«الحبّ الوهمي» بين الحقيقة والخيال... وراحة البال
«الحبّ الوهمي» بين الحقيقة والخيال... وراحة البال
اليسار حبيب
جريدة الجمهورية
Thursday, 21-May-2015 00:08
تغيّرت العقليات وتبدّلت وتطوّرت مع الزمن، وقد تخلّى كثيرون عن جزء من معتقداتهم وثوابتهم لصالح معتقدات جديدة وأفكار عصرية أكثر انفتاحاً وانسجاماً مع الموضة العالمية وما يرافقها من أفكار حديثة ومستجدّة. وقد رافق التطوّر والانفتاح تحرّرٌ كبير ولا سيّما في ما يتعلّق بطبيعة العلاقات الاجتماعية عموماً والعاطفية خصوصاً، فإلى أيّ مدى وصل التطوّر؟ وهل استبدل العلاقات الحسّية الملموسة بالوهميّة؟
ساهم التطوّر التكنولوجي في تسهيل حياة الانسان وتحريره من جزء كبير من معتقداته التي كانت «تكبّله» و»تقمعه» وتحول دون تحقيقه بعض رغباته. وقد لحق هذا التطوّر بالحياة الاجتماعية والعاطفية متيحاً للناس عموماً وللنساء خصوصاً فرصة التعارف وبناء الصداقات غير المحدودة وبوسائل مبتكَرة وحديثة بعيداً من القواعد المجتمعية السائدة.

وما بين مواقع التعارف وتطبيقات الدردشة والرسائل الفوريّة، تعدّدت وسائل التواصل ووُضعت بمتناول الجميع مسهّلةً على المرأة فرصة لقاء «فارس الاحلام» ولو خلف الشاشة الصغيرة. فهل يكون الحبّ الوهمي بديلاً عن الحبّ التقليدي؟ وما هو رأي علم النفس؟

مفهوم جديد

وجد الموقع النفسي الفرنسي Psychologie.fr أنّ «خلال السنوات الأخيرة، تراجعت وتيرة العلاقات الاجتماعية بشكل ملحوظ بسبب تسارع إيقاع الحياة الذي فرض تحدّياته على الناس ملزِماً إياهم اللحاق بالثقافة الفوريّة وواضعاً حدّاً لمساحات اللقاء المباشر بينهم وأوقات التسلية والترفيه».

وأوضح أنّه «في الوقت عينه، أدّى تطوّر الوسائل التكنولوجية إلى تعديل طبيعة اللقاءات الانسانية ملغياً مبدأ اللقاء المباشر أو face à face»، مشيراً إلى أننا «بتنا الآن متّصلين بأكثر من شخص أينما كنّا وبغضّ النظر عن المسافة الزمنية التي تفصلنا وذلك بفضل الهواتف الذكية والانترنت».

التغيّر طاول الحبّ

ولاحظ علماء النفس أنّ «تغيّر علاقتنا مع مفهوم الوقت وسهولة إجراء محادثة أو منعها من دون المساس بالصداقة والوديّة، طاول علاقاتنا العاطفية»، موضحين أنّ «هذا التطوّر الذي لحق بعالمنا العاطفي جاء ليضع حدّاً للعلاقات المباشرة وفرصة التعارف التدريجي لاكتشاف الآخر».

الحبّ الوهمي... للتعظيم

ولفت العلماء والقيّمون على الموقع إلى أنّ «الانسان يميل بطبيعته إلى تعظيم الآخر عندما يتعلّق الأمر بالعلاقات العاطفية والنظر إليها على أنّها مثالية»، موضحين أنّ «هذه المرحلة ضرورية في بداية الحبّ واللقاء الرومنسي، ولكنّ استمرارها الطويل قد يكبح تطوّر العلاقة، فتكون حجر عثرة يعوق استمراريتها وديمومتها».

وتابعوا: «أنّ في بداية العلاقة، مساحة العشاق ليست حقيقية كلّياً ولا وهميّة تماماً، بل تأتي وسط الحقيقة والخيال ووسط الاحلام والاوهام»، مؤكّدين أنّ «دخول العاشقين مرحلة الحقيقة والواقعية هو ما يحرّرهما من عمليّة الذوبان في بعضهما، فيكتشفان مصالحهما الشخصية ويرضيان حاجاتهما الخاصّة في ظلّ علاقة قائمة على التفاهم والدعم والحنان».

وفي المقابل، وجدوا أنّ «الحبّ الوهمي يعزز طبيعة العلاقة غير الواقعية والخيالية فلا يتخطى الشريكان مرحلة التعظيم والمثالية وهذا ما قد يستفيد منه أحدهما ليعدّل في صورته التي رسمها عن نفسه عبر حسابه الخاصّ على مواقع التواصل الاجتماعية».

أزمة الحبّ الوهمي

أقرّ علماء النفس أنّ «الأزمات العاطفية والخلافات التي تنجم بين الحبيبين ضرورية لاستمرار العلاقة وتجدّدها وضمان ديمومتها وتعكس أيضاً تطوّر الحبيبين على الصعيد الشخصي والثنائي أيضاً».

ولكنّ المشكلة في الحبّ الوهمي أنّ «هذا النوع من العلاقات هو رديف الراحة التامّة للعشاق خصوصاً أنّهم يختارون الشريك وفق معايير محدَّدة مسبَقاً، ويتحكّمون بتوقيت العلاقة»، على ما لاحظ الاختصاصيون في علم النفس، مشيرين إلى أنّه «ما إن يطفئ أحد الشريكين شاشة الكمبيوتر حتّى يعاود حياته الفردية ببساطة».

وبحسب علم النفس «في هذه الحال، يصعب على مَن يعيشان الحبّ الوهمي الدخول في مرحلة الأزمات والخلافات، إذ يسهل عليهما إيقاف المحادثة عوض تقديم التنازلات».

الخوف من الغياب

كما هو متعارف ومتّفَق عليه في لغة الحبّ، «فإنّ العلاقة العاطفية هي رديف الشعور بالأمان والتغلّب على الوحدة ونقيض الخوف من مواجهة مشكلات الحياة بمفردنا»، على ما أوضح علماء النفس مشدِّدين على أنّ «الحبّ الوهمي لا يلبّي هذه الحاجة عند الانسان، لا بل بالعكس قد يعزّز الشعور بالخوف والضياع والفراغ وهي من أهمّ المخاوف الانسانية».

ولكن في المقابل ثمّة إيجابيات للحبّ الوهمي «فهو يُعتبر الضمانة الحقيقية لكلّ مَن يعتقدون أنّ الحبّ يحدّ الحريّة ويشكل خطراً على الرفاهية. كذلك قد يكون الحبّ الوهمي الحلّ للأشخاص الذين يخشون من أن يتأثّروا بالحبيب أو يخشون من أن يتلاعب الحبيب بهم ويعرّضهم للأذى».

وختم العلماء مؤكّدين أنّ «الحبّ الوهمي قد يكون حلاً لبعض الحالات والأشخاص إلّا أنّه قد يعوق تطوّر علاقات أشخاص آخرين».

• إذاً، وكغيره من الأمور الحياتية، يحمل الحبّ الوهمي في طيّاته بعض الايجابيات التي لا تلغي سلبياته.
theme::common.loader_icon