ما «ضريبة» غياب الأب عن المنزل؟
ما «ضريبة» غياب الأب عن المنزل؟
د. أنطوان الشرتوني
جريدة الجمهورية
Monday, 26-Jan-2015 00:00
يؤدي الأب دوراً أساسياً ومهماً في عائلته. فهو نبع للعاطفة ورمز للقوة والسلطة والحامي والمربّي. لكن ماذا لو غاب عن منزله بدواعي السفر للعمل خارج البلاد أو غير ذلك من الظروف القاهرة؟ ما هي إذاً «ضريبة» غيابه؟
أحياناً يغيب الوالد عن منزله وعائلته لأسباب مختلفة ومتعددة، منها مثلاً السفر للعمل خارجاً، أو الانشغال بالعمل أو ربّما الموت. وإنّ بُعْد الأب عن محيط عائلته يؤثّر مباشرةً وسلباً على كل أفراد عائلته، وخصوصاً الأولاد الصغار لأنهم بحاجة إلى من يجسّد صورة الأب «الشجاع» و«المنقذ» و«البطل» و«المدافع»، تلك الصورة التي قد يصعب على الأم تجسيدها.

تأثير نفسي وجنسي

ففي علم النفس التربوي، من المعروف أنّ الطفل، صبياً كان أو فتاة، يتعلّق منذ صغره بوالده ويشعر بالحنان بين ذراعيه وبالسند الذي يقدمه له. ولكن إذا غاب الوالد، مؤقتاً أو كلياً عن المنزل، يفتقد الطفل السند والحنان والقوّة التي يستمدّها من والده، فيشعر بنوع من الإرباك العاطفي وقد يحوّل عاطفته إلى الأم.

ويمكن لغياب الوالد أن يؤثر سلباً على توجّه الطفل الجنسي، لا سيّما إذا لم يستطع الطفل إيجاد «صورة بديلة للأب»، ويعني ذلك إيجاد «أب» آخر (أخ - عم - خال - أستاذ...) يؤدي دور الأب القوي المدافع.

رمزية ذكورية

ويشدد التحليل النفسي على أهميّة «صورة الأب»، فهي التي تجسّد الرمزية الذكورية الضرورية في لاوعي الطفل، والتي ترتسم من خلال المثلث الأوديبي: الأب - الأم - الطفل. وإذا غابت إحدى هذه العناصر، ستشهد العلاقة العائلية خللاً في التوازن يؤثّر سلباً على شخصيّة الطفل. ولكن، على رغم أن الفتاة تتأثر بدورها بغياب الأب الجسدي أو المعنوي عن المنزل، إلا أنها قد تشعر براحة نفسية لغيابه.

ولكن ما هو دور الأب في العائلة؟

دور الأب المُعترف به في علم النفس الإجتماعي هو عملية العطاء ووضع القرارات المتعلقة بمصير عائلته، كما له دور هام في تربية الاطفال وإظهار قوته ودفاعه.

ولكن عند غياب الأب عن عائلته، يُحرم الطفل من كل هذه الميزات كما تحرم العائلة من الدينامية العائلية التي تؤدي دوراً هاماً في توازن شخصية الطفل.

وأظهرت دراسات علم النفس التربوي أنّه في العائلة التي يغيب عنها الأب، يواجه الطفل الكثير من المشاكل في عملية تطور سلوكه الإجتماعي العام. فيكون الطفل أقلّ استقلالية كما تظهر عنده بعض المشاكل السلوكية: عصبية، إنحراف كارتكاب السرقة، المخدرات، وحتى الوصول إلى ارتكاب الجريمة. كما انّ ثقة هذا الطفل تكون غالباً ضعيفة. وأظهرت بعض الدراسات أنّ هناك علاقة بين حالات الإنتحار وخيبة الأمل من الأب وصورته.

وأكدت دراسات أخرى في علم النفس الإجتماعي أنّ الأطفال ذوي الأب الغائب يعانون مشكلة حادة في تكوين الصداقات، ويعود السبب ربما الى عدم إيجاد صورة إيجابية للأب مثال السلطة والعاطفة في آنٍ واحد.

كما يعاني هؤلاء الأطفال القلق النفسي والاضطراب العاطفي الذي لم ينضج بسبب غياب الصورة الإيجابية للأب. ويمكننا أن نضيف بأنّ للأب دوراً بارزاً في مرحلة المراهقة لا يمكن تجاهله، ولا يمكن إلقاء التربية فقط على الأم، لأنّ التربية هي على عاتق الوالدين.

فحضور الأب بين أبنائه المراهقين هو أمر هام لإشباع الحاجات بالإستقرار العاطفي داخل الأسرة، وذلك يسهم في بناء شخصيتهم. وتتسِم علاقة المراهق بوالده بالود والإحترام والتفاهم، ويجب أن يتفهّم الوالد حاجيات إبنه المراهق ويكلفه ببعض المسؤوليات ويمنحه بعض الصلاحيات المناسبة لمرحلة نموّه.

أما بالنسبة للابنة المراهِقة فالأب يكون سنداً حقيقياً لها، كما يجب أن يكون عطوفاً معها ويثق بها ومثالاً أعلى لها لكي تتعلّم منه الانضباط والاحترام، فيُكوِّن صورة إيجابية عنه أمام ابنته التي يمكن أن تعمّم هذه الصورة لتكوّن صورة إيجابية عن الرجال. وطبعاً الوالدة لها دور مهم في إظهار إيجابية العلاقة بينهما.

بمَ يؤثر غياب الأب عن البيت؟

غياب الأب عن أسرته يؤثر في نموّ الطفل النفسي والعقلي، ويؤدي الى انعدام في التوازن العاطفي والأمن النفسي. وقد يترجم غياب الوالد بتراجع في مستوى التحصيل العلمي، أو بتغيّر شخصيّة الطفل فيصبح إتكالياً ويعتمد على الآخرين في أداء واجباته.

وتتفاقم المشكلات الناجمة عن غياب الأب عند المراهقين، فتترجم بالانحراف الناجم عن غياب «الرقيب». كذلك، يحتاج المراهق إلى مَن يمنحه «الإعتبار الإيجابي للذات» ويعني ذلك تدعيم صورة الذاتية للمراهق الذي يصبح لديه ثقة بنفسه أكثر من خلال الحوار مع الوالد ووجوده النفسي والجسدي.

بالاختصار، عندما يكون الاب غائباً أو غائباً حاضراً، تظهر الآثار التالية:

1 - يفهم الأطفال الزواج بصورة خاطئة
2 - تصبح الأم مصدر العائلة ويصبح الأب «صورة» لا مهمة له.
3 - تغيب الدينامية العائلية
4 - يغيب الجو العاطفي عن الأسرة مع ظهور الكثير من المشاكل النفسية والإضطرابات السلوكية.

theme::common.loader_icon