الروائي أمين الزاوي: أدعو إلى تحرير القارئ من «الإيمان الساذج»
الروائي أمين الزاوي: أدعو إلى تحرير القارئ من «الإيمان الساذج»
اخبار مباشرة
نسرين بلوط
وصَفَ صاحب النوبل في الآداب ميخائيل نعيمة «الشرق بالبصير» و«الغرب بالمبصر»، مرتكزًا على أسُس اللغة كي نعبر إلى التكامل الحضاري والإنساني بينهما. وانطلاقًا من هذه المقولة، ذهبَ الروائي الجزائري أمين الزاوي مجتهدًا في تفنيدها، كإشكالية تطرح الانتماء بين اللغتين اللتين يكتب بهما وهما العربية والفرنسية، مؤكّداً وُلوجَه عالمَ الرواية التي تبهر بفنّها الماكر ولا تغري بنهايتها المحتّمة، بل تكاد تصل بذهن القارئ إلى تصديقها تصديقاً تامّاً.
• إختراقُ الحجُب الإنسانية في رواياتك ثمّ تركُها من غير حلّ، كما جاءَ في رواية «الملكة»، هل يعني أنّك تؤثِر النهايات المفتوحة والمتوارية بقِناع الغموض؟ ولماذا؟
- الرواية ليست وصفة طبّية أو مرهم لعلاج «الحكّة»... الرواية كما أفهمها هي توريط القارئ من خلال «تعب القراءة» ومن خلال «لذّة القراءة»، وجرّه إلى جملة من الأسئلة الوجودية أو التاريخية أو الاجتماعية.
الرواية التي تحمل أجوبة هي رواية أبوية فاشلة، ومهمّة الرواية، كما أفهمها، و كما أمارسها، هي عملية التشويش على إيمانات القارئ، كيف يُقلِق الروائي قارئه. على الرواية أن تدفع بالقارئ إلى «الحيرة» لا إلى «الاطمئنان».
• لماذا اخترتَ الصين والجزائر مسرحاً لروايتك «الملكة»، ولم تختَر بلاداً أخرى؟ وما دلالتها؟
- رواية «الملكة» نصّ كتبته في قراءة تاريخ العلاقة المستقبلية ما بين الجنوب (الجزائر ومن خلالها العالم العربي) والشرق الأقصى (الصين). الصين هي رهان القرنين القادمين على المستوى الاقتصادي والثقافي والفكري.
الصين تصنع ذوقَنا الذي سنكون عليه غداً، وتصنع رؤساءَنا (في الرواية البطلة سمورا التي هي أمازيغية جزائرية تظهر في نهاية الرواية حاملاً مِن عشيقها الصيني، وهما يحلمان بأنّ رئيس الجزائر في نهاية القرن الحالي سيكون من أصل صيني جزائري)، الصين هي التي ستصنع السلامَ أو الحرب، الصين تدخل اليوم بيوتَنا من خلال كلّ شيء مِن ممحاة تلميذ المدرسة إلى مقلاة الطبخ إلى سيارة نَركبها أو جهاز إلكتروني نتواصَل به، ميزان المبادلات التجارية والاقتصادية ما بين الصين وإفريقيا قد تجاوَز الأربعمائة مليار دولار سنويّاً، وتلك ليست أكثر من البداية.
لقد بدأت تتشَكّل في الجزائر أحياء سَكنية صينية، نسَمّيها الأحياء الصينية، وبدأت علاقات القلب (العاطفة) ما بين الصيني والجزائرية، وما بين الصينية والجزائري تتأسّس، وهذه هي مهمّة الروائي بماذا يتنبّأ لهذه العلاقة، وتلك هي أسئلة رواية «الملكة»، إنّه عالم يبدأ، وعلى الروائي أن يستشرف هذا العالم.
• في روايتك «الملكة» تقول في إحدى الجمل:» إنّكم كالجرذان التي تهجم على المدن في موسم الطاعون»، فهل المقصود بالجرذان الاحتلال الفرنسي الذي شهدَته الجزائر وكان حاضراً في عهد الطاعون؟
- هناك فارقٌ ما بين التواجد الفرنسي الاستعماري في الجزائر، الذي هو ضدّ التاريخ وضدّ الإنسانية وضدّ الحرّية، والتواجد الصيني المؤسّس على التنافس وعلى التبادل وعلى العلاقات الثقافية.
في رواية «الملكة» أردتُ أن أكتب «تاريخ تشكّل الرأسمال العاطفي» ما بين الجزائر (المرأة البطلة) والبطل الصيني، هي رواية «القلب» الذي من خلاله نكتشف التاريخ والاجتماع والجسَد. مهمّة الرواية في رأيي، وهو ما حاولتُ كتابتَه في «الملكة»، هي كتابة تاريخ العاطفة، أمّا التاريخ الآخر فهو مهمّة علماء الاقتصاد والمؤرّخين، ولكن حين تكون الرواية نبَوية، أي فيها نبوءة، فإنّها تكون أعمق من الخطاب العالم للمؤرّخ أو الاقتصادي، لأنّها تفَتفِت تفاصيل الروح ونار الجسد، والتاريخ لا تصنعه سوى الروح والجسَد بكلّ ما فيهما من شبَقية وجنون وفردانية.
• رواياتك تُظهِر عدمَ تصالح الجزائري مع نفسِه ومع الآخرين. هل هذا نقدٌ لِما يدور حقّاً في بلادك، أم هو طبعُ العربي بشكل عام حسب اعتقادِك؟
- نحن في العالم العربي والإسلامي نعيش انفصاماً ثقافيّاً وسيكولوجياً، نحن غرباء عن التاريخ، خارج القرن.
في رواية «الملكة»، حاولتُ أن أسلّط الضوء على الشخصية الجزائرية (ومن خلالها العربية والإسلامية) التي تتميّز أوّلاً بالانتفاخ الماضوي والكسَل، ولعلّ صورة الصيني بكلّ ما يَحمله من رموز التحدّي والعمل والكسب، هو نقيض الشخصية العربية الكسولة والاعتمادية. الشخصية العربية كما في رواية «الملكة» شخصية قدرية، لا تحترم فلسفة العمل ولا تحترم «الوقت» ولا «الآخر» المختلف.
لم يخرج العربي بعد من بداوته، فعقلية «القبيلة» والعشيرة» هي مركز كلّ منطلقاته الفكريّة وممارساته الاجتماعية، ويتجلّى ذلك بشكل واضح في موقفه من «المرأة». أقول هذا وأنا أعيش داخل هذا المجتمع لا أحكم عليه من الخارج، أنا لست مستشرقاً، أنا ابن أعماق الجزائر، ووريث التراث العربي المتنوّر الذي يهاجَم ويصفَّى ويُغتال يوميّاً.
• قلت يوماً: «لا أريد قارئًا مطمئنًا للحياة بل أريده مشوّشًا دائمَ الحيرة والأسئلة». لماذا هذه اللاطمأنينة في كتابتك؟ هل هو فنّ بحدّ ذاته؟
- لا أريد قارئاً مؤمناً بما حوله، مؤمناً بنفسه، يجب محاربة «القدرية» في عقلية وسلوكات القارئ العربي بممارسة «الإزعاج الإيجابي» La provocation non-gratuite ، يجب ألّا تُقرَأ الرواية كما يُقرأ النصّ الديني.
للأسف، لا تزال القراءة الأدبية في الفضاء الثقافي العربي مختلطة ومتداخلة مع «القراءة الدينية»، وأنا أدعو إلى تحرير القارئ من «الإيمان الديني» الساذج وأيضاً من «الكسل الفكري» و من «الاحتفال بوَرَم الماضي» الذي تقدّمه له بعض روايات «الساندويش» القائمة على الانتفاخات اللغوية والإنشاءات الغرامية.
ما أكتب يقوم على فلسفة روائية، أنا لا أكتب رواية بل أحاول أن أكون صاحب مشروع روائي، فمنذ روايتي الأولى «صهيل الجسد» التي نشرتُها عام 1985، وقد مُنِعَت في العالم العربي وسُجن الناشر السوري على إثر نشرها و شُمِّعت دار النشر، منذ ذلك التاريخ وأنا أحفر في هذا المشروع، تارةً برواية أكتبها باللغة العربية وتارةً أخرى برواية أكتبها باللغة الفرنسية.
فلسفتي في الرواية تقوم على ما يلي: الرواية التي تكتب ما يعرفه القارئ هي رواية تولَد ميتة، الرواية التي تكتب ما يستطيع القارئ قوله هي رواية تولد ميتة. الرواية، كما أفهمها، هي النصّ الذي يجرؤ على قول ما لا يستطيع القارئ قوله، وهي أيضاً النصّ الذي يكتب ما لا يعرفه القارئ (الإدهاش والاكتشاف).
• الكتابة عندك باللغتين الفرنسية والعربية، هل هي تعبير نفسيّ لواحةٍ مِن الأفكار المترجمة، أم أنّها تنبَع من نفس اللغة التي تفكّر فيها، وأيّ من اللغتين تفَضّل للكتابة؟
- أنا روائيّ أكتب باللغتين الفرنسية والعربية، وأنا الوحيد من جيلي، جيل الاستقلال، الذي يمارس الكتابة إبداعيّاً روائيّاً من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين بشكل متناغم، وما أطرحه من مشكلات وأسئلة فلسفية وتراثية وسيكولوجية وسياسية في رواياتي بالفرنسية أطرحها بالعربية.
صحيح أنّ النصوص مختلفة، أي ليست ترجمة مطلقة، ولم أحاول يوماً ترجمة أعمالي من لغة إلى أخرى، بل كلّ نصّ قائم بذاته، ولكنّني أمين ووفيّ للقارئ، حيث إنّني لا أخون قارئي بالعربية كما بالفرنسية، فما يشغلني من هموم أكتبها في هذه اللغة أو في تلك.
كلّ اللغات جميلات، وفي كلّ اللغات حرّيات، ولكنّ الكاتب هو الذي يَرهن نفسَه للعبودية أو للبَيع والشراء، جَرّاء موازين سياسية تَحكم مؤسّسات تَشتغل بهذه اللغة أو تلك. أشعر بأنّ اللغة العربية يلتهمها الدين والدينيّون يوماً بعد يوم، لغة، للأسف، تمشي نحو اللاهوت في ظلّ ما يَجري من مصادرة سياسية وأيديولوجية لهذه اللغة التي كانت لغة لائكية، تنتمي إلى عصر ما قبل الإسلام نفسه.
• بما أنّ زوجتك ربيعة جلطي شاعرة، هل يَخلق هذا جوّاً من التوتّر بسبب الاختلافات التي تصطخب في فكر كلّ مبدِع عن الآخر، أم أنّ التناقض الفكريّ في الأدب لا يمنع من التقارب الشخصي برأيك؟
- نحن أسرة أدب وفنّ، ربيعة شاعرة وروائية، حقّقَت حضوراً عربيّاً متميّزاً، من خلال نصوصها الروائية والشعرية الجريئة، وابنتُنا لينا دوران مغنّية وموسيقية، وأصبحَت الآن إسماً أساسيّاً بين الأصوات الغنائية في أوروبا والجزائر، فنحن كالأسماك لا يمكننا العيش خارج ماء الفنّ الزلال، نتناقش، نختلف، نتّفق، يقرأ الواحد منّا للآخر، كلّ ذلك في جوّ من الديمقراطية والاحترام والفردانية. لكلّ منّا طقوسُه في الكتابة والقراءة والإبداع، وكلّ منّا يَحترم طقوس الآخر.
ولكنّ الحياة لها أيضاً طعمٌ آخَر غير الكتابة والقراءة، الحياة هي وهجٌ وانطلاقٌ في اليومي، فنحن نعيش حياتنا أيضاً في الأسفار والأحلام والأطفال والأصدقاء والعائلة الكبيرة، لأنّ الكتابة في نهاية المطاف لا تتجدّد مفاصلُها بمعزِل عن الحياة اليومية في سعادتها، وأيضاً في قساوتها.
• ماذا تعني لك بيروت؟ وهل توقِد في روحك شعلة التعبير ببحرها وشطآنها وحضارتها الفينيقية؟
- حين أفكّر في بيروت التي زرتُها مراراً ولي فيها أصدقاءُ كثُر من المثقّفين والكتّاب والصحافيين والجامعيين، حين أفكّر فيها أتذكّر وهران، فهما مدينتان متشابهتان بكورنيشَيهما، وبانفتاحهما على الغريب، لا غريبَ في وهران كما لا غريبَ في بيروت، والمثير، ومِن باب الصُدفة أو لست أدري، هو أنّ بطل روايتي الجديدة «قبل الحبّ بقليل»، التي ستَصدر هذه الأيام عن منشورات ضفاف بيروت ومنشورات الاختلاف بالجزائر، الذي اسمُه هابيل، يلتجئ إلى بيروت في آخر الرواية، يغادر وهران في اتّجاه بيروت، وللمرّة الثانية بعد بطل رواية «شارع إبليس» (منشورات الدار العربية للعلوم بيروت) يلتجئ فيها بطل من أبطال رواياتي إلى مدينة بيروت !
- الرواية ليست وصفة طبّية أو مرهم لعلاج «الحكّة»... الرواية كما أفهمها هي توريط القارئ من خلال «تعب القراءة» ومن خلال «لذّة القراءة»، وجرّه إلى جملة من الأسئلة الوجودية أو التاريخية أو الاجتماعية.
الرواية التي تحمل أجوبة هي رواية أبوية فاشلة، ومهمّة الرواية، كما أفهمها، و كما أمارسها، هي عملية التشويش على إيمانات القارئ، كيف يُقلِق الروائي قارئه. على الرواية أن تدفع بالقارئ إلى «الحيرة» لا إلى «الاطمئنان».
• لماذا اخترتَ الصين والجزائر مسرحاً لروايتك «الملكة»، ولم تختَر بلاداً أخرى؟ وما دلالتها؟
- رواية «الملكة» نصّ كتبته في قراءة تاريخ العلاقة المستقبلية ما بين الجنوب (الجزائر ومن خلالها العالم العربي) والشرق الأقصى (الصين). الصين هي رهان القرنين القادمين على المستوى الاقتصادي والثقافي والفكري.
الصين تصنع ذوقَنا الذي سنكون عليه غداً، وتصنع رؤساءَنا (في الرواية البطلة سمورا التي هي أمازيغية جزائرية تظهر في نهاية الرواية حاملاً مِن عشيقها الصيني، وهما يحلمان بأنّ رئيس الجزائر في نهاية القرن الحالي سيكون من أصل صيني جزائري)، الصين هي التي ستصنع السلامَ أو الحرب، الصين تدخل اليوم بيوتَنا من خلال كلّ شيء مِن ممحاة تلميذ المدرسة إلى مقلاة الطبخ إلى سيارة نَركبها أو جهاز إلكتروني نتواصَل به، ميزان المبادلات التجارية والاقتصادية ما بين الصين وإفريقيا قد تجاوَز الأربعمائة مليار دولار سنويّاً، وتلك ليست أكثر من البداية.
لقد بدأت تتشَكّل في الجزائر أحياء سَكنية صينية، نسَمّيها الأحياء الصينية، وبدأت علاقات القلب (العاطفة) ما بين الصيني والجزائرية، وما بين الصينية والجزائري تتأسّس، وهذه هي مهمّة الروائي بماذا يتنبّأ لهذه العلاقة، وتلك هي أسئلة رواية «الملكة»، إنّه عالم يبدأ، وعلى الروائي أن يستشرف هذا العالم.
• في روايتك «الملكة» تقول في إحدى الجمل:» إنّكم كالجرذان التي تهجم على المدن في موسم الطاعون»، فهل المقصود بالجرذان الاحتلال الفرنسي الذي شهدَته الجزائر وكان حاضراً في عهد الطاعون؟
- هناك فارقٌ ما بين التواجد الفرنسي الاستعماري في الجزائر، الذي هو ضدّ التاريخ وضدّ الإنسانية وضدّ الحرّية، والتواجد الصيني المؤسّس على التنافس وعلى التبادل وعلى العلاقات الثقافية.
في رواية «الملكة» أردتُ أن أكتب «تاريخ تشكّل الرأسمال العاطفي» ما بين الجزائر (المرأة البطلة) والبطل الصيني، هي رواية «القلب» الذي من خلاله نكتشف التاريخ والاجتماع والجسَد. مهمّة الرواية في رأيي، وهو ما حاولتُ كتابتَه في «الملكة»، هي كتابة تاريخ العاطفة، أمّا التاريخ الآخر فهو مهمّة علماء الاقتصاد والمؤرّخين، ولكن حين تكون الرواية نبَوية، أي فيها نبوءة، فإنّها تكون أعمق من الخطاب العالم للمؤرّخ أو الاقتصادي، لأنّها تفَتفِت تفاصيل الروح ونار الجسد، والتاريخ لا تصنعه سوى الروح والجسَد بكلّ ما فيهما من شبَقية وجنون وفردانية.
• رواياتك تُظهِر عدمَ تصالح الجزائري مع نفسِه ومع الآخرين. هل هذا نقدٌ لِما يدور حقّاً في بلادك، أم هو طبعُ العربي بشكل عام حسب اعتقادِك؟
- نحن في العالم العربي والإسلامي نعيش انفصاماً ثقافيّاً وسيكولوجياً، نحن غرباء عن التاريخ، خارج القرن.
في رواية «الملكة»، حاولتُ أن أسلّط الضوء على الشخصية الجزائرية (ومن خلالها العربية والإسلامية) التي تتميّز أوّلاً بالانتفاخ الماضوي والكسَل، ولعلّ صورة الصيني بكلّ ما يَحمله من رموز التحدّي والعمل والكسب، هو نقيض الشخصية العربية الكسولة والاعتمادية. الشخصية العربية كما في رواية «الملكة» شخصية قدرية، لا تحترم فلسفة العمل ولا تحترم «الوقت» ولا «الآخر» المختلف.
لم يخرج العربي بعد من بداوته، فعقلية «القبيلة» والعشيرة» هي مركز كلّ منطلقاته الفكريّة وممارساته الاجتماعية، ويتجلّى ذلك بشكل واضح في موقفه من «المرأة». أقول هذا وأنا أعيش داخل هذا المجتمع لا أحكم عليه من الخارج، أنا لست مستشرقاً، أنا ابن أعماق الجزائر، ووريث التراث العربي المتنوّر الذي يهاجَم ويصفَّى ويُغتال يوميّاً.
• قلت يوماً: «لا أريد قارئًا مطمئنًا للحياة بل أريده مشوّشًا دائمَ الحيرة والأسئلة». لماذا هذه اللاطمأنينة في كتابتك؟ هل هو فنّ بحدّ ذاته؟
- لا أريد قارئاً مؤمناً بما حوله، مؤمناً بنفسه، يجب محاربة «القدرية» في عقلية وسلوكات القارئ العربي بممارسة «الإزعاج الإيجابي» La provocation non-gratuite ، يجب ألّا تُقرَأ الرواية كما يُقرأ النصّ الديني.
للأسف، لا تزال القراءة الأدبية في الفضاء الثقافي العربي مختلطة ومتداخلة مع «القراءة الدينية»، وأنا أدعو إلى تحرير القارئ من «الإيمان الديني» الساذج وأيضاً من «الكسل الفكري» و من «الاحتفال بوَرَم الماضي» الذي تقدّمه له بعض روايات «الساندويش» القائمة على الانتفاخات اللغوية والإنشاءات الغرامية.
ما أكتب يقوم على فلسفة روائية، أنا لا أكتب رواية بل أحاول أن أكون صاحب مشروع روائي، فمنذ روايتي الأولى «صهيل الجسد» التي نشرتُها عام 1985، وقد مُنِعَت في العالم العربي وسُجن الناشر السوري على إثر نشرها و شُمِّعت دار النشر، منذ ذلك التاريخ وأنا أحفر في هذا المشروع، تارةً برواية أكتبها باللغة العربية وتارةً أخرى برواية أكتبها باللغة الفرنسية.
فلسفتي في الرواية تقوم على ما يلي: الرواية التي تكتب ما يعرفه القارئ هي رواية تولَد ميتة، الرواية التي تكتب ما يستطيع القارئ قوله هي رواية تولد ميتة. الرواية، كما أفهمها، هي النصّ الذي يجرؤ على قول ما لا يستطيع القارئ قوله، وهي أيضاً النصّ الذي يكتب ما لا يعرفه القارئ (الإدهاش والاكتشاف).
• الكتابة عندك باللغتين الفرنسية والعربية، هل هي تعبير نفسيّ لواحةٍ مِن الأفكار المترجمة، أم أنّها تنبَع من نفس اللغة التي تفكّر فيها، وأيّ من اللغتين تفَضّل للكتابة؟
- أنا روائيّ أكتب باللغتين الفرنسية والعربية، وأنا الوحيد من جيلي، جيل الاستقلال، الذي يمارس الكتابة إبداعيّاً روائيّاً من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين بشكل متناغم، وما أطرحه من مشكلات وأسئلة فلسفية وتراثية وسيكولوجية وسياسية في رواياتي بالفرنسية أطرحها بالعربية.
صحيح أنّ النصوص مختلفة، أي ليست ترجمة مطلقة، ولم أحاول يوماً ترجمة أعمالي من لغة إلى أخرى، بل كلّ نصّ قائم بذاته، ولكنّني أمين ووفيّ للقارئ، حيث إنّني لا أخون قارئي بالعربية كما بالفرنسية، فما يشغلني من هموم أكتبها في هذه اللغة أو في تلك.
كلّ اللغات جميلات، وفي كلّ اللغات حرّيات، ولكنّ الكاتب هو الذي يَرهن نفسَه للعبودية أو للبَيع والشراء، جَرّاء موازين سياسية تَحكم مؤسّسات تَشتغل بهذه اللغة أو تلك. أشعر بأنّ اللغة العربية يلتهمها الدين والدينيّون يوماً بعد يوم، لغة، للأسف، تمشي نحو اللاهوت في ظلّ ما يَجري من مصادرة سياسية وأيديولوجية لهذه اللغة التي كانت لغة لائكية، تنتمي إلى عصر ما قبل الإسلام نفسه.
• بما أنّ زوجتك ربيعة جلطي شاعرة، هل يَخلق هذا جوّاً من التوتّر بسبب الاختلافات التي تصطخب في فكر كلّ مبدِع عن الآخر، أم أنّ التناقض الفكريّ في الأدب لا يمنع من التقارب الشخصي برأيك؟
- نحن أسرة أدب وفنّ، ربيعة شاعرة وروائية، حقّقَت حضوراً عربيّاً متميّزاً، من خلال نصوصها الروائية والشعرية الجريئة، وابنتُنا لينا دوران مغنّية وموسيقية، وأصبحَت الآن إسماً أساسيّاً بين الأصوات الغنائية في أوروبا والجزائر، فنحن كالأسماك لا يمكننا العيش خارج ماء الفنّ الزلال، نتناقش، نختلف، نتّفق، يقرأ الواحد منّا للآخر، كلّ ذلك في جوّ من الديمقراطية والاحترام والفردانية. لكلّ منّا طقوسُه في الكتابة والقراءة والإبداع، وكلّ منّا يَحترم طقوس الآخر.
ولكنّ الحياة لها أيضاً طعمٌ آخَر غير الكتابة والقراءة، الحياة هي وهجٌ وانطلاقٌ في اليومي، فنحن نعيش حياتنا أيضاً في الأسفار والأحلام والأطفال والأصدقاء والعائلة الكبيرة، لأنّ الكتابة في نهاية المطاف لا تتجدّد مفاصلُها بمعزِل عن الحياة اليومية في سعادتها، وأيضاً في قساوتها.
• ماذا تعني لك بيروت؟ وهل توقِد في روحك شعلة التعبير ببحرها وشطآنها وحضارتها الفينيقية؟
- حين أفكّر في بيروت التي زرتُها مراراً ولي فيها أصدقاءُ كثُر من المثقّفين والكتّاب والصحافيين والجامعيين، حين أفكّر فيها أتذكّر وهران، فهما مدينتان متشابهتان بكورنيشَيهما، وبانفتاحهما على الغريب، لا غريبَ في وهران كما لا غريبَ في بيروت، والمثير، ومِن باب الصُدفة أو لست أدري، هو أنّ بطل روايتي الجديدة «قبل الحبّ بقليل»، التي ستَصدر هذه الأيام عن منشورات ضفاف بيروت ومنشورات الاختلاف بالجزائر، الذي اسمُه هابيل، يلتجئ إلى بيروت في آخر الرواية، يغادر وهران في اتّجاه بيروت، وللمرّة الثانية بعد بطل رواية «شارع إبليس» (منشورات الدار العربية للعلوم بيروت) يلتجئ فيها بطل من أبطال رواياتي إلى مدينة بيروت !
الأكثر قراءة
الأكثر قراءة
07:20
المرحلة الثانية: وفق أي قرار؟
1
07:07
مشروع قانون الإنتظام المالي واسترداد الودائع: ملاحظات أولية
2
07:14
من أوكرانيا... فنزويلا... إلى الشرق الأوسط: لبنان يأكل العصي ويعدّها!
3
Dec 21
غراهام يتهم "حماس" و"حزب الله" بمحاولة إعادة تسليح نفسيهما
4
21:13
خلاصة "الجمهورية": اتهامات لـ"حزب الله" و"حماس".. وإسرائيل تستعد!
5
Dec 21
مسؤول أمني إسرائيلي: الحساب مع "حزب الله" لا يزال مفتوحاً
6
06:41
مانشيت "الجمهورية": السلاح من جنوب النهر إلى ما بين النهرين... والحكومة أمام امتحان الفجوة والانتظام المالي
7
Dec 21
تفكيك جهاز تجسس إسرائيلي في يارون - بنت جبيل
8