«تنورين... بين ماضيها العريق وشهرتها العالمية
«تنورين... بين ماضيها العريق وشهرتها العالمية
اخبار مباشرة
باسكال بطرس
ثروة طبيعية تختصر الجمال... أنها تنورين التي تستوقفك أمام لوحاتها الطبيعية، الأثرية، التراثية، البيئية الزراعية، جامعةً بين ماضيها العريق المتجسّد بآثارها اليونانية والصليبية وأرزاتها المعمّرة المحمية عبر التاريخ، وحاضرها الجذّاب المتمثّل بلوحاتها الطبيعية ومغاورها الساحرة و»بواليعها» الرائعة الجمال.
في إطار جولاتها على المناطق اللبنانية، تستهلّ "الجمهورية" زياراتها ببلدة "تنورين"، التي تعتبر من البلدات الأساسيّة اللبنانية في قضاء البترون في الشمال. تقع تنورين على مساحة جغرافية تقارب 92 كلم2، أي ما يوازي ثلاثة في المئة من مساحة لبنان، ويتراوح ارتفاعها بين 850 و2850 م عن سطح البحر، وتبعد 85 كلم عن بيروت.
تشكّل البلدة - العاصمة المفترق لمحافظات الشمال وجبل لبنان والبقاع، وهي معاصرة لبعلبك وجبيل وصيدا وصور. كما أنها تحتلّ موقعاً مركزياً بالنسبة إلى محيطها، ففي الشمال تمتدّ من دوما وجبل فغري الى حدود اليمّونة، ومن حدود العاقورة الى حدود بشري وحدث الجبّة، وتقع بين واديين هما وادي القديسين ووادي نهر إبراهيم، وبين أفقا وأرز الرب. وهذا الموقع المميّز يؤهلها لأن تكون مركزاً سياحياً ومحطة انطلاق وتجمّع بالنسبة الى زوّار المنطقة بأكملها.
مجموعة قرى
تقسم تنورين الى قسمين: الفوقا والتحتا، يتباين فيهما العلو وعدد السكان، فتنورين الفوقا مصيف، أما التحتا فمشتى ومصيف في آن واحد وتقع بين نهرين. وتضمّ تنورين مجموعة قرى صغيرة: حوب ووطى حوب (كلمة حوب تعني الحب بالسريانية، وهي ايضاً الدير مثوى الراهب المنقطع الى الله، أما كلمة وطى فمعناها الأرض المنخفضة)، شاتين (وتعني الدوالي)، بلعا (وهي مصيف شاتين ويعبّر عنها اسمها فهي تحوي الكثير من البواليع).
ومن قرى تنورين أيضاً: حريصا أو الحريصة (والاسم كلمة عربية فُصحى تعني الحرص والحراسة)، وادي الجرد الذي يزخر ببساتين الفاكهة وحقول الخضار، أرز تنورين، رأس بنيا، فحتا، خرحل، المركز، قلاع البرج، عين الراحة، وادي تنورين، حوارتا، عين الباطية، نبع الجديد، الفوار، الصليب. فضلاً عن منطقة اللقلوق، المشهورة بالسياحة الشتوية حيث تمارس فيها رياضة التزلج وسط المناظر الخلّابة.
بين التنّور والنور
اسم تنورين هو جمع كلمة "تنور"، وهو ذو معان متقاربة في اللغات السريانية والآرامية والأشورية. في الأشورية تنورو، وفي السريانية تنورا، ومنهم من أنّثَ الاسم فجعله تنورة، وجميعها تعني التنّور، ومكان النار والنور.
عائلاتها
يبلغ عدد سكان تنورين حوالى 40 ألف نسمة، ويتوزعون على العائلات التالية: حرب، مراد، الشاعر، يونس، طربيه، داغر، مطر، غوش، رعيدي، يعقوب، كرم، قمير، فضّول، بكاسيني، عقيقي، فاضل، سركيس، ابي عبدو، روفايل، أبي خليل، الهاشم، بشاره، خوري، عاقوري، عزيز، ابراهيم، الجميل، تنوري، زغيب.
طبيعتها
تنورين جنّة مثمرة تنتج أطيب الفاكهة، وتضم أراضٍ صالحة للزراعة حيث غرست بأشجار التفاح المميّزة وبأنواع عدّة من الفاكهة والخضار.
وتعتمد على زراعة التفاح، وقد شكلت هذه الزراعة تجربة ناجحة في بداية انطلاقتها، وشجعت المزارعين على الاهتمام بها كمورد رزق وعيش كريم، وخصصت لها البساتين.
أرز تنورين
من يزور أرز تنورين، يرتاح لرؤية لوحة مذهلة لغابة شكلت بساطاً أخضر، يغطي مجموعة تلال وقمم ووهاد، شاخ الزمان وبقيت على شبابها تجابه أحداث الدهر عالية الجبين. هذه الغابة تنمو على علو يتراوح بين 1400 و1850م وتبلغ مساحتها حوالى 620 هكتاراً، وهي الأكبر بين مثيلاتها. وبالتالي، تعد محمية أرز تنورين من أهم غابات الأرز في لبنان، اذ يزيد عدد أشجارها على مليون وخمسمئة ألف شجرة /000. 500. 1/؛ وتتوحد مع غابات أرز حدث الجبة (أرز البلاد)، قنات، نيحا، كفور العربة، لتكوّن غابة كبرى يتجاوز عددها أربعة ملايين أرزة /000. 000 .4/، أي حوالى ربع ما تبقّى من أشجار الأرز في لبنان.
ويقارب عدد أشجار المحمية الستين ألفاً، بينها المعمّرة منذ ألف سنة، وهناك أرزتان عمرهما حوالى 3 آلاف سنة؛ فأشجار أرز تنورين هي من أقدم أنواع الأرز، إذ تعود الى الغابة نفسها التي كانت تكسو جبال لبنان زمن الفينيقيين.
ونوع أرز تنورين يسمى Cedrus Libani، وهو الأجمل والأنبل بين الأنواع الأربعة الأخرى الموجودة من الأرز في العالم. وبعض أشجارها يتعالى ليبلغ حوالى 30 م؛ أما جذوعها فمستقيمة وتتفاوت ضخامة بتفاوت أعمارها، فيبلغ محيط بعضها بين 6 و7 م، وترتفع هذه الأشجار بشكل هرمي يكسبها ظلالا وارفة.
مواقع طبيعية وأثرية في محيط المحمية
تتمتّع المنطقة المحيطة بالمحمية بجمالات طبيعية تأخذ بقلب الزائر وروحه، فتبقى محفورة في وجدانه ذكريات حلوة، ترافقه مدى الحياة، أبرزها:
بالوع بعتاره
إنّ الحديث عن غابة الأرز في تنورين لا يقلّ أهمية عن المعالم الطبيعية والأثرية التي توجد في البلدة، من مناظر خلّابة وقلاع وابراج ومعالم طبيعية وعيون. ونستهل بأهمّ البواليع وأضخمها، وهو بالوع بعتاره (بلعا) أو بالوع الجسور الثلاثة، وهو معلم طبيعي يقع في أعالي جرود البترون وعمره آلاف السنين، وتفتخر به بلدة تنورين، يقصده المهتمون والمستكشفون والسيّاح بكثافة، خصوصا في فصلي الربيع والصيف وفي نهاية كل أسبوع.
في منطقة بلعا المتاخمة لللقلوق، وفي "قصر" لا تتعدى مساحته كيلومتراً واحداً، يقع بالوع الجسور الثلاثة، ويبدو قابعاً في منخفض مهيب تشرف عليه أشجار شاهقة أحدثت فيها عوامل التعرية أشكالاً أخّاذة. مصادر مياه البالوع هي من ينابيع اللقلوق وبعتاره وبلعا ومن ذوبان الثلوج في فصل الشتاء. يقع البالوع على بعد كيلومترين من اللقلوق، مجاورا لشاتين ضمن منعطف تحيط به أشيار شاهقة، ويتألف من أربع هوّات يبلغ عمقها 255 م، وتخترقها جسور صخرية طبيعية متراكمة الواحدة فوق الاخرى.
في بعض شهور السنة يصبّ في هوة البالوع الرئيسية شلال من المياه الغزيرة ارتفاعه 90 م ثم يتفرّع في الدهاليز السرية، أمّا الهوّات الثلاث الباقية في البالوع فهي شديدة التعقيد وتحتوي على سراديب وبرك وهوّات متفرقة وقاعات مغمورة بالمياه، متشابكة في بعضها ومنفصلة في البعض الآخر. وفوق الجسر الأوسط للبالوع "محبسة" هي عبارة عن هوّة ومغارة معاً طولها 15 م وعمقها 61 م.
استغرق التكوّن الطبيعي لفوهة البالوع نحو 150 مليون سنة كمنفذ للمياه، وهو بالوع حيّ لا تزال المياه تجري منه (عكس بالوع جورة العبد المجاور له)، وقد ثبت بالاختبار العلمي اتصال مياهه بنهر مَللّي في كفرحلدا.
ويتميز عن سواه من البواليع في لبنان والعالم بأن الوصول إليه سهل نسبياً وشكل فوهته نادر. لذلك يتحدث المستكشفون عن ضرورة تأهيله ووضع إشارات للزائرين وإرشادات للسياح، أو إمدادهم بحبال للسلامة إذا أرادوا الغوص فيه.
بالوع بعتارة لا يعرفه كثيرون في لبنان، لكنه يتمتع بشهرة عالمية. ويروي فادي الشاعر، أحد مالكيه، "أنني كنت أشاهد منذ صغري المستكشفين الفرنسيين ينزلون داخل البالوع بشخاتير هوائية".
وَحشة المكان وسحره يطلقان العنان لمخيّلات الزوار الذين ينسجون حوله الحكايات. فيروي معمرون في البلدة قصصاً عديدة عن البالوع وما فيه، منها "وجود مغاور خفية في الصخور المحيطة بالبالوع عبر الجبل"، ويُقال إن "أدوات قديمة وربما مجوهرات وجدت في محيطه". كما يحكى عن "رصد رجل راكب على خيل يجوب قرب البالوع لحماية كنز معين".
بواليع أخرى
ويقع شمال بالوع بعتاره على مسافة حوالى 300 م منه بالوع آخر يدعى بالوع جورة العبد، عمقه الاجمالي 244 م يتميز بسعته وكثرة تعقداته الكلسية وجمال المناظر في داخله. ويوجد أيضاً بالوع المغراق الذي يتمتع بهوة واسعة عمقه 55 م وله منحدر بطول 100 م وهوة صغيرة بعمق 25 م وسرداب بطول 70 م.
آخر البواليع هو عين رومة التي كانت تدعى عين الرامة، وهي مستنقع تتجمع فيه المياه. وقد اعتبرت هذه العين عجائبية في وقت من الاوقات. وحقيقة الأمر ان هوّة صغيرة تجاور حوض ماء وتتصل به عبر فتحة صغيرة، فإذا ما استخرج منها الماء، ملأها مجدداً الحوض المجاور.
الحريصا
هي إحدى مناطق تنورين المتاخمة للأرز، وتعدّ من أخصب الأراضي الزراعية. وما يتفاخر به أبناء الحريصا وتنورين، هو وجود كنيسة السيدة العذراء الأثرية فيها؛ وعندما انتقلت مجموعة منهم الى درعون في كسروان، أعطوا اسم الحريصا الى المنطقة المشرفة على جونية، وبنوا كنيسة سيدة الحريصا، التي غَدت، في ما بعد، سيدة لبنان، يعيّد لها كل اللبنانيين في شهر أيار. أما سيدة الحريصا قرب الأرز فعيدها في 15 آب، يستقطب آلاف السياح من كافة أرجاء الوطن، وتقام خلاله أجمل الاحتفالات والمهرجانات، حتى غدا مناسبة شعبية للمنطقة والجوار.
وادي تنورين
جنّة يجتاز وسطها نهر الجوز، منساباً بين ظلال الجوز والحور والصنوبر. تتناثر على ضفتيه وفي السفوح منازل يخيّم عليها الهدوء والسكينة، وتحلم على كتفه المقاهي والمنتزهات. ويتمايز وادي تنورين بنبع عذب يتفجر كوثرا محييا توزعه في العالم مؤسسة مياه تنورين.
مغاور في البلدة
تزخر تنورين بكمية كبيرة من المغاور والبواليع التي أثارت اهتمام المنقّبين الجوفيين، فأجروا دراسات حولها. وأهم مغاور تنورين: هوة جيني، ومغارة الرهوة، ومغارة نبع الكرسي (وطى حوب)، ومغارة الشرفة او مغارة مفيد (المصاطب)، ومغارة نبع الشيخ، ومغارة دير حوب وفي آخرها نبع ماء صغير.
آثار العصور القديمة
تنورين بلدة قديمة العهد تحتضن آثارا فينيقية ويونانية ورومانية، ولأنها تطلّ من جبالها على العاقورة وإهدن، وعلى امتداد الساحل، تبرز في هذه الجبال بقايا أربعة حصون متقابلة فوق قمم غيمون وفغري وقرنة النمرود وسير الأسد، وقد شُيِّدت لمراقبة طرق تنورين التي تصل بين الساحل ومناطق بعلبك والبقاع والشمال.
قلعة غيمون
هي فينيقية تقع شمال دير حوب، تجد فيها سورا يطوّق القمة. ويذكر أن المقدم زين بن المقدم أعاد ترميمها ليحمي منطقة تنورين الجردية من غارات التركمان. وتجد في العهد الفينيقي نقوشا في وطى حوب، وإنساناً يحيط به شخصان صغيران، كما تجد في دير مار انطونيوس بقايا رسوم. وفي العهد اليوناني تجد بقايا هيكل حجارته غاية في النحت شيّد على أنقاضه منزل (تنورين الفوقا)، كما تجد أجراناً ومقاعد من حجر.
وتجد في العهد الروماني حمامات قرب عين الشلالة ونبع البارد، وبقايا هيكل في محلة الزويلا مَبني على انقاضه كنيسة تعرف بكنيسة سيدة زويلا في اللقلوق، فضلاً عن بقايا هيكل في حريصا ما زالت آثاره ظاهرة للعيان، الى بقايا هيكل وثني في اللقلوق، وحائط روماني يفصل أراضي تنورين عن أراضي العاقورة. ويذكر أن سيدة حريصا انتقلت من حريصا - تنورين الى درعون لتصبح سيدة لبنان.
ومن آثار البلدة أيضا قلعة بزيدا، وتسميتها على اسم ملكة، وهي كناية عن صخرة مرتفعة كان الآباء والجدود يعرفون الوقت من ظلال أشعة الشمس التي كانت تتركها على جوانبها.
كما تزخر تنورين بآثار فينيقية تحتاج الى تأهيل للمحافظة على قيمتها التاريخية، كونها باتت اليوم ضئيلة جداً وعلى المديرية العامة للآثار العمل بجدية تامة كي لا نفقد ما تبقّى من إرث تاريخي.
ففي محلّة وطى حوب نقوش تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، وفي محلّة عرمون صخرة حفر عليها نقش يمثّل امرأة. وفي هذه البلدة أيضا آثار رومانية، كالطريق القديمة والحمامات وبقايا هيكل في منطقة الحصين يصفه في كتابه المؤرخ الخوراسقف يوسف داغر: "... فوق رابية الحصين تجد حجارة ركام منحوتة، وبعض مداميك قائمة... وعثرنا في الأنقاض على أيقونة عليها اسم الإلهة إيزيس...".
معالم دينية
في تنورين كنائس وأديار كثيرة، وهي تتوزع على أنحاء البلدة والقرى التابعة لها. ويكاد العدد يصل الى 25 بين كنيسة رعائية وأخرى صغيرة أو مهجورة. ففي تنورين التحتا كنيسة رعائية على اسم القديس مار انطونيوس الكبير، وفي الوادي كنيسة مار يعقوب الجديدة، وفي وطى حوب كنيسة مار ضوميط الرعائية وكنيسة سيدة الحارة الحديثة، وهنالك كنيسة سيدة البشارة في شاتين، وكنيسة مار سركيس الجديدة في بلعا، وكنيسة على اسم سيدة الانتقال في تنورين الفوقا.
وفي منطقة حوب دير كبير على اسم القديس انطونيوس الكبير يعود تاريخ بنائه الى ما قبل العام 1500، وكان حينها على اسم السيدة العذراء (سيدة العفصة). وبعد فترة طويلة أتى ثلاثة رهبان واقترحوا نظاماً لرهبانية جديدة، فأقاموا في الدير القديم، واضافوا اليه غرفاً جديدة وكبّروه واصبح على اسم مار انطونيوس الكبير، وذلك في العام 1787.
وفي تنورين أيضاً كهوف صخرية طبيعية شكلت مقرّاً للنسّاك ومركزاً لتأدية واجباتهم الدينية، من أهم المحابس: محبسة مار يعقوب، محبسة مار ضومط، محبسة مار
جرجس...
هذا المزيج الرائع من الألوان والمناظر الخلّابة والتناقضات، جعل البلدة العريقة ذائعة الصيت على غير صعيد في الوطن والعالم كله. إنّما وعلى رغم كلّ ما تتمتّع به من ثروات استثنائية، لم تسلم تنورين من تعرّضها لعقبات ومشاكل يعانيها أهلها، مثل غيرهم من سكان سائر المناطق اللبنانية. وخلال جولة قامت بها في المنطقة، التقت "الجمهورية" الأهالي الذين شرحوا معاناتهم... والتفاصيل في الجزء الثاني.
• نذكّر أنّ "الجمهورية" تفتح صفحاتها أمام قرّائها الراغبين في تسليط الضوء على القضايا والمشاكل التي يواجهونها في مناطقهم، والأفكار- الحلول التي يرونها مناسبة. ولمزيد من المعلومات أو تلقّي الشكاوى، تتم مراسلتنا على البريد الإلكتروني المرفق مع الصورة أعلاه.
تشكّل البلدة - العاصمة المفترق لمحافظات الشمال وجبل لبنان والبقاع، وهي معاصرة لبعلبك وجبيل وصيدا وصور. كما أنها تحتلّ موقعاً مركزياً بالنسبة إلى محيطها، ففي الشمال تمتدّ من دوما وجبل فغري الى حدود اليمّونة، ومن حدود العاقورة الى حدود بشري وحدث الجبّة، وتقع بين واديين هما وادي القديسين ووادي نهر إبراهيم، وبين أفقا وأرز الرب. وهذا الموقع المميّز يؤهلها لأن تكون مركزاً سياحياً ومحطة انطلاق وتجمّع بالنسبة الى زوّار المنطقة بأكملها.
مجموعة قرى
تقسم تنورين الى قسمين: الفوقا والتحتا، يتباين فيهما العلو وعدد السكان، فتنورين الفوقا مصيف، أما التحتا فمشتى ومصيف في آن واحد وتقع بين نهرين. وتضمّ تنورين مجموعة قرى صغيرة: حوب ووطى حوب (كلمة حوب تعني الحب بالسريانية، وهي ايضاً الدير مثوى الراهب المنقطع الى الله، أما كلمة وطى فمعناها الأرض المنخفضة)، شاتين (وتعني الدوالي)، بلعا (وهي مصيف شاتين ويعبّر عنها اسمها فهي تحوي الكثير من البواليع).
ومن قرى تنورين أيضاً: حريصا أو الحريصة (والاسم كلمة عربية فُصحى تعني الحرص والحراسة)، وادي الجرد الذي يزخر ببساتين الفاكهة وحقول الخضار، أرز تنورين، رأس بنيا، فحتا، خرحل، المركز، قلاع البرج، عين الراحة، وادي تنورين، حوارتا، عين الباطية، نبع الجديد، الفوار، الصليب. فضلاً عن منطقة اللقلوق، المشهورة بالسياحة الشتوية حيث تمارس فيها رياضة التزلج وسط المناظر الخلّابة.
بين التنّور والنور
اسم تنورين هو جمع كلمة "تنور"، وهو ذو معان متقاربة في اللغات السريانية والآرامية والأشورية. في الأشورية تنورو، وفي السريانية تنورا، ومنهم من أنّثَ الاسم فجعله تنورة، وجميعها تعني التنّور، ومكان النار والنور.
عائلاتها
يبلغ عدد سكان تنورين حوالى 40 ألف نسمة، ويتوزعون على العائلات التالية: حرب، مراد، الشاعر، يونس، طربيه، داغر، مطر، غوش، رعيدي، يعقوب، كرم، قمير، فضّول، بكاسيني، عقيقي، فاضل، سركيس، ابي عبدو، روفايل، أبي خليل، الهاشم، بشاره، خوري، عاقوري، عزيز، ابراهيم، الجميل، تنوري، زغيب.
طبيعتها
تنورين جنّة مثمرة تنتج أطيب الفاكهة، وتضم أراضٍ صالحة للزراعة حيث غرست بأشجار التفاح المميّزة وبأنواع عدّة من الفاكهة والخضار.
وتعتمد على زراعة التفاح، وقد شكلت هذه الزراعة تجربة ناجحة في بداية انطلاقتها، وشجعت المزارعين على الاهتمام بها كمورد رزق وعيش كريم، وخصصت لها البساتين.
أرز تنورين
من يزور أرز تنورين، يرتاح لرؤية لوحة مذهلة لغابة شكلت بساطاً أخضر، يغطي مجموعة تلال وقمم ووهاد، شاخ الزمان وبقيت على شبابها تجابه أحداث الدهر عالية الجبين. هذه الغابة تنمو على علو يتراوح بين 1400 و1850م وتبلغ مساحتها حوالى 620 هكتاراً، وهي الأكبر بين مثيلاتها. وبالتالي، تعد محمية أرز تنورين من أهم غابات الأرز في لبنان، اذ يزيد عدد أشجارها على مليون وخمسمئة ألف شجرة /000. 500. 1/؛ وتتوحد مع غابات أرز حدث الجبة (أرز البلاد)، قنات، نيحا، كفور العربة، لتكوّن غابة كبرى يتجاوز عددها أربعة ملايين أرزة /000. 000 .4/، أي حوالى ربع ما تبقّى من أشجار الأرز في لبنان.
ويقارب عدد أشجار المحمية الستين ألفاً، بينها المعمّرة منذ ألف سنة، وهناك أرزتان عمرهما حوالى 3 آلاف سنة؛ فأشجار أرز تنورين هي من أقدم أنواع الأرز، إذ تعود الى الغابة نفسها التي كانت تكسو جبال لبنان زمن الفينيقيين.
ونوع أرز تنورين يسمى Cedrus Libani، وهو الأجمل والأنبل بين الأنواع الأربعة الأخرى الموجودة من الأرز في العالم. وبعض أشجارها يتعالى ليبلغ حوالى 30 م؛ أما جذوعها فمستقيمة وتتفاوت ضخامة بتفاوت أعمارها، فيبلغ محيط بعضها بين 6 و7 م، وترتفع هذه الأشجار بشكل هرمي يكسبها ظلالا وارفة.
مواقع طبيعية وأثرية في محيط المحمية
تتمتّع المنطقة المحيطة بالمحمية بجمالات طبيعية تأخذ بقلب الزائر وروحه، فتبقى محفورة في وجدانه ذكريات حلوة، ترافقه مدى الحياة، أبرزها:
بالوع بعتاره
إنّ الحديث عن غابة الأرز في تنورين لا يقلّ أهمية عن المعالم الطبيعية والأثرية التي توجد في البلدة، من مناظر خلّابة وقلاع وابراج ومعالم طبيعية وعيون. ونستهل بأهمّ البواليع وأضخمها، وهو بالوع بعتاره (بلعا) أو بالوع الجسور الثلاثة، وهو معلم طبيعي يقع في أعالي جرود البترون وعمره آلاف السنين، وتفتخر به بلدة تنورين، يقصده المهتمون والمستكشفون والسيّاح بكثافة، خصوصا في فصلي الربيع والصيف وفي نهاية كل أسبوع.
في منطقة بلعا المتاخمة لللقلوق، وفي "قصر" لا تتعدى مساحته كيلومتراً واحداً، يقع بالوع الجسور الثلاثة، ويبدو قابعاً في منخفض مهيب تشرف عليه أشجار شاهقة أحدثت فيها عوامل التعرية أشكالاً أخّاذة. مصادر مياه البالوع هي من ينابيع اللقلوق وبعتاره وبلعا ومن ذوبان الثلوج في فصل الشتاء. يقع البالوع على بعد كيلومترين من اللقلوق، مجاورا لشاتين ضمن منعطف تحيط به أشيار شاهقة، ويتألف من أربع هوّات يبلغ عمقها 255 م، وتخترقها جسور صخرية طبيعية متراكمة الواحدة فوق الاخرى.
في بعض شهور السنة يصبّ في هوة البالوع الرئيسية شلال من المياه الغزيرة ارتفاعه 90 م ثم يتفرّع في الدهاليز السرية، أمّا الهوّات الثلاث الباقية في البالوع فهي شديدة التعقيد وتحتوي على سراديب وبرك وهوّات متفرقة وقاعات مغمورة بالمياه، متشابكة في بعضها ومنفصلة في البعض الآخر. وفوق الجسر الأوسط للبالوع "محبسة" هي عبارة عن هوّة ومغارة معاً طولها 15 م وعمقها 61 م.
استغرق التكوّن الطبيعي لفوهة البالوع نحو 150 مليون سنة كمنفذ للمياه، وهو بالوع حيّ لا تزال المياه تجري منه (عكس بالوع جورة العبد المجاور له)، وقد ثبت بالاختبار العلمي اتصال مياهه بنهر مَللّي في كفرحلدا.
ويتميز عن سواه من البواليع في لبنان والعالم بأن الوصول إليه سهل نسبياً وشكل فوهته نادر. لذلك يتحدث المستكشفون عن ضرورة تأهيله ووضع إشارات للزائرين وإرشادات للسياح، أو إمدادهم بحبال للسلامة إذا أرادوا الغوص فيه.
بالوع بعتارة لا يعرفه كثيرون في لبنان، لكنه يتمتع بشهرة عالمية. ويروي فادي الشاعر، أحد مالكيه، "أنني كنت أشاهد منذ صغري المستكشفين الفرنسيين ينزلون داخل البالوع بشخاتير هوائية".
وَحشة المكان وسحره يطلقان العنان لمخيّلات الزوار الذين ينسجون حوله الحكايات. فيروي معمرون في البلدة قصصاً عديدة عن البالوع وما فيه، منها "وجود مغاور خفية في الصخور المحيطة بالبالوع عبر الجبل"، ويُقال إن "أدوات قديمة وربما مجوهرات وجدت في محيطه". كما يحكى عن "رصد رجل راكب على خيل يجوب قرب البالوع لحماية كنز معين".
بواليع أخرى
ويقع شمال بالوع بعتاره على مسافة حوالى 300 م منه بالوع آخر يدعى بالوع جورة العبد، عمقه الاجمالي 244 م يتميز بسعته وكثرة تعقداته الكلسية وجمال المناظر في داخله. ويوجد أيضاً بالوع المغراق الذي يتمتع بهوة واسعة عمقه 55 م وله منحدر بطول 100 م وهوة صغيرة بعمق 25 م وسرداب بطول 70 م.
آخر البواليع هو عين رومة التي كانت تدعى عين الرامة، وهي مستنقع تتجمع فيه المياه. وقد اعتبرت هذه العين عجائبية في وقت من الاوقات. وحقيقة الأمر ان هوّة صغيرة تجاور حوض ماء وتتصل به عبر فتحة صغيرة، فإذا ما استخرج منها الماء، ملأها مجدداً الحوض المجاور.
الحريصا
هي إحدى مناطق تنورين المتاخمة للأرز، وتعدّ من أخصب الأراضي الزراعية. وما يتفاخر به أبناء الحريصا وتنورين، هو وجود كنيسة السيدة العذراء الأثرية فيها؛ وعندما انتقلت مجموعة منهم الى درعون في كسروان، أعطوا اسم الحريصا الى المنطقة المشرفة على جونية، وبنوا كنيسة سيدة الحريصا، التي غَدت، في ما بعد، سيدة لبنان، يعيّد لها كل اللبنانيين في شهر أيار. أما سيدة الحريصا قرب الأرز فعيدها في 15 آب، يستقطب آلاف السياح من كافة أرجاء الوطن، وتقام خلاله أجمل الاحتفالات والمهرجانات، حتى غدا مناسبة شعبية للمنطقة والجوار.
وادي تنورين
جنّة يجتاز وسطها نهر الجوز، منساباً بين ظلال الجوز والحور والصنوبر. تتناثر على ضفتيه وفي السفوح منازل يخيّم عليها الهدوء والسكينة، وتحلم على كتفه المقاهي والمنتزهات. ويتمايز وادي تنورين بنبع عذب يتفجر كوثرا محييا توزعه في العالم مؤسسة مياه تنورين.
مغاور في البلدة
تزخر تنورين بكمية كبيرة من المغاور والبواليع التي أثارت اهتمام المنقّبين الجوفيين، فأجروا دراسات حولها. وأهم مغاور تنورين: هوة جيني، ومغارة الرهوة، ومغارة نبع الكرسي (وطى حوب)، ومغارة الشرفة او مغارة مفيد (المصاطب)، ومغارة نبع الشيخ، ومغارة دير حوب وفي آخرها نبع ماء صغير.
آثار العصور القديمة
تنورين بلدة قديمة العهد تحتضن آثارا فينيقية ويونانية ورومانية، ولأنها تطلّ من جبالها على العاقورة وإهدن، وعلى امتداد الساحل، تبرز في هذه الجبال بقايا أربعة حصون متقابلة فوق قمم غيمون وفغري وقرنة النمرود وسير الأسد، وقد شُيِّدت لمراقبة طرق تنورين التي تصل بين الساحل ومناطق بعلبك والبقاع والشمال.
قلعة غيمون
هي فينيقية تقع شمال دير حوب، تجد فيها سورا يطوّق القمة. ويذكر أن المقدم زين بن المقدم أعاد ترميمها ليحمي منطقة تنورين الجردية من غارات التركمان. وتجد في العهد الفينيقي نقوشا في وطى حوب، وإنساناً يحيط به شخصان صغيران، كما تجد في دير مار انطونيوس بقايا رسوم. وفي العهد اليوناني تجد بقايا هيكل حجارته غاية في النحت شيّد على أنقاضه منزل (تنورين الفوقا)، كما تجد أجراناً ومقاعد من حجر.
وتجد في العهد الروماني حمامات قرب عين الشلالة ونبع البارد، وبقايا هيكل في محلة الزويلا مَبني على انقاضه كنيسة تعرف بكنيسة سيدة زويلا في اللقلوق، فضلاً عن بقايا هيكل في حريصا ما زالت آثاره ظاهرة للعيان، الى بقايا هيكل وثني في اللقلوق، وحائط روماني يفصل أراضي تنورين عن أراضي العاقورة. ويذكر أن سيدة حريصا انتقلت من حريصا - تنورين الى درعون لتصبح سيدة لبنان.
ومن آثار البلدة أيضا قلعة بزيدا، وتسميتها على اسم ملكة، وهي كناية عن صخرة مرتفعة كان الآباء والجدود يعرفون الوقت من ظلال أشعة الشمس التي كانت تتركها على جوانبها.
كما تزخر تنورين بآثار فينيقية تحتاج الى تأهيل للمحافظة على قيمتها التاريخية، كونها باتت اليوم ضئيلة جداً وعلى المديرية العامة للآثار العمل بجدية تامة كي لا نفقد ما تبقّى من إرث تاريخي.
ففي محلّة وطى حوب نقوش تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، وفي محلّة عرمون صخرة حفر عليها نقش يمثّل امرأة. وفي هذه البلدة أيضا آثار رومانية، كالطريق القديمة والحمامات وبقايا هيكل في منطقة الحصين يصفه في كتابه المؤرخ الخوراسقف يوسف داغر: "... فوق رابية الحصين تجد حجارة ركام منحوتة، وبعض مداميك قائمة... وعثرنا في الأنقاض على أيقونة عليها اسم الإلهة إيزيس...".
معالم دينية
في تنورين كنائس وأديار كثيرة، وهي تتوزع على أنحاء البلدة والقرى التابعة لها. ويكاد العدد يصل الى 25 بين كنيسة رعائية وأخرى صغيرة أو مهجورة. ففي تنورين التحتا كنيسة رعائية على اسم القديس مار انطونيوس الكبير، وفي الوادي كنيسة مار يعقوب الجديدة، وفي وطى حوب كنيسة مار ضوميط الرعائية وكنيسة سيدة الحارة الحديثة، وهنالك كنيسة سيدة البشارة في شاتين، وكنيسة مار سركيس الجديدة في بلعا، وكنيسة على اسم سيدة الانتقال في تنورين الفوقا.
وفي منطقة حوب دير كبير على اسم القديس انطونيوس الكبير يعود تاريخ بنائه الى ما قبل العام 1500، وكان حينها على اسم السيدة العذراء (سيدة العفصة). وبعد فترة طويلة أتى ثلاثة رهبان واقترحوا نظاماً لرهبانية جديدة، فأقاموا في الدير القديم، واضافوا اليه غرفاً جديدة وكبّروه واصبح على اسم مار انطونيوس الكبير، وذلك في العام 1787.
وفي تنورين أيضاً كهوف صخرية طبيعية شكلت مقرّاً للنسّاك ومركزاً لتأدية واجباتهم الدينية، من أهم المحابس: محبسة مار يعقوب، محبسة مار ضومط، محبسة مار
جرجس...
هذا المزيج الرائع من الألوان والمناظر الخلّابة والتناقضات، جعل البلدة العريقة ذائعة الصيت على غير صعيد في الوطن والعالم كله. إنّما وعلى رغم كلّ ما تتمتّع به من ثروات استثنائية، لم تسلم تنورين من تعرّضها لعقبات ومشاكل يعانيها أهلها، مثل غيرهم من سكان سائر المناطق اللبنانية. وخلال جولة قامت بها في المنطقة، التقت "الجمهورية" الأهالي الذين شرحوا معاناتهم... والتفاصيل في الجزء الثاني.
• نذكّر أنّ "الجمهورية" تفتح صفحاتها أمام قرّائها الراغبين في تسليط الضوء على القضايا والمشاكل التي يواجهونها في مناطقهم، والأفكار- الحلول التي يرونها مناسبة. ولمزيد من المعلومات أو تلقّي الشكاوى، تتم مراسلتنا على البريد الإلكتروني المرفق مع الصورة أعلاه.
الأكثر قراءة
الأكثر قراءة
08:07
هيكل: أنا أعطيت هذه الأوامر
1
08:01
تظاهرات النازحين: انتشار أمني ـ سياسي... والمقاربة المختلفة بين برّاك وعيسى
2
07:52
حربُ الأخبار الكاذبة: جزءٌ من حرب هجينة
3
09:11
نصابُ الجلسة النيابية "التطيير"... تابع
4
Dec 16
الحرب مؤجّلة حتى الربيع
5
Dec 16
"تدرّبا في لبنان"... بريطانيا تتّهم شخصين بالانتماء الى "الحزب"
6
07:45
معضلة زيلينسكي: إلى أي حدّ على أوكرانيا أن تتنازل؟
7
08:45
تحضيراتٌ ناشطة لباريس و"الميكانيزم"... وواشنطن "لمنع تفجير الحرب"
8