نعم توأمتان... لكنّنا لسنا الشخص نفسه
نعم توأمتان... لكنّنا لسنا الشخص نفسه
ماريانا أبي يونس
جريدة الجمهورية
Tuesday, 07-Oct-2014 00:00
«هل أنتما توأمتان؟» سؤالٌ تنهال بعدهُ التخيُّلات إذا كانت الإجابة «نعم». فالتوائم «ظاهرة» لا تزال غريبة بالنسبة إلى أشخاص كثيرين، على رغم أنّ الإحصاءات أظهرَت أنّ بينَ كلّ 285 ولادة، يولد توأمان.
مَن منّا لم يرَ هذه «الظاهرة» في حياته؟ لكن على رغم ذلك، لا يزال التوائم يواجهون مشكلات «إثبات هويّة» وإظهار أنّ لكلّ منهم شخصيّته التي تختلف في معظم الأحيان عن الآخر. وما دور العائلة، المدرسة والمجتمع في هذا السياق؟ تتأثّر التوأمتان ببعضهما بعض كثيراً، فهُما تتصرّفان كـ«ثنائي». وهذا الأمر طبيعيّ، حيث يؤدّي الأهل دوراً أساسيّاً في تشجيع ذلك أو «ضبطِه».

ففيما يعتمد بعض الأهل أسلوب عدم التفرقة بين ابنتيهما التوأمَتين لناحية اللباس أو أسلوب المعاملة، يرى البعض الآخر أنّ لكلّ منهما شخصيّة مميّزة، فيتعاملان معهما على هذا الأساس. وتظهر نتائج هذه التربية في المُستقبل، من حيث درجة اتّكال التوأمتين على بعضهما.
فقد أظهرت الدراسات أنّ الأهل الذين لا يُفرّقون في تربية التوائم، يجعلونهم أكثر تعلّقاً ببعضهم في المستقبل، ويصعب لاحقاً تفرقتهم عَن بعضهم.

خطأ الأهل

يرتكب الأب والأم أخطاء جَمّة في أوقات كثيرة، خصوصاً عندما لا يحترمان أنّ لكلّ واحدة من ابنتَيهما التوأمَتين شخصيّتها وصفاتها وقدراتها المستقلّة عن الأخرى. أمّا الخطأ الأكبر، فيكمُن عندما يُقارنان بين ابنتَيهما ويَقبلان بـ«رضوخ» إحداهما للأخرى، فتُصبح الأولى مُسيطرةً بسبب وَعيها أو ذكائها أو قدرتها على التفاعل مع الأمور بنحو أفضل من أختها، غير أنّ نتائج هذه السيطرة هي محض سلبيّة، بحيث تتأثّر علاقة التوأمَتين ببعضهما وتصبح ثقة «الضحيّة» في نفسها شبه معدومة.

المدرسة

إلى ذلك، تعتمد مدارس كثيرة «سياسة الفصل» بين التوائم في الصفوف، وهناك عائلات كثيرة تُحبّذ هذه السياسة. فإذا وُجدت التوأمتان في الصفّ نفسه، هذا يعني أنّ قدراتهما وأعمالهما ستُقارَن، ما يؤدّي إلى النتائج السلبيّة التي ذكرناها سابقاً. وإذا كانت التوأمتان تُشبهان بعضهما إلى حَدّ كبير، يُمكنهما عندئذٍ استخدام هذا «السلاح» للغشّ، كأن تُلقي إحداهما الاستظهار عَن أختها مثلاً.

وإذا بقيَتا مع بعضهما دائماً، سيصعب عليهما بناء صداقات مختلفة وتوسيع حدود علاقاتهما، فحتّى تجاربهما ستكون نفسها، وستزيد نسبة اتّكالهما على بعضهما. فمُجرّد فصلهما في المدرسة هو أمرٌ كفيل بإتاحة المجال أمامهما لإثبات شخصيّتيهما وإظهار الذات بنحوٍ أسهَل.

خصائص مُختلفة

ليسَ ضروريّاً أن تكون الخصائص الفيزيائيّة هي نفسها لدى التوأمتَين المُتماثلتين Identical Twins. فهناكَ تأثيرات بيئيّة عدّة تجعل كلّ واحدة منهما تنمو في رحم الأمّ بشكل يُميّزهما عَن الأخرى، مثلَ تفاعلات الأوعية الدموية، والتقاسم الغذائي... وهناك أيضاً العوامل البيئيّة التي تتجلّى في تفضيل إحدى التوأمتين لرياضة معيّنة مثلاً أو لنشاط بدني أو حتّى فكريّ (كالقراءة...) فهذه العوامل لها تأثير كبير على النموّ أو الشخصيّة الفرديّة لإحدى التوأمتين، ما يمكّن أهلهما وصديقاتُهما من التفريق بينهما. وهذا ما يبرهن أنَّ التوأمتَين، حتّى إذا كانتا مُتماثلتين، فهذا لا يعني أنّ كلّ واحدة منهما ليست فريدة.

لكن في المُقابل، لا بُدّ من ذكر العوامل الرئيسة التي تجعل ردود فعل التوأمتين متشابهة، وكذلك تصرّفاتهما، وطريقة تفكيرهما... وينتج ذلك من المراحل الأولى للنموّ الجنسيّ لكلّ منهما، والتي تحدَّثَ عنها المحلّل النفسي سيغموند فرويد، وأهمُّها «المرحلة الفمّية والشرجيّة» التي تكون نفسها عند الإثنتَين.

«نعم... ننزعج»

أحياناً، تنزعج التوأمتان من الأسئلة المتكرّرة التي تُطرَح عليهما، خصوصاً إذا كانت بلا معنى. «ما هي نقاط الاختلاف بينكما؟»، «إذا مرضتِ أنتِ، هل تمرض أختك أيضاً؟»، «هل تستطيعان التفريق بين بعضكما؟»، «هل تحبّان أو تُعجَبان بالشخص نفسه؟»، أسئلةٌ كثيرة تُطرَح على التوأمتين عشرات المرّات يوميّاً.

فكيف الحال إذا قرّر أحدٌ اعتبارَ أنّهما الشخص نفسه وبدأ يناديهما بالإسم نفسه (ما بتفرق)، وهنا تكون مسؤوليّة التوأمتَين في أن تُبَرهنا أنّ لكلّ واحدة منهما حياتها وطموحها وتطلعّاتها المستقبليّة المختلفة عن الأخرى. لذلك تكون مهمّة تحديد الهويّة لدى التوأمتين أصعبَ ممّا هي عليه لدى الأشخاص العاديّين.

الناحية النفسيّة

أمّا في الشقّ النفسي، فلا بُدّ من تسليط الضوء على أمرَين أساسيّين تطرحهما التوأمتان، الأهل والأقرباء. فكثيرون يتساءَلون عمّا إذا كانت التوأمتان تشعران فعلاً ببعضهما، وعمّا إذا كان العامل النفسي هو السبب في ذلك، وعن الأسباب التي تدفع التوأمتين إلى الوصول لحَدّ الغيرة أو المقارنة بين بعضهما:

أوّلاً، أن يشعر الشخص بالآخر يعني أنّ هذا الشخص قريبٌ منه كثيراً. لذلك هذا الأمر ليس حكراً على التوائم فقط. فكلّما كان شخصان قريبَين من بعضهما أكثر، سَهُلَ عليهما معرفة الحال النفسيّة لبعضهما من خلال مراقبة ملامح الوجه مثلاً. إذاً الشعور بالآخر أمرٌ يعتمد على درجة الارتباط بين الشخصين، وليس بالضرورة أن يكونا توأمين. والأمر مماثل عندما نتحدّث عن المقارنة أو الغيرة.

فالغيرة موجودة في باطن كلّ إنسان حتّى لو تفاوتَت درجاتها أو كانت قليلة لكنّها موجودة. فجميع الناس يقارنون أنفسَهم بغيرهم، خصوصاً إذا كانوا يشعرون بأنّهم مهمّشون، في حين يرون أنّ الشخص الآخر هو مصدر اهتمام ويملك ما لا يملكون.

ختاماً، هناك نصيحة لا بدّ من إعطائها في هذا السياق: إذا أردتَ التقرّب من أحد التوأمَين، إحرص على أن تكون علاقتك جيّدة مع أخيه، لأنّه سيكون صعباً جدّاً أن تنجح هذه العلاقة إن لم يكن الطرف الآخر راضياً بها.
theme::common.loader_icon