عباس بيضون يقف متأملاً «بداية الصقيع»
عباس بيضون يقف متأملاً «بداية الصقيع»
اخبار مباشرة
ميريام سلامة
عندما يحين وقت الصقيع، تلبس الطبيعة رداء الصمت والسكون ليتجلّى صفاء السماء أفكاراً واضحة في النفوس. وفي صمت الفجر الذي يُنبئ بصقيع المساء تصرخ الحياة كلمات القلوب مشرّعةً باب المشاعر وماورائيات الفكر، فيعيد الإنسان مراحل حياته مستذكراً انتصاراته وخيباته، فرحه وحزنه، تالياً «صلاة لبداية الصقيع».
لا يمكن قراءة ديوان عباس بيضون «صلاة لبداية الصقيع»، الصادر عن دار الساقي، من دون أن نشعر بقوّة المعاني العميقة التي تدخل ذهننا مثلما يحرق الصقيع أطراف الجسد، فأثرها في نفوسنا يترك تساؤلات لا نجد الإجابة عنها إلا في خبايا الحروف وبين طيّات الصفحات.
تجد نفسك حائراً أمام شِعر بيضون، بين تشابك المعاني والكلمات وبين أفكار الماضي وفكر اللحظة، ولكن الأكيد أنّ الحزن يلفّ الصفحات الأولى من الديوان في «أربّي قلباً» فيقول: «أربّي قلباً لهذه الساعة / أناديه فيأتي فوراً على صوتي / رغم أن لا اسم له / لا اسم لهذا اليوم على طريق الأرز / فهو ليس نسياناً، ليس تثاؤباً، ليس اعتذاراً / ربما يأتي كنملة مقطوعة الأرجل / أو كنحلة بلا أجنحة / لكنه سيكون أول نموذج من نوعه / وسننتج منه نسخاً كل يوم / سيكون له مفتاح ودولاب داخلي / وسنغلي فيه أعشاباً طبية / والماء الذي اسودّ فيه / سيظل مقروءاً لبضعة أعوام».
ساد التشاؤم والسلبية على كلمات الديوان، لتليّنها الأفكار التي حملت، ولو قليلاً، التفاؤل والأمل. فـ»الضوء متحجّر ونحن، مع ذلك، نرى عبره. الهواء مسنون ونحن، مع ذلك، نرى عبره... الصقيع كلمة من زجاج تحشو الآذان، لكنها أيضاً تخترق وتنفذ إلى القلب، وأنا، الذي عليّ أن أكتب مقالةً لهذا اليوم، أفعل ذلك بأصوات الصقيع. عيناي تتحجّران وتشعّان كحجرٍ كريم، بينما قلبي يذرف دمعةً من جليد» (البرد، ص 21).
لا ييأس القارئ من قراءة مفردات البرد والصقيع، فانسياب الأفكار وتسلسل الكلمات يُدفئ الروح ويؤجّج نار الفكر متجلّياً فلسفةَ حياة تُغني الذهن وتُشبعه. حتى ولو لم يفهم القارئ قصد الشاعر وظروف كتابة الشعر، ترتسم ابتسامة على شفتيه، ابتهاجاً بانتصار جمال الكلمة وقوّة المعنى. وكم قلّت الدواوين التي تترك القارئ مذهولاً ببراعة الشاعر في نسج أفكاره كلمات تَعبُر روحه لتترك وراءها خيوط الاكتفاء الشعري.
في صلاته، يستعيد الكاتب مراحل حياته، وكأنه يخاطب نفسه قائلاً «وراء خمسين عاماً جدارٌ رفعتُ حجراً منه فوجدت تحته كلباً منذ ذلك الحين. لم يكن لي وليست لي أيضاً الدمية المتضخمة التي تكلّم نفسها ولم تتعرّف علي، ولا الديك الهائج الذي انتفش ريشه وهو يهجم فاتحاً منقاره ليلتقطني» (نقود لمواصلة أحلامي، ص 33).
وعندما بدأ بيضون كتابة «مقطوعة عن حياتي» تظهر شخصيته التي بدا أنه خبّأها طوال سنين عمره، فالكتابة دواء النفس وعلاج الروح، ومن خلالها تَظهر مكنونات القلب الخفية، فيقول: «لست أنا الذي تداهمه أفكار سوداء، لست أنا الذي لا أطيق جسمي. هو الذي جعلني أدور كمروحة وأدوس على أقدام السيدات. لست أنا الذي يصمت غالباً. إنه يقف على لساني».
شخصيات كثيرة مرّت في حياة بيضون، أعاد رسم وجوهها في صفحات ديوانه الأخيرة، محاولاً فكّ لغز مرورها على طريق حياته فيقول: «حجر يغوص في الذاكرة، يخرج وجه من تحت الماء، بالكاد له ملامح. السنون برّدت قسماته، ثمّة نسيان كثيف يتجمّع عليها. لم أعرفه. لقد عاد الحجر إلى العمق. إن عاد ذلك الوجه فلن يكون هاملت ولا يوسف النبي. لقد صنعت وجوهاً من الرماد والآن أصفّها في الشمس» (القبو، ص 79).
على دروب حياة عباس بيضون، مَشينا حاملين تساؤلات الحياة وأسرارها. على أبواب الصقيع نقف متفرّجين على سنواتٍ مضت غير قادرين على تحويل البرد دفئاً، فنشارك بيضون في تلاوة «صلاة لبداية الصقيع».
تجد نفسك حائراً أمام شِعر بيضون، بين تشابك المعاني والكلمات وبين أفكار الماضي وفكر اللحظة، ولكن الأكيد أنّ الحزن يلفّ الصفحات الأولى من الديوان في «أربّي قلباً» فيقول: «أربّي قلباً لهذه الساعة / أناديه فيأتي فوراً على صوتي / رغم أن لا اسم له / لا اسم لهذا اليوم على طريق الأرز / فهو ليس نسياناً، ليس تثاؤباً، ليس اعتذاراً / ربما يأتي كنملة مقطوعة الأرجل / أو كنحلة بلا أجنحة / لكنه سيكون أول نموذج من نوعه / وسننتج منه نسخاً كل يوم / سيكون له مفتاح ودولاب داخلي / وسنغلي فيه أعشاباً طبية / والماء الذي اسودّ فيه / سيظل مقروءاً لبضعة أعوام».
ساد التشاؤم والسلبية على كلمات الديوان، لتليّنها الأفكار التي حملت، ولو قليلاً، التفاؤل والأمل. فـ»الضوء متحجّر ونحن، مع ذلك، نرى عبره. الهواء مسنون ونحن، مع ذلك، نرى عبره... الصقيع كلمة من زجاج تحشو الآذان، لكنها أيضاً تخترق وتنفذ إلى القلب، وأنا، الذي عليّ أن أكتب مقالةً لهذا اليوم، أفعل ذلك بأصوات الصقيع. عيناي تتحجّران وتشعّان كحجرٍ كريم، بينما قلبي يذرف دمعةً من جليد» (البرد، ص 21).
لا ييأس القارئ من قراءة مفردات البرد والصقيع، فانسياب الأفكار وتسلسل الكلمات يُدفئ الروح ويؤجّج نار الفكر متجلّياً فلسفةَ حياة تُغني الذهن وتُشبعه. حتى ولو لم يفهم القارئ قصد الشاعر وظروف كتابة الشعر، ترتسم ابتسامة على شفتيه، ابتهاجاً بانتصار جمال الكلمة وقوّة المعنى. وكم قلّت الدواوين التي تترك القارئ مذهولاً ببراعة الشاعر في نسج أفكاره كلمات تَعبُر روحه لتترك وراءها خيوط الاكتفاء الشعري.
في صلاته، يستعيد الكاتب مراحل حياته، وكأنه يخاطب نفسه قائلاً «وراء خمسين عاماً جدارٌ رفعتُ حجراً منه فوجدت تحته كلباً منذ ذلك الحين. لم يكن لي وليست لي أيضاً الدمية المتضخمة التي تكلّم نفسها ولم تتعرّف علي، ولا الديك الهائج الذي انتفش ريشه وهو يهجم فاتحاً منقاره ليلتقطني» (نقود لمواصلة أحلامي، ص 33).
وعندما بدأ بيضون كتابة «مقطوعة عن حياتي» تظهر شخصيته التي بدا أنه خبّأها طوال سنين عمره، فالكتابة دواء النفس وعلاج الروح، ومن خلالها تَظهر مكنونات القلب الخفية، فيقول: «لست أنا الذي تداهمه أفكار سوداء، لست أنا الذي لا أطيق جسمي. هو الذي جعلني أدور كمروحة وأدوس على أقدام السيدات. لست أنا الذي يصمت غالباً. إنه يقف على لساني».
شخصيات كثيرة مرّت في حياة بيضون، أعاد رسم وجوهها في صفحات ديوانه الأخيرة، محاولاً فكّ لغز مرورها على طريق حياته فيقول: «حجر يغوص في الذاكرة، يخرج وجه من تحت الماء، بالكاد له ملامح. السنون برّدت قسماته، ثمّة نسيان كثيف يتجمّع عليها. لم أعرفه. لقد عاد الحجر إلى العمق. إن عاد ذلك الوجه فلن يكون هاملت ولا يوسف النبي. لقد صنعت وجوهاً من الرماد والآن أصفّها في الشمس» (القبو، ص 79).
على دروب حياة عباس بيضون، مَشينا حاملين تساؤلات الحياة وأسرارها. على أبواب الصقيع نقف متفرّجين على سنواتٍ مضت غير قادرين على تحويل البرد دفئاً، فنشارك بيضون في تلاوة «صلاة لبداية الصقيع».
الأكثر قراءة
الأكثر قراءة
07:46
الحرب مؤجّلة حتى الربيع
1
07:43
فخٌ إسرائيلي محفوف بالمخاطر
2
07:35
المسيحيّون في لبنان: هواجس سياسية بجذور لاهوتية
3
09:01
مصدرٌ رفيع لـ"الجمهورية": مستعدّون للوصول إلى تفاهم أمنيّ مع إسرائيل
4
11:54
30 باصًا.. هبة قطرية للبنان
5
07:39
آلية إنقاذ الأرواح والممتلكات... «الميكانيزم» نموذجاً
6
06:36
مانشيت "الجمهورية": إشارات خارجية تقلّل من احتمالات الحرب... عون: يبثون الشائعات لأسباب سياسية
7
08:34
مرجعٌ كبير لـ"الجمهورية": لا أرى تصعيداً خلافاً للمناخ الحربي
8