الشرتوني لـ«الجمهورية»: أنواع الكذب كثيرة... وهكذا نُعاقِب أطفالنا
الشرتوني لـ«الجمهورية»: أنواع الكذب كثيرة... وهكذا نُعاقِب أطفالنا
اليسار حبيب
جريدة الجمهورية
Tuesday, 18-Nov-2014 00:01
الكذب مرفوض اجتماعياً وأخلاقياً، لكنّ ثمّة مواقف تفرض نفسها على الإنسان وتجعله يكذب لسبب أو لآخر. والأطفال ليسوا بمنأى عن الكذب الذي يصبح وسيلتهم للدفاع عن أنفسهم أو لإخفاء خطأ اقترفوه. فهل تجوز معاقبتهم؟ وما العقاب الفعّال في هذه الحال؟
يلجأ الانسان الى الكذب لإخفاء حقيقةٍ ما، أو للدفاع عن نفسه وعن الآخرين عند ارتكابهم خطأ، أو ربما لتجميل واقع مأسوي يعيشه، إلّا أنّ حدّة الكذب وسببه يختلفان من إنسان الى آخر.

وعلى رغم مظاهره الكثيرة ودرجاته المتفاوتة، يبقى الكذب آفة مرفوضة اجتماعياً وأخلاقياً، يسعى الناس الى وضع حدّ لها والسيطرة عليها ومعاقبتها لئلّا تتفاقم وتنتشر اجتماعياً وتصبح مباحة ومشروعة.

تعريفه

«الكذب هو الأقوال التي يتفوّه بها الانسان ولا تكون صحيحة، بل تتعارض مع الحقيقة»، بهذه الكلمات عرّف الدكتور في التحليل النفسي والأمراض النفسيّة، الأستاذ المحاضر في علم النفس في الجامعة اللبنانيّة، أنطوان الشرتوني الكذبَ في حديثه الأسبوعي لـ«الجمهورية».

واعتبر أنّ «من الطبيعي في بعض الاحيان أن يكذب الطفل، ولا سيّما في حال الدفاع عن نفسه هرباً من العقاب»، داعياً الاهل الى التغاضي عن الكذب في بعض الاوقات الاستثنائية، «فعلى ردود فعلهم أن تكون هادئة، ومن الضروري بالتالي عدم معاقبة أطفالهم وضربهم وإهانتهم عند اكتشافهم أنهم يكذبون، لأنه أمر طبيعي يقوم به الأطفال كردّة فعل طبيعية لإخفاء حقيقة معيّنة».

خلل في التربية؟

وعندما سألنا الشرتوني «ألا يؤدّي ذلك إلى خلل في التربية؟»، أوضح أنّ «عقاب الطفل على كذبته أمر ضروري، شرط ألّا ينمّ عن انتقام، وألّا يكون مؤذياً نفسياً وجسدياً؛ فعلى الأهل فهم السبب الذي دفعَ أطفالهم إلى الكذب، ليتمكّنوا من تحديد نوع العقاب المناسب». وأشار إلى أنّ «الكذب يُكتسَب اجتماعياً، فالطفل يتعلّمه عندما يسمع أصدقاءه أو أهله أو محيطه يتفوّهون بكلمات غير صادقة ولا تمتّ الى الحقيقة بصلة».

وفرّق الشرتوني بين:

1- الكذب: الذي يعني عدم قول الحقيقة.
2- التستّر: أيْ عندما يعلم الطفل الحقيقة ويرفض قولها.
3- الإنكار: وهو عندما ينكر الطفل الحقيقة التي يعرفها.
4- الإختلاق: وهو عندما يختلق الطفل حقيقة معيّنة للهروب من حدث ما.
5- المبالغة في ردّة الفعل التي قد تصل إلى حَدّ معيّن من الكذب.

أنواعه

وتطرّق الشرتوني إلى أنواع الكذب الكثيرة، وفنّدها على النحو الآتي:

1- الكذب الخيالي: هو من أكثر أنواع الكذب الشائعة عند الأطفال، إذ يختلقون أخباراً وسيناريوهات غير موجودة في الحقيقة ويدّعون أنها حقيقية. لكن مع الوقت، يتخلّى الأطفال عن هذا النوع من الكذب، لذلك على الأهل التكلّم مع أطفالهم برويّة وهدوء وإفهامهم أن لا علاقة لما يقولونه بالحقيقة والواقع.

2- الكذب الالتباسي: وهو ما يطلق عليه أيضاً اسم «الكذبة البيضاء». في هذا النوع من الكذب، يخلط الطفل الخيال والحقيقة من دون أن يدري. وفي هذه الحال، على الأهل الابتعاد عن معاقبة أطفالهم والاستعاضة عن العقاب بشرحم لأطفالهم خطورة الكذب وتنويرهم إلى الحقيقة.

3- الكذب العنادي: في هذه الحال يكذب الطفل بهدف تحدّي سلطة والديه أو المعلّمة. وفي هذا النوع من الكذب، يصرّ الطفل على قوله وقراره وفي هذا السياق، على الاهل الاستماع لأطفالهم جيّداً واعتماد الليونة في طريقة تعاطيهم معهم.

إثبات الذات

4- الكذب الادعائي: في هذه الحال، يرفض الطفل قول الحقيقة علماً أنّه يعرفها وبالتالي يكون واعياً لكذبته. ومن امثال الكذب الادعائي، ذكر الشرتوني «عندما يقول الطفل إنّه لا يملك أيّ لعبة في المنزل، على رغم أنّه يملك كثيراً منها، أو عندما يدّعي بأنّ والده يضربه بقسوة علماً أنّ والده لا يضربه أبداً». ومن الكذبات الشائعة بين الاطفال في حال الكذب الادّعائي، هي عندما يصرّ الطفل على أنّ المعلّمة لم تطلب منه إنجاز أيّ فرض مدرسيّ، فيما تكون هي قد طلبت منه إنجاز فروض عدّة.

وأرجع المحلل النفسي سبب هذا الكذب الى «رغبة الطفل في فرض نفسه والتعبير عن ذاته، فيكذب ليقول إنّه موجود. كذلك فإنّ الشعور بالإذلال والقهر قد يؤدّي إلى الكذب». وفي هذه الحال، على الأهل ضمان راحة الطفل النفسية، وتفسير مخاطر الكذب المرفوض اجتماعياً وحضّه على قول الحقيقة دائماً.

5- كذب التقليد: في هذه الحال، يقلّد الطفل أحداً آخر يكذب إذ يعتقد أنّه أمر مباح ومقبول اجتماعياً ولا عيب فيه. لذلك، على الأهل التفسير جيّداً لأطفالهم عن مخاطر الكذب وآثاره السلبيّة، وعليهم الابتعاد بدورهم عن تلك الآفّة، خصوصاً أنّهم المثال الأعلى لأطفالهم.

الدفاع عن الآخرين

6- الكذب النفعي: وهو عندما يكذب الطفل لينتفع على الصعيد الشخصي. ومثالاً على الكذب النفعي ذكر الشرتوني «عندما يقول الطفل لوالده: طلبوا منّي المال في المدرسة»، فيأخذ المال لشراء الشوكولا أو الألعاب». ويكون سبب هذا النوع من الكذب هو الحرمان الذي يعانيه الطفل والخوف من العقاب المستمرّ الذي يتعرّض له.

7- الكذب الانتقامي: وهو الكذب المُتداوَل كثيراً في المدارس، ويكون سببه الغيرة والحسد بين التلاميذ، وربّما عدم مساواة المعلّمة بين جميع التلامذة، فيكذب الطفل على المعلّمة لكي تُعاقب التلميذ الآخر. وقد دعا الشرتوني المعلّمات إلى المساواة بين جميع الطلّاب تفادياً لهذا النوع من الكذب.

8- كذب الدفاع: وهو عندما يكذب الطفل على أحد المسؤولين عنه، دفاعاً عن نفسه أو عن الآخرين، تجنّباً لعقوبة ما أو لإنقاذ صديقه من ورطة.

9- الكذب المزمن: وهو عندما يعتاد الطفل الكذب، ويخلط الصح والخطأ، وإذا لم يُعالج هذا النوع من الكذب سريعاً، يُصبح الكذب حالاً مرضيّة تُسمّى «Mythomanie».

وشدّد الشرتوني ختاماً على ضرورة معرفة الأهل نوع الكذب الذي يلجأ إليه أطفالهم «فحَلّ المشكلة يكمُن أوّلاً في معرفة نوع الكذب وسببه، ولا يكون العلاج بالضرب والتشهير والإساءة اللفظية بل بالتفسير عن مخاطر الكذب وعواقبه الشخصية والاجتماعية»، داعياً إيّاهم الى أن يكونوا مثلاً أعلى لأبنائهم: «كونوا صادقين معهم ولا تكذبوا عليهم».

theme::common.loader_icon