"كفٌّ" أو "فنجان"... حين يلوذ السياسيون بالعرافات!
"كفٌّ" أو "فنجان"... حين يلوذ السياسيون بالعرافات!
اخبار مباشرة
ناتالي اقليموس


"بختك مبخوت وحماتك بتموت... قول إنشالله!"، "غيمة سودا بتجي وبتروح"، "المقعد الأول حليفك، وثروة جديدة من نصيبك...". تتنوع العبارات التي تدغدغ مسامع السياسيين وسرعان ما ترتسم الابتسامة على محياهم ما إن يتذكرون ما قالته لهم البصارة في آخر مرة حاولوا فيها قراءة مستقبلهم.
ممّا حذّرت العرافة إيلي ماروني؟ ولماذا استمع إليها زياد أسود على رغم نفوره منها؟ وهل للغاية عينها يفضّل أنطوان سعد وغيره من السياسيين قراءة الكف عن الفنجان؟ ماذا وراء ملاذ السياسيين بالعرافات؟
"نلجأ إلى هذه الأساليب للترفيه وتمضية الوقت في جلساتنا الخاصة، ومن باب الفضول ورفع المعنويات....". لهذه الأسباب قد لا يفوّت النائب إيلي ماروني أيّ فرصة سانحة لاستشراف المستقبل. لذا يعترف بأنّ تجاربه مع العرافات "غريبة" تشيب شعر الرأس. وبنبرة تنضح حماسة يروي ماروني أولى تجاربه قبل دخوله معترك السياسة: "كنت جالساً في أحد مقاهي البردوني وإذ بعرافة تستأذنني لقراءة كفي، فما إن مددت لها يدي حتى أطلقت العنان للسانها".
يتوقف ماروني محاولاً استرجاع الأيّام ما قبل العام 2005، قائلا: "بالحرف الواحد حذرتني العرافة أنّ غيمة سوداء ستظلّل منزلنا، وسأخسر في الانتخابات النيابية، بيد أنّها أشارت إلى أنّ في انتظاري ما هو أجمل من النيابة. المؤسف المبكي أنّها أصابت في كلامها، استشهد شقيقي، خسرت النيابة، ولكن في ما بعد توليت حقيبة وزارية".
في هذا السياق، يؤّكد ماروني أنّه لا يؤمن بأساليب قراءة الغيب، ولكن "ما تكرّر معي استوقفني، وجعلني أفكر مليّاً في ما إذا كانت صدفة فعلاً؟ والمحيّر أنني لم أكن أعلم تلك السيدة وما التقيت بها قطّ".
أما عن الغاية التي تدفع السياسي إلى اللجوء إلى البصارة، يجيب ماروني: "يخضع السياسي إلى امتحان يومي، لذا يتمسّك بأي شيء قد يحمل له بصيص أمل وطاقة فرج بصرف النظر عن الوسيلة ومدى مصداقيتها".
لا ينكر ماروني أنّ فنجان قهوة سياسي ما يجذب عدد من البصّارات ويثير فضولهن، فيقول: "كثيرات طلبن مني قراءة فنجاني، لكنّ المشكلة أحبّ القهوة "الخفيفة"، لذا غالباً ما يكون فنجاني أبيض ويحمل الأخبار السعيدة على الدوام، بيد أنّنا في الآونة الأخيرة لا نسمع إلّا الأخبار التعيسة"، ويتابع ممازحاً: "باتت تختلف السعادة والتعاسة بحسب كمية البنّ في الركوة".
أسمع... ولا أصدّق
رغم انّه ينفر من العرافات، لا ينكر النائب زياد أسود مدى استمتاعه لسماع ثرثراتهن، فيقول: "شخصيّا لا ألجأ إلى البصارة ولا أحاول استباق المستقبل، لكن بعضهن يبادر إلى طلب قراءة فنجاني، لذا قد أجد نفسي ملزماً بالاستماع ولكن في قرارة نفسي لا أصدّق ما يقال لي".
يلفت أسود إلى أنّ قراءة الغيب تسحر عدداً من السياسيين الذين يبحثون عمّا يحفّزهم، فيقول: "بعضهم يتحمّس لقراءة كفّه أو فنجانه، كونه يبحث عن وسائل خارجية تزيد من ثقته بنفسه، إلّا أنّ هذه الوسيلة تنضح خفّة وغرابة". ويتابع متأسّفاً: "في الوقت عينه نرى كيف أنّ فئة كبيرة من المواطنين تهرول خلف العرّافات والمنجمين وكأنّها فقدت ثقتها بقيادتها وتبحث عمّا يرطّب قلقلها ويثلج صدرها، ولكن لا أحد يكشف المستقبل سوى الله!".
الكفّ أفضل من الفنجان
"قصص الفنجان لم آخذها يوماً على محمل الجد"، سرعان ما يحسم النائب انطوان سعد موقفه من قراءة الفنجان، مُبدياً استغرابه في الوقت عينه ممّا يمكن أن يكشفه كف اليد، فيقول: "خلال حياتي العسكرية تعرّفت إلى احد الضباط (أ.ح) سبق له أن أجرى دراسة في الخارج عن فراسة الوجه والكف، وكان في كلّ مرة مصيباً في معلوماته، فمن الأمور التي أذكرها أنّه قرأ لزميل لنا أنّ سفرته لن تمضي على خير، "في كفك لا أرى أيّ سفرة"، وما إن بزغ فجر اليوم التالي حتى تبلّغنا خبر لغم انفجر فيه نقل على إثره إلى المستشفى". وعمّا يتذكره على المستوى الشخصي، يقول: "أكّد لي ذاك الضابط أنّ مستقبلاً واعداً في انتظاري، ولن أتردّد في دخول معترك السياسة".
في هذا الإطار، لا ينكر سعد أنّ عدداً من السياسيين يُدوزن معاركه الانتخابية على وقع تنبّؤات المنجمين والعرافين لشدة تأثرهم بهذه الوسائل.
أقرب إلى التمنيات من الحقائق
لا يزال النائب طوني أبو خاطر يذكر أيّام كان فتى في الثامنة من عمره، حين كانت تمرّ العرافات بالسهول الزراعية في البقاع، وتكشف المستقبل مقابل حفنة قروش. فيخبر مبتسماً: "لطالما شغل مستقبل الحياة العاطفية بال الصبايا اللواتي كُنّ يتجمّعن لسماع بختهن ونصيبهن. فغالباً ما تردّد سؤال: في أيّ عمر سأتزوج؟" موجة حنين غمرت "أبو خاطر" وهو يتذكر أعوام الستينيات، فيقول: "آه "طبّيت" عدداً لا يحصى من الفناجين، وما سمعته أقرب إلى التمنيات أكثر من الحقائق، في كل الحالات لا أترك لما أسمعه أيّ مكانة في قلبي أو فكري".
في هذا الإطار، ينتقد أبو خاطر لجوء السياسيين إلى قراءة الكف والفنجان على حد سواء، فيقول: "عموما يعرف الإنسان انّه يحصد ما يزرعه، ولكنّ بعضهم قد لا يزرع، ويتعامل مع السياسة مثل هواية كمَن يشتري ورقة يانصيب، لذا يخاف من المجهول ويسارع إلى وسائل تخوّله كشف مستقبله، والتحصّن في وجه الخيبات".
علم النفس
من جهتها، لا تميّز المعالجة النفسية جويل خوري صوما بين هرولة السياسيين إلى العرافات وأي مواطن آخر، فتقول: "تكمن المسألة في المستوى النفسي الذي يكوّنه المرء طوال حياته، فالخيبات التي عاشها أو الانتصارات التي حقّقها تؤدّي دوراً بارزاً في هذا المضمار".
وتتابع موضحة: "عموماً مَن يلجأ إلى استباق المستقبل بشتى الوسائل المتاحة له، هو في طبعه قلق، عاجز عن مواجهة المستقبل وما يمكن أن يخفيه، وذلك نتيجة معاناة محدّدة، سلسلة من الخيبات المتتالية، أو حتى لشدّة توقه إلى بلوغ هدف يراه بعيد المنال، لذا قد يسترشد بعض السياسيين عند العرافات، المنجمات، البصارات... وكل ما له علاقة في هذا المضمار".
وتضيف: "فالمسألة غير مرتبطة قطّ بوضعهم المادي أو منصبهم الراهن، إنّما بحالهم النفسية والعوامل المتحكمة بها، التي تختلف من سياسي إلى آخر، منها تقديره لذاته، ثقة الجمهور به، حبه لعمله... وغيرها".
في هذا الإطار، تلفت جويل إلى تأثير ما تعيشه المنطقة في زيادة الإقبال على العرافات: "في ظل التطورات الأمنية التي نعيشها، لا شكّ أنّ مَن عانى ويلات الحرب في شبابه يخشى تكرارها مع أولاده، فيتهافت إلى قراءة كفّه وكشف مستقبله، من دون درايته بأن ذلك يزيد من توتره، تشوّش أفكاره، والحد من تركيزه".
وتحذّر جويل من مغبّة الاستماع إلى العرافات، قائلة: "في البداية قد تنجح هذه المرأة في تسكين العاصفة في نفوس مَن يلجأ إليها، وتحرّره من توهماته وهلوساته، لذا لوهلة قد يعتقد هذا الأخير بأنّ أموره الحياتية، المعيشية أفضل ممّا كانت عليه، خصوصاً بعدما سمع كمّاً هائلاً من الوعود والانتصارات. لكن سرعان ما تنكشف الأمور على حقيقتها، فيجد المرء نفسه "على الأرض يا حكم"، يعيش في دوامة من الفراغ، بعدما تلاشت في نظره الوعود وانتظر عن عبث أن تتدفّق الخيرات".
وتذهب جويل أبعد من ذلك محذّرة من الذين يضعون حدّاً لعلاقتهم الزوجية نتيجة وسواس زرعته في عقله البصارة، فتقول: "قد لا يتردّد أحدهم في ترك زوجته لسماعه أنّها لن تنجب له الأولاد أو لأنّها تضمر له السوء. وفي الوقت عينه قد تتأخر الفتاة في الارتباط لانتظارها فارس الأحلام والرجل الغني الذي وعدتها به البصارة".
سرّ المهنة...
10ألاف ليرة، 20 ألف وحتى قد تتخطّى قراءة الكف أو الفنجان 100 دولار، فعلى حد تعبير إحدى العرافات: "بيشلح السياسيون المال وبيمشو"، وعن سرّ النجاح، تؤكّد: "بلا شك التكتم عن الأسماء".
من جهتها تعتبر "أم جورج" أو قارئة الفنجان، اللقب الأحبّ إلى قلبها، بأنّ التبصير وكشف الغيب تحوّل إلى مهنة يمكن العيش منها في لبنان، "بعدما كانت مجرد هواية أصبحت بالنسبة إليّ مهنة في ظل الرواج الذي تلقاه بين المواطنين والسياسيين على مشارف كل استحقاق".
هي لا تتأمل تفاصيل وجوه زبائنها إنّما تنظر إلى نفَسهم المسكوب في الفنجان، هذا ما أكّدته "أم جورج" بعدما تنقلت في أكثر من 30 مطعما لبنانيا، وفي المعارض وفي بعض المحطات التلفزيونية"، لا سيّما أن الفنجان "بيكشف عن حالو"، شرط أن يشرب صاحبه القهوة مرّة.
هذا ما أخبرته العرافات
في المقابل، تفضل العرافة ناديا بارود قراءة الكف وكشف الغيب من خلال الورق "الذي يظهر الخير من الشر لصاحبه"، على حدّ تعبيرها، خصوصاً انّه يعتمد على عملية حسابية بسيطة، غير معقدة. وعن السياسيين الذين كشفت لهم مستقبلهم، تخبر: "ليس من مصلحتنا كشف الأسماء، وأكتفي بسرد هذه الحادثة الفريدة. في إحدى المناسبات، سألني مرافق لرئيس الجمهورية السابق اميل لحود، عن مستقبل ولايته، فكشفت له من خلال الورق أنّ الرئيس باق في ولايته حتى اليوم الأخير ولن يستقيل، وما قلته قد صدق".
أما العرّافة جينان سعد التي تسنّى لها قراءة كفّ الرئيس فؤاد السنيورة خلال مشاركتها في إحدى معارض بيروت، وكذلك كفّ الرئيس سعد الحريري قبل دخوله معترك السياسة، تقول: "يصعب على السياسيين الاعتراف بأنّ كشف المستقبل يعنيهم، ولكنّ الحماسة التي يبدونها، والابتسامة التي تشغل محياهم تفضح رغباتهم، وعلى رغم تمسكهم بعبارة، "كذب المنجمون ولو صدقوا"...لا يوفرون وسيلة تمكنهم من "البصبصة" على الغد".
تنوّعت آراء السياسيين المحبّذة للتبصير والرافضة له، إلّا انّهم اتفقوا في ما بينهم على أن في السياسة اللبنانية تعقيدات وزواريب مظلمة يصعب على أيّ عرافة كشفها.
"ياجيل ديديه"، "جين ديكسون"، "مدام لونورمان" وغيرهن من العرافات اللواتي اقترنت أسماؤهن بالرؤساء إلى حد وصفت العرافة "إليزابيث تيسية" بالمستشارة الروحية للرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا ميتران.
ويبقى السؤال أيّ مستقبل يعتمد فيه قادته على العرافات والتخمينات؟ هل باتت تبنى الدولة بـ"ضربة على الحافر وضربة على المسمار"؟
يتوقف ماروني محاولاً استرجاع الأيّام ما قبل العام 2005، قائلا: "بالحرف الواحد حذرتني العرافة أنّ غيمة سوداء ستظلّل منزلنا، وسأخسر في الانتخابات النيابية، بيد أنّها أشارت إلى أنّ في انتظاري ما هو أجمل من النيابة. المؤسف المبكي أنّها أصابت في كلامها، استشهد شقيقي، خسرت النيابة، ولكن في ما بعد توليت حقيبة وزارية".
في هذا السياق، يؤّكد ماروني أنّه لا يؤمن بأساليب قراءة الغيب، ولكن "ما تكرّر معي استوقفني، وجعلني أفكر مليّاً في ما إذا كانت صدفة فعلاً؟ والمحيّر أنني لم أكن أعلم تلك السيدة وما التقيت بها قطّ".
أما عن الغاية التي تدفع السياسي إلى اللجوء إلى البصارة، يجيب ماروني: "يخضع السياسي إلى امتحان يومي، لذا يتمسّك بأي شيء قد يحمل له بصيص أمل وطاقة فرج بصرف النظر عن الوسيلة ومدى مصداقيتها".
لا ينكر ماروني أنّ فنجان قهوة سياسي ما يجذب عدد من البصّارات ويثير فضولهن، فيقول: "كثيرات طلبن مني قراءة فنجاني، لكنّ المشكلة أحبّ القهوة "الخفيفة"، لذا غالباً ما يكون فنجاني أبيض ويحمل الأخبار السعيدة على الدوام، بيد أنّنا في الآونة الأخيرة لا نسمع إلّا الأخبار التعيسة"، ويتابع ممازحاً: "باتت تختلف السعادة والتعاسة بحسب كمية البنّ في الركوة".
أسمع... ولا أصدّق
رغم انّه ينفر من العرافات، لا ينكر النائب زياد أسود مدى استمتاعه لسماع ثرثراتهن، فيقول: "شخصيّا لا ألجأ إلى البصارة ولا أحاول استباق المستقبل، لكن بعضهن يبادر إلى طلب قراءة فنجاني، لذا قد أجد نفسي ملزماً بالاستماع ولكن في قرارة نفسي لا أصدّق ما يقال لي".
يلفت أسود إلى أنّ قراءة الغيب تسحر عدداً من السياسيين الذين يبحثون عمّا يحفّزهم، فيقول: "بعضهم يتحمّس لقراءة كفّه أو فنجانه، كونه يبحث عن وسائل خارجية تزيد من ثقته بنفسه، إلّا أنّ هذه الوسيلة تنضح خفّة وغرابة". ويتابع متأسّفاً: "في الوقت عينه نرى كيف أنّ فئة كبيرة من المواطنين تهرول خلف العرّافات والمنجمين وكأنّها فقدت ثقتها بقيادتها وتبحث عمّا يرطّب قلقلها ويثلج صدرها، ولكن لا أحد يكشف المستقبل سوى الله!".
الكفّ أفضل من الفنجان
"قصص الفنجان لم آخذها يوماً على محمل الجد"، سرعان ما يحسم النائب انطوان سعد موقفه من قراءة الفنجان، مُبدياً استغرابه في الوقت عينه ممّا يمكن أن يكشفه كف اليد، فيقول: "خلال حياتي العسكرية تعرّفت إلى احد الضباط (أ.ح) سبق له أن أجرى دراسة في الخارج عن فراسة الوجه والكف، وكان في كلّ مرة مصيباً في معلوماته، فمن الأمور التي أذكرها أنّه قرأ لزميل لنا أنّ سفرته لن تمضي على خير، "في كفك لا أرى أيّ سفرة"، وما إن بزغ فجر اليوم التالي حتى تبلّغنا خبر لغم انفجر فيه نقل على إثره إلى المستشفى". وعمّا يتذكره على المستوى الشخصي، يقول: "أكّد لي ذاك الضابط أنّ مستقبلاً واعداً في انتظاري، ولن أتردّد في دخول معترك السياسة".
في هذا الإطار، لا ينكر سعد أنّ عدداً من السياسيين يُدوزن معاركه الانتخابية على وقع تنبّؤات المنجمين والعرافين لشدة تأثرهم بهذه الوسائل.
أقرب إلى التمنيات من الحقائق
لا يزال النائب طوني أبو خاطر يذكر أيّام كان فتى في الثامنة من عمره، حين كانت تمرّ العرافات بالسهول الزراعية في البقاع، وتكشف المستقبل مقابل حفنة قروش. فيخبر مبتسماً: "لطالما شغل مستقبل الحياة العاطفية بال الصبايا اللواتي كُنّ يتجمّعن لسماع بختهن ونصيبهن. فغالباً ما تردّد سؤال: في أيّ عمر سأتزوج؟" موجة حنين غمرت "أبو خاطر" وهو يتذكر أعوام الستينيات، فيقول: "آه "طبّيت" عدداً لا يحصى من الفناجين، وما سمعته أقرب إلى التمنيات أكثر من الحقائق، في كل الحالات لا أترك لما أسمعه أيّ مكانة في قلبي أو فكري".
في هذا الإطار، ينتقد أبو خاطر لجوء السياسيين إلى قراءة الكف والفنجان على حد سواء، فيقول: "عموما يعرف الإنسان انّه يحصد ما يزرعه، ولكنّ بعضهم قد لا يزرع، ويتعامل مع السياسة مثل هواية كمَن يشتري ورقة يانصيب، لذا يخاف من المجهول ويسارع إلى وسائل تخوّله كشف مستقبله، والتحصّن في وجه الخيبات".
علم النفس
من جهتها، لا تميّز المعالجة النفسية جويل خوري صوما بين هرولة السياسيين إلى العرافات وأي مواطن آخر، فتقول: "تكمن المسألة في المستوى النفسي الذي يكوّنه المرء طوال حياته، فالخيبات التي عاشها أو الانتصارات التي حقّقها تؤدّي دوراً بارزاً في هذا المضمار".
وتتابع موضحة: "عموماً مَن يلجأ إلى استباق المستقبل بشتى الوسائل المتاحة له، هو في طبعه قلق، عاجز عن مواجهة المستقبل وما يمكن أن يخفيه، وذلك نتيجة معاناة محدّدة، سلسلة من الخيبات المتتالية، أو حتى لشدّة توقه إلى بلوغ هدف يراه بعيد المنال، لذا قد يسترشد بعض السياسيين عند العرافات، المنجمات، البصارات... وكل ما له علاقة في هذا المضمار".
وتضيف: "فالمسألة غير مرتبطة قطّ بوضعهم المادي أو منصبهم الراهن، إنّما بحالهم النفسية والعوامل المتحكمة بها، التي تختلف من سياسي إلى آخر، منها تقديره لذاته، ثقة الجمهور به، حبه لعمله... وغيرها".
في هذا الإطار، تلفت جويل إلى تأثير ما تعيشه المنطقة في زيادة الإقبال على العرافات: "في ظل التطورات الأمنية التي نعيشها، لا شكّ أنّ مَن عانى ويلات الحرب في شبابه يخشى تكرارها مع أولاده، فيتهافت إلى قراءة كفّه وكشف مستقبله، من دون درايته بأن ذلك يزيد من توتره، تشوّش أفكاره، والحد من تركيزه".
وتحذّر جويل من مغبّة الاستماع إلى العرافات، قائلة: "في البداية قد تنجح هذه المرأة في تسكين العاصفة في نفوس مَن يلجأ إليها، وتحرّره من توهماته وهلوساته، لذا لوهلة قد يعتقد هذا الأخير بأنّ أموره الحياتية، المعيشية أفضل ممّا كانت عليه، خصوصاً بعدما سمع كمّاً هائلاً من الوعود والانتصارات. لكن سرعان ما تنكشف الأمور على حقيقتها، فيجد المرء نفسه "على الأرض يا حكم"، يعيش في دوامة من الفراغ، بعدما تلاشت في نظره الوعود وانتظر عن عبث أن تتدفّق الخيرات".
وتذهب جويل أبعد من ذلك محذّرة من الذين يضعون حدّاً لعلاقتهم الزوجية نتيجة وسواس زرعته في عقله البصارة، فتقول: "قد لا يتردّد أحدهم في ترك زوجته لسماعه أنّها لن تنجب له الأولاد أو لأنّها تضمر له السوء. وفي الوقت عينه قد تتأخر الفتاة في الارتباط لانتظارها فارس الأحلام والرجل الغني الذي وعدتها به البصارة".
سرّ المهنة...
10ألاف ليرة، 20 ألف وحتى قد تتخطّى قراءة الكف أو الفنجان 100 دولار، فعلى حد تعبير إحدى العرافات: "بيشلح السياسيون المال وبيمشو"، وعن سرّ النجاح، تؤكّد: "بلا شك التكتم عن الأسماء".
من جهتها تعتبر "أم جورج" أو قارئة الفنجان، اللقب الأحبّ إلى قلبها، بأنّ التبصير وكشف الغيب تحوّل إلى مهنة يمكن العيش منها في لبنان، "بعدما كانت مجرد هواية أصبحت بالنسبة إليّ مهنة في ظل الرواج الذي تلقاه بين المواطنين والسياسيين على مشارف كل استحقاق".
هي لا تتأمل تفاصيل وجوه زبائنها إنّما تنظر إلى نفَسهم المسكوب في الفنجان، هذا ما أكّدته "أم جورج" بعدما تنقلت في أكثر من 30 مطعما لبنانيا، وفي المعارض وفي بعض المحطات التلفزيونية"، لا سيّما أن الفنجان "بيكشف عن حالو"، شرط أن يشرب صاحبه القهوة مرّة.
هذا ما أخبرته العرافات
في المقابل، تفضل العرافة ناديا بارود قراءة الكف وكشف الغيب من خلال الورق "الذي يظهر الخير من الشر لصاحبه"، على حدّ تعبيرها، خصوصاً انّه يعتمد على عملية حسابية بسيطة، غير معقدة. وعن السياسيين الذين كشفت لهم مستقبلهم، تخبر: "ليس من مصلحتنا كشف الأسماء، وأكتفي بسرد هذه الحادثة الفريدة. في إحدى المناسبات، سألني مرافق لرئيس الجمهورية السابق اميل لحود، عن مستقبل ولايته، فكشفت له من خلال الورق أنّ الرئيس باق في ولايته حتى اليوم الأخير ولن يستقيل، وما قلته قد صدق".
أما العرّافة جينان سعد التي تسنّى لها قراءة كفّ الرئيس فؤاد السنيورة خلال مشاركتها في إحدى معارض بيروت، وكذلك كفّ الرئيس سعد الحريري قبل دخوله معترك السياسة، تقول: "يصعب على السياسيين الاعتراف بأنّ كشف المستقبل يعنيهم، ولكنّ الحماسة التي يبدونها، والابتسامة التي تشغل محياهم تفضح رغباتهم، وعلى رغم تمسكهم بعبارة، "كذب المنجمون ولو صدقوا"...لا يوفرون وسيلة تمكنهم من "البصبصة" على الغد".
تنوّعت آراء السياسيين المحبّذة للتبصير والرافضة له، إلّا انّهم اتفقوا في ما بينهم على أن في السياسة اللبنانية تعقيدات وزواريب مظلمة يصعب على أيّ عرافة كشفها.
"ياجيل ديديه"، "جين ديكسون"، "مدام لونورمان" وغيرهن من العرافات اللواتي اقترنت أسماؤهن بالرؤساء إلى حد وصفت العرافة "إليزابيث تيسية" بالمستشارة الروحية للرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا ميتران.
ويبقى السؤال أيّ مستقبل يعتمد فيه قادته على العرافات والتخمينات؟ هل باتت تبنى الدولة بـ"ضربة على الحافر وضربة على المسمار"؟
الأكثر قراءة
الأكثر قراءة
06:07
سوريا إلى الحرب الأهلية؟ وماذا عن لبنان؟

1
06:04
للاستثمار في زيارة ترامب: أورتاغوس تحيي شياطين التفاصيل!

2
May 21
هل تؤسس نتائج زحلة البلدية لتعاون مستقبلي بين «القوات» و«التيار»؟

3
May 21
السفير الفلسطيني في لبنان لـ"الجمهورية": هذا موقفنا من تسليم السلاح

4
05:46
مانشيت "الجمهورية": أجندة أورتاغوس: "حزب الله" والإصلاحات... عون وعباس: زمن السلاح خارج الدولة انتهى

5
May 19
مانشيت "الجمهورية": الكتائب تخسر في زحلة والمناصفة تفوز في بيروت... ترقبٌ لبنانيّ لترجمة نتائج اجتماعات الرياض

6
07:28
"حزب الله" أمام مسؤولية تقدير مصلحة لبنان واللبنانيِّين...

7
May 21
حلفاء إسرائيل يدينون توسّع هجومها العسكري على غزة

8
