مهرجان خطابي... برمزيّة زهرة «الأنموروك»
مهرجان خطابي... برمزيّة زهرة «الأنموروك»
باسكال بطرس
جريدة الجمهورية
Saturday, 25-Apr-2015 00:47
لأنّ الإبادة عجزت عن القضاء على ذاكرة شعبٍ نجا من شتّى أنواع المجازر والتهجير التي ارتُكبت بحقه، ولأنّ الأرمن لا يزالون، بعد مئة عام، «يتذكّرون ويطالبون»، توافدوا جميعهم أمس، في مسيرةٍ جماهيريّة حاشدة، من كاثوليكيّة الأرمن في أنطلياس، الى برج حمود حيث أقيم مهرجان خطابي حاشد. وشدّدت الكلمات على «عدم التراجع عن المطالبة باعتراف تركيا إلّا باسترداد الحق وتحقيق العدالة».
وكأنّ الذاكرة الأرمنية تتغذّى من صور الإبادة المخلّدة في أذهان الأجيال المتعاقبة، لتبقى حيّة بعد قرن على ما ارتكبه العثمانيّون في حقّهم، توافد الأرمن من مختلف المناطق اللّبنانيّة ليشاركوا في مسيرة انطلقت من كاثوليكيّة الأرمن في أنطلياس إلى ملعب برج حمّود، متسلّحين برمز زهرة الأنموروك التي صُمّمت للمناسبة.

رفعوا الأعلام الأرمينية ولافتات كُتب عليها: «نريد العدالة»، «لن ننسى أبداً الإبادة الأرمنية»، و»الإبادة الأرمنية... لن ننسى ولن نسامح»، ورفعوا الصوت عالياً، كباراً وصغاراً، فالقضية مستمرّة من جيل الى جيل.

«هذه الزهرة هي رمز مئوية الإبادة الأرمنية»، يقول هايك، موضحاً لـ «الجمهورية»، أنّها «تشكّل رمزاً لاستمرار الحياة لأنّها تعيش على مدار السّنة وتنبت في الثلج. ونحن شعبٌ لن ينسى ما ارتكبه السفّاح العثماني بنا، ولن نرتاح قبل إقراره بفعلته».

وهو ما يؤيّده فارتان، ابن الستّ سنوات، لافتاً إلى «أنّني أضع الزهرة لأتذكّر المليون ونصف شهيد»، فيما يؤكّد والده زافين «أنّني أربّي إبني على إدراك حجم المأساة التي تعرّضنا لها عام 1915، تماماً كما ربّاني والداي».

أعداد هائلة تجمّعت في ملعب البلدية، تحت لهيب أشعة الشمس الحارقة، مؤكدةً تصميمها وعزمها على الانتصار «في وجه دولة قامت على أشلاء شهدائها الأبطال». «صحيحٌ أنّ مئة سنة مرّت على المجازر»، يقول غي، «إلّا أنّ ما حصل، يبقى بالنسبة إلينا، كأنه حصل اليوم، فالشعب الذي ينسى حقّه، ليس بشعب».

في ظلّ هذه الأجواء المفعَمة بالثورة والعنفوان، استكملت الأحزاب الأرمنية الثلاثة في لبنان «الطاشناق»، «الهنشاك»، و»الرمغافار» إحياء الذكرى، تحت شعار «أنا أتذكّر وأطالب»، وذلك في مهرجان خطابي في برج حمود، حضره ممثّلو كل الأحزاب اللّبنانيّة وعدد من النواب وحشد من الشخصيّات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

استُهلّ المهرجان بالنشيدَين الوطني والأرمني، تلاه الوقوف دقيقة صمت عن أرواح الشهداء الأرمن، ثمّ وزعت الجمعيات الأرمنية: «انترانيك»، «هومنمن» و»هومنتمن» الورود على العجزة الأرمن.

بقرادونيان

وفي كلمته، طالب الأمين العام لحزب «الطاشناق» النائب آغوب بقرادونيان تركيا بـ»الاعتراف بمسؤوليّتها عن الإبادة لتحقيق العدالة والتعويض المعنوي والسياسي والمادي والجغرافي». وقال: «نجتمع اليوم لنتذكّر ونُذكّر جميع الذين أرادوا للإبادة والمجازر حلاً جَذرياً لإنجاح الحلم الطوراني التركي الاستعماري، بأنّ حلمهم لم يتحقق وبأنّ هذه الشعوب وأحفادها لا يزالون يصرخون: نحن هنا وسنبقى هنا».

وإذ رأى أنّ «على دول العالم، وعلى تركيا اليوم، وهي الوريثة الشرعية بواجباتها وحقوقها للسلطنة العثمانية ونظام الاتحاد والترقي، مسؤولية كبيرة في إعادة إنعاش الذاكرة الجماعية والمصالحة مع تاريخها وماضيها»، أكد أنّ «الجريمة التي نتذكرها نحن أبناء الشعوب المضطهَدة، من الأرمن والسريان والكلدان والاشوريين واللبنانيين والعرب والأكراد، لا تتكرّر إلّا إذا تمّت معاقبة المجرم وتعويض جرائمه. فالسكوت عن جريمة هو جريمة بحدّ ذاتها».

وطالب بقرادونيان الدول العربية بأن «تعترف بجريمة إبادة الشعب الأرمني وبمسؤولية تركيا فيها». وأضاف: «أربعة قرون من الاحتلال وقتل المسلمين والمسيحيين على السّواء في سوريا وفلسطين والعراق ولبنان والمناطق العربية الأخرى، والمجاعة المفروضة على جبل لبنان ومشانق 6 أيار في بيروت ودمشق وجريمة «سيفو» لإخواننا في المصير من السريان والكلدان والاشوريين، الى سفربرلك في الأقطار العربية، الى قتل الشعب العربي في الاسكندرون واحتلاله، الى قتل الأكراد وتشريدهم».

وتابع: «كلفني رئيس مجلس النواب نبيه بري باسم رئاسة المجلس النيابي الإشارة إلى أنّ رئاسة المجلس كانت ولا تزال على موقفها من قرار المجلس الصادر عام 2000، والذي تمّ إبلاغه للجمهورية الأرمنية»، شاكراً لبرّي «موقفه المشرّف»، ومثمِّناً موقف مجلس الوزراء ورئيس الحكومة تمام سلام بالتضامن مع الشعب والموافقة على قرار وزير التربية الياس بو صعب تعطيل المدارس.

وشدّد على أنّ «هذه المواقف خير دليل على إنعاش الذاكرة الجماعية والشعور بضرورة التكاتف والتضامن لمراجعة التاريخ ومواجهة مؤامرات تقسيم المنطقة وإعادة تنفيذ مخططات مرَّ عليها الزمن وسقط مئات الآلاف من الشهداء لإفشالها».

وإذ رأى أنّ «قضية الإبادة قضية عربية أرمنية واحدة أكبر وأقوى بكثير من المصالح الاقتصادية والتسويات السياسية والتحالفات المرحلية»، شدّد على أنّ «هذه الابادة مستمرة اليوم بحقّ الشعوب العربية، فقد سقط القناع التركي العثماني المزيَّف وأصبحت تركيا المنصّة المتقدّمة في الحروب التكفيرية على العرب وشعوب المنطقة».

كوشكريان وفاهيجيان

ورأى رئيس «الهنشاك» أليكسان كوشكريان أنّه «بعد إعلان الجمهورية التركية، استمرت الوريثة الشرعية بمخطط الإتحاديين عبر إزالة آثار الجريمة وتزوير التاريخ»، معتبراً أنّ «الإمعان في الإنكار سيُغرق تركيا في وحول العار، وسيعمّق الهوّة بين تركيا والشعوب والهيئات التي اعترفت بالإبادة، وسيضع تركيا في موضع الدولة الحاقدة التي تعاني من مشكلات مع كل الدول المحيطة».

ودعا السلطات التركية الى «مواجهة ماضيها بصدق وليس بالخطابات المنمَّقة المراوغة والتعازي الزائفة»، لافتاً الى أنّ «الاعتراف بالإبادة هو الخطوة الأولى فقط ومرحلة أولية لمحاولة خلق جوٍّ من الثقة، التي فُقدت منذ 100 عام».

بدوره، رأى رئيس حزب «الرمغافار» ميكايل فاهيجيان أنّ إحياء الذكرى سببه أنها «أمانة الأجداد أولاً ولن نخونها، وهي عدالة الأحياء ثانياً في أن يُعتَرف بموت أحبائهم، وهي عدم الإشتراك بالقتل ثالثاً، لأنّ إنكار القتل مشاركة فيه، وهي الإعتراف بإنسانيّتنا رابعاً»، مشدِّداً على أنّ «قضية الشعب الأرمني لن تموت، ولن تتغيّر أولوياته.

لن ننسى مهما شغلتنا الحياة، ستبقى الدماء التي أُسيلت ظلماً حرة في ضميرنا بعد مئة سنة، بعد مئتين، بعد انقضاء الزمان، لن ننسى، لن نسامح، لن يتوقّف هديرنا». انتهى المهرجان وعاد المشاركون أدراجهم، مصمّمين أكثر من أيّ وقت مضى، على الاستمرار في نضالهم.
theme::common.loader_icon