«ديودونيه»... «الوحش النجس»
«ديودونيه»... «الوحش النجس»
اخبار مباشرة
ميريام سلامة
جريدة الجمهورية
Monday, 08-Jun-2015 00:01
لم يعرفه الجيل الجديد بصورة الكوميدي «ديودونيه»، بل بالرجل المثير للجدَل المعادي للساميّة، الذي لم يحظَ يوماً بتأييد الصحافة الفرنسية. بعد كلّ عرض، تصدر الصحف مهاجمةً الكوميدي الذي لا يقدّم إلّا الحقيقة المرّة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بطريقة هزلية. فليس غريباً أن يُهاجَم ويُمنَع من تقديم عروضه في عدّة مسارح، هو الذي لا يترك مناسبة إلّا ويتهجّم من خلالها على «الأنظمة»، ويستغلّ كلّ فرصة تُقدّم له للسخرية من رؤساء الجمهورية العالميين، ولكن تندرج سخرياته كلّها تحت سقف حرّية التعبير والدفاع عن حقوق الإنسان. سخريتُه وصلت إلى بيروت حيث قدّمَ عَرضَين من مسرحيته الكوميدية الجديدة «الوحش النجس».
«ديودونيه مبالا مبالا»، المعروف بـ«ديودونيه» أو «ديودو»، كوميدي جَدَلي من أصل كاميروني، بدأ مسيرتَه في التسعينيات مع إيلي سيمون، وسرعان ما حصَد لقبَ أحد أفضل الكوميديّين الفرنسيين وأهمّهم. وبمناسبة جولته العالمية لعرضِ مسرحيته الأخيرة «La bête immonde»، حلّ ضيفاً في بيروت لتقديم عرضَين على مسرح كازينو لبنان بدعوةٍ من شركة «أكيليا».

«سيداتي سادتي، الحقد!»، بهذه العبارة افتتح مسرح كازينو لبنان العرض الكوميدي «الوحش النجس» «La bête immonde» للكوميدي «ديودونيه» الذي ظهرَ عند فتح الستارة مُكبّلاً، يلبس البزّة البرتقالية التي يرتديها سجَناء غوانتانامو، ومكتوباً على صدره كلمة «quenelle»، وهي حركة جسَدية استخدمها «ديودونيه» للمرّة الأولى في عرضه «1905» عام 2005، والتي ترجمَها الإعلاميون والسياسيون بتحيّة نازيّة معكوسة وحركة معادية للساميّة.

ووفق الكوميدي الفرنسي، هذه الحركة معادية للأنظمة التي لم تعُد ديمقراطية، بل بات يقودها أشخاص غير جديرين بمناصبهم ويفتقرون للأخلاق. الديكور بسيط، لا شيء يشدّ الانتباه سوى نسخة طبق الأصل عن سلاح «Famas» الرشاش الذي يستخدمه الجيش الفرنسي، الموضوع على إحدى الطاولات.

لا يلبَث «ديودونيه» أن يبدأ الكلام حتى يعي المُشاهد أنّ هذا «الوحش النجس» هو نفسه الكوميدي، الذي لم ولن تهدأ عاصفة الكُره ضدّه، فهو على الرغم من منعِه تقديمَ عدد كبير من عروضه في فرنسا وفي دوَل أخرى، لم يستسلِم، بل ألّفَ عروضاً أقوى وتابعَ جولاته العالمية.

هو «المسيح الدجّال»، «الشرّ»، «تجسيد الأذى على الأرض»، ولكن «في عالمِنا اليوم، الشرّ ضروري، فمَن يقيس الخير والشر ومَن يحكم الأعمال الشريرة والصالحة»؟ سؤال طرحَه «ديودوينه» بسخرية، في بداية العرض، ردّاً على كلّ من اتّهَمه بالشرّ والحقد والكره.

«هم» و»نحن» هما الشخصان الرئيسان في العرض، وفي كلّ مشهد يختلف معناهما، فـ«هم» «النظام»، «اليهود» «الحكّام» وكلّ من ينتقده الكوميدي، و»نحن» الفقراء والمُستعبدون والخاضعون وعامّة الشعب. ولا ينسى «ديودونيه» ذكرَ الصحافيين المُتهجّمين على سخرياته الجارحة، في كلّ فرصة تتسنّى له. سخريات «جارحة» لأنّ الواقع مؤذٍ، هذا ما نفهمه من المشهد الأوّل للعرض: «يسألني الكوميديون الناشئون، «ديودو» كيف نُضحِك الفرنسيين والشعوب؟ فأجيبهم: قولوا لهم الحقيقة فقط».

هذا الكوميدي ذكي، حذِق، يعرف استمالة الجمهور بالطرق الحسّاسة التي تمسّ الكيان الإنساني، كأنّه بذلك يُحَضّر إلى ثورة إنسانية. فلا يمكن مُشاهدة العروض التي يعرض خلالها حقيقة الشعوب العالمية المهدورة حقوقها، من أصحاب البشرة الداكنة، إلى المُستعبَدين والفقراء وغيرهم، من دون الشعور داخلياً بحِسّ الانتفاضة على الزعامة الباطلة في العالم، والمال الملوّث بالدم.

لمدّة 75 دقيقة، يتكلّم «ديودونيه» عن نفسِه، عن الأخبار العالمية، اليهود والانحراف الجنسي، وتسليط الضوء في أحد المشاهد على كونشيتا ورست، النمساوية التي فازت بلقب مسابقة الغناء «Eurovision» لعام 2014. «لِمَ لَم يحصد قرد الجائزة؟» يتساءَل الكوميدي، لينتقل بعدها إلى عام 2050، حيث لم تعُد الحياة الجنسية بين الجنسَين «رائجة»، بل تخَطّتها إلى الجنس نفسِه وحتى إلى الحيوانات.

فيبدو واضحاً إذاً، أنّ «ديودونيه» يرفض زواجَ المثليين الذي بدأ العالم ينفتح عليه. وقد ظهر هنا، إبداع الكوميدي في تمثيل الشخصيات المُختلفة، مُنتقلاً من شخصية إلى أخرى باحتراف في تغيير الصوت والحركات الجسَدية.

لا ينتهي العرض بأفكار سلبية، بل يفتح «ديودونيه» آفاقاً إيجابية، تمسّ القيَم الحياتية، على رغم تعبيره عن رؤيته السياسية، فكونُه ناشطاً سياسياً ومُدافعاً عن حقوق الإنسان، يستحيل عليه إنهاء العرض من دون ذِكر السياسة. «لقد اختَرتُ إضحاكَكم مُستخدِماً المحور الأميركي – الصهيوني» وطموحه «تحرير فرنسا من الصهيونية». فيقول: «لم يعُد هناك في هذا العالم فسحةُ حرية إلّا هذه الخشبة التي أقفُ عليها، ومع ذلك يُحاولون سرقتَها منّي».

أتى «ديدونيه» إلى بيروت، مُفرِغاً ما في جعبته من «حِقد» على العالم والأنظمة السياسية الطاغية، على جمهورٍ ملَّ الفسادَ السياسي والمالي، فباتَ يضحك على قدَرِه ويبتسم للعدالة الضائعة، عَلّه بذلك ينسب بعض الإيجابية إلى واقعه المُحزن.
theme::common.loader_icon