ألفريد بصبوص...«رودان الشرق»
ألفريد بصبوص...«رودان الشرق»
ميريام سلامة
جريدة الجمهورية
Friday, 27-Feb-2015 00:13
هو المؤمن أنّ هدف الفن، اكتشاف الشكل، عبر تخطّي الفكرة للوصول إلى التعبير الأقصى للقالب. يؤمن أنّ دوره ليس إيجاد الحلول والإجابة عن الأسئلة، بل طرح المشكلات وأسئلة جديدة، أو حتى إعادة صياغة أسئلة قديمة بلغةٍ جديدة. لغته النحت، كلامه الإزميل ورسالته أفكار حياتية تجسّدت فنّاً نحتياً معاصراً، كسر قيود الكلاسيكية وبنى إرثاً ثقافياً أزلياً. هو ألفريد بصبوص، الرائد في الفن المعاصر والحديث، الذي أطلّت أعماله مجدَّداً على الجمهور اللبناني في غاليري مارك هاشم، مُعيدةً إلى الحياة نحتاً افتُقد في عصرنا الحالي.
في إطارٍ عصري، يُشبه نهج ألفريد بصبوص في النحت، افتتحت مؤسسة ألفريد بصبوص بالتعاون مع غاليري مارك هاشم المعرض الذي يضمّ أعمال النحات العظيم، لتكون بيروت نقطة انطلاقها إلى البلدان الأوروبية ونيويورك. الأعمال المنتقاة معروضة بطريقة حديثة جداً، تُعطي قيمة للمنحوته وللمساحة الجمالية حولها، التي تنتشل المشاهد من جوّ التشنّج والقلق.

وفي حديث خاص لـ«الجمهورية» أوضح إبن ألفريد بصبوص، فادي بصبوص، أنّ «هذه الجمالية تبعث سلاماً ورقيّاً فكرياً وقيَماً إنسانية، لأنّ ألفريد عرف أنّ الفنّ يجب أن يعيد التوازن لوجدان الإنسان. وعلى هذه الفكرة بنينا فكرة المعرض وحاولنا إيصال هذه الأفكار من خلال عرض المنحوتات.

والهدف من طريقة العرض هي ألّا تكون بسيطة فقط بل أن تكون فكرية، فإلى جانب كلّ منحوتة نجد نصوصاً كتبها كبار النقّاد الفنّيين، يضخّون من خلالها معلومات قيّمة عن ألفريد بصبوص وفنّه».

يأتي تنظيم هذا المعرض فرصةً لإعلان الشراكة بين غاليري مارك هاشم ومؤسسة ألفريد بصبوص التي تهدف إلى الحفاظ على إرث ألفريد بصبوص ونشر ثقافته عالمياً، لأنه أحد مؤسسي الفن الحديث في لبنان والشرق.

فيقول بصبوص إنه «عندما قرّرنا عرض أعماله في نيويورك وأوروبا وباريس، التقينا بمارك هاشم في معارض خارجية ووجدنا فرصةً في التعاون مع شخص يتمتع باحترافية عالية في هذا المجال. ولكن أردنا أن تكون الانطلاقة من بيروت، لأنها واجهة ثقافة الشرق ويهمّنا أن ننطلق من بلد الفنان الأم».

عندما تخرّج ألفريد بصبوص من كلية الفنون «Ecole des Beaux-arts» في فرنسا، قرّر العودة إلى رشانا لينشئ قرية ثقافية في بلده، كان لديه حلم أن يجعل من قريته ملتقى للفنانين، فأسّس المحترف النحتي الدولي الأول في لبنان بشهادة الأونسكو عام 1994. فشهد بعده المجتمع اللبناني انفتاحاً وتواصلاً مع الفن الحديث من خلال قرية رشانا التي حضنت الفن الحديث وكلّ أشكال الفنون اللبنانية.

وبهذه الطريقة عرّف ألفريد بصبوص لبنان إلى الفن الحديث، فخلق علاقة تواصل بينهما، ما شهر اسمه عالمياً لينال نجاحات جمّة، رفع بها اسم لبنان عالياً، إن كان في متحف «رودان» أو في متحف «أشموليون» حيث عرض أعماله.

عرف فادي بصبوص والده نحاتاً قبل أن يعرفه أباً، فيقول إنه كان يناديه باسمه وليس «أبي»، لأنه كان يعتبره صديقاً. «كان له نظرة فلسفية في الحياة، وعندما كنا نريد التقرّب منه كان يجب أن نرسم أو ننحت منحوتة صغيرة، لشدّ انتباهه.

فكان يوجّهنا ويسدينا النصائح عندما نقدّم له المنحوتة أو الرسم. كان إنساناً شغوفاً بعمله، وكان عاطفياً إلى أقصى الحدود، نشأ في بيئة محافظة من أب كاهن وأم هادئة».

بدأ بصبوص مسيرته بالأعمال الكلاسيكية وانتهى بالتجريدية. أعماله خلاصة الفكرة وأسلوبه سهل ممتنع، تفرّد به في الفن اللبناني الحديث، فاستخدم مواد كثيرة مثل الحجر، البرونز، الخشب وغيرها.

كانت له أبحاث كثيرة، لذلك تعمل مؤسسة ألفريد بصبوص على تنظيم معرض إستعادي كبير جداً لألفريد بصبوص، في مركز بيروت للمعارض، تهدف من خلاله إلى تعريف الناس على الطاقة الكبيرة لهذا الفنان الذي لا ينفك يفاجئنا حتى اليوم في كلّ معرض يُنظَّم لأعماله.

وعندما عاد ألفريد بصبوص من فرنسا، أُطلق عليه لقب «رودان الشرق»، لأنه كان يتمتّع بإحساس مرهف وعالٍ جداً. وتأثّر أيضاً بجان آرب وهنري مور ولكن كان أسلوبه الخاص طاغٍياً على كلّ أعماله.

وعند سؤال فادي بصبوص عن أهمية لقب أبيه يقول إنّ «الغرب يسوّق فكرة أنّ الفن الحديث المعاصر من إنتاجه، وكلّ فن مصدره الشرق الأوسط أو بلدان أخرى، ثانوي. ولكن ألفريد، في النحت، أثبت العكس مُبيّناً أنّ فناني الشرق يمكنهم أن يكونوا في الطليعة وسبّاقين في عصرنا هذا. لهذا السبب لُقِّب بـرودان الشرق».

أَوْلى ألفريد بصبوص أهمية قصوى إلى المرأة في عمله، فتميّز بأسلوب فني راقٍ جداً، ويقول فادي بصبوص إنّ المرأة «كانت إلهامه، يستمدّ منها وحياً ينحته منحوتةً تجريدية، فكانت الأم، الحبيبة، الابنة، الصديقة. هو لم ينحت جسدها فقط بل حفر قيَمها اللبنانية التي تميّزها، فطغت على أعماله».

يعتقد بصبوص أنّ «التاريخ لن يذكر مرّةً أخرى اسماً كعائلة بصبوص، لأنّ الطريقة التي ظهر بها الإخوة «البصابصة» وأعطوا من خلالها، وشيّدوا متحفاً في قريةٍ في الهواء الطلق باتت محطّة فنّية تاريخية عريقة لكلّ لبنان من دون أيّ غاية تجارية، لا يمكن أن تتكرّر.

كلّ أخ من عائلة بصبوص تميّز بأسلوب، فميشال، الأخ الأكبر، كانت له أبحاث عظيمة، ألفريد شغوف ويتمتّع بعاطفة وإحساس عاليين، أما يوسف فله طابع تجريدي.

أهمية كلّ واحد بأسلوبه، ولا أحد يلغي أهمية الآخر منهم، فألفريد ترك ثقافةً كبيرة جداً، وكان قريباً من الناس لأنّ إحساسه عالٍ ميّز أسلوبه العميق، فيمكن للمجتمع أن يتثقّف ويتذوّق هذا الفن، شاعراً بتلك الأحاسيس المسكوبة في كلّ ضربةِ إزميل». يستمرّ المعرض حتى 10 آذار في غاليري مارك هاشم.
theme::common.loader_icon