يستعيد روميو لحّود هذا العمل في هذا الوقت ليبرهن من خلاله ومن خلالنا أنّ الأعمال الجميلة لا تموت ولا تنتهي فترة صلاحيّتها».
theme::common.loader_icon