ابراهيم معلوف لـ«الجمهورية»: لم أكُن أعرف لبنان لكنّني اتّخذتهُ وطناً
ابراهيم معلوف لـ«الجمهورية»: لم أكُن أعرف لبنان لكنّني اتّخذتهُ وطناً
ميريام سلامة
جريدة الجمهورية
Thursday, 07-Aug-2014 00:09
والده عازف البوق نسيم معلوف، والدته عازفة البيانو ندى معلوف، عمّه الكاتب والأديب أمين معلوف، جدّه الصحافي، الشاعر والموسيقي رشدي معلوف. أما هو، فيدعى ابراهيم معلوف وقد ورث عن عائلته الإبداع والفكر والحسّ الموسيقي العبقري. هو اللبناني الذي لا يعرف لبنان والذي تعرّف إليه عبر الموسيقى العربية التي تجلّت موهبةً فطريةً داخله خالقةً في قلبه حنيناً إلى وطنه على رغم أنه لم يزره يوماً.
هو عازف البوق (Trompette) والمؤلف الموسيقي العالمي ابراهيم معلوف اللبناني الأصل الذي عاش حياته في فرنسا من دون أن ينسى يوماً جذوره وتراب وطنه الأم. على الرغم من ابتعاده عن لبنان، تشرّب الثقافة العربية - اللبنانية من والديه وعائلته الذين شكّلوا عبر الزمن محطّةً مهمة جداً في عالم الفن والموسيقى والأدب والصحافة.

وقد اختار معلوف هذه السنة التعرّف إلى بلده وعزف الموسيقى على أرضه في قلعة أجداده الفينيقيين، فالتقت ثقافته العربية بالغربية في ألحان موسيقى البوق التي تفرّد بعزفها وورثها عن أبيه، مخترع هذا اللون الموسيقي على آلة البوق. فاستقبلت جبيل عازفها العالمي إلى جانب أب الجاز الإثيوبي مولاتو أستاتكي في حفلِ جاز ضخم ترك حضوره في حال من الإنخطاف الموسيقي المجدّد للروح والأمل.

«الجمهورية» التقت معلوف الذي خصّها بحديث حمل معاني عميقة عبّر عنها بطريقة طريفة ومليئة بالمشاعر والأحاسيس. فهو يافع القلب والروح، مرح ومحبّ للحياة. عندما تلتقيه تفهم جمال الموسيقى التي يعزفها وتدرك أنه أحد أولئك الموسيقيين الذين لم ولن ينسوا موطنهم حتى ولو لم يعرفوه يوماً.

تعبيرٌ عن المشاعر

وقد بدأ معلوف حديثه لـ«الجمهورية» بافتخار، شارحاً أنه يعزف الموسيقى على البوق التي خلقها والده، «فهو مبدع وعبقري في هذا المجال لأنه استطاع مزج الهوية العربية بموسيقى البوق دون حدود. لقد أخذت منه هذا الإبداع وبنيت عالمي حوله. لا أجده صعباً لأنني ولدت في هذا العالم، وفي الواقع هو أسهل ما في حياتي». إنّ الموسيقى التي يعزفها تعبّر عن مشاعره فلا يمكنه أن يتخيّل عزفه البوق دون أن يشعر بالموسيقى.

فللموسيقى هدف وهو التعبير عن المشاعر. «التقنية الوحيدة التي أتبعها في عزفي هي أن أكون صادقاً إلى أبعد حدود. فلا أخفي شيئاً أثناء عزفي ولا ألعب أيّ دور. لستُ الموسيقي الذي يستمتع بالشهرة ولا أبحث عنها. أنا أعزف الموسيقى لأنني لا أعرف القيام بأيّ شيء آخر في الحياة».

رسالته مزيج ثقافات

فهو يعتقد أنّ لا رسالة معيّنة، سياسية كانت أم عقائدية، للموسيقى التي يعزفها، ولكنه متأكد من أنها مزيج تختلط فيه الثقافات المختلفة وفيه كثير من الموسيقى العربية. ويعتبر أنّ الموسيقى التي يعزفها تعبّر بنحو كبير عن فخره بكونه لبنانياً وعربياً. ويعبّر عن هذا الأمر عبر إضافة النغمة العربية على مختلف الأنواع الموسيقية التي لا تتلاقى في أسلوبها مع الأسلوب الموسيقي العربي.

النجاح بالنسبة إليه هو عندما يستطيع المرء كسب عيشه من ما يعشق القيام به. وقد اعتبر أنه «محظوظ جداً لأنني أعمل كثيراً فقد عزفت في أكثر من 300 حفل في أكثر من 25 بلداً خلال السنتين الأخيرتين. إذاً أقوم بجولات تماماً مثل مغنيي البوب ولكن الفرق أنني أعزف الموسيقى فقط، الأمر الذي بات نادراً في أيامنا هذه. لذلك أعتبر أنّ هذا الأمر دليل على نجاحي وعلى حبّ الناس للموسيقى التي أعزفها. وهذا أكثر ما يهمّني».

وقف معلوف إلى جانب موسيقيين عالميين كثُر ويعتبر «أنّ العزف إلى جانب عمالقة عالميين في الموسيقى مثل ستينغ، فانيسا بارادي، مارسيل خليفة وغيرهم أمر جميل جداً يبعث في داخلي الإثارة ويشرّفني دائماً قبول دعواتهم للعزف معهم. هي لحظة فرح عظيمة بالنسبة إلي عندما أتشارك معهم الأوقات الرائعة التي ستظلّ عالقة في ذاكرتي ولن أنساها أبداً».

عائلة عريقة بالثقافة

من البديهي أن يتأثر معلوف بوالديه وعائلته التي تزخر بالمواهب الموسيقية والأدبية، فعندما سألناه عن تأثره بهم وعما أضافه هذا الأمر في مسيرته المهنية قال: «لم أشعر يوماً بالضغط في اتخاذ الموسيقى مهنةً لي كوني أتحدّر من عائلة موسيقية وأدبية عريقة، فعندما كنتُ يافعاً أردتُ درس الهندسة ولكن عندما بلغت سن الـ22 قررت دخول عالم الموسيقى نهائياً.

أما الآن، بعدما كبرت وفهمت الحياة، بدأت أدرك وأتلمّس عظمة عائلتي وما قامت به في مجال الفن والأدب. فإدراكي هذا بدأ يُشعرني بالضغط الآن لأنه عليّ متابعة المسيرة ولن أتقاعس عن تحقيق الإبداع الذي حقّقه كل فرد من أفرادها».

إزدواجية ثقافية

يفتخر معلوف بكونه لبنانياً، «فبفضل ثقافتي المزدوجة، العربية - اللبنانية، والفرنسية - الغربية، تمكنتُ أن أعيش وأفهم العالم بطرق مختلفة. عندما أصادف موقفاً معيّناً في الحياة أستطيع أن أفهم جميع وجهات النظر حوله، مثلاً عندما أتكلّم مع شخص معيّن أستطيع أن أفهم معاني عدّة لما يقوله. فأجد أنّ طريقة عيشي هذه فريدة من نوعها ومثيرة إلى حدّ ما لأنني لست دائماً على يقين من ما أفعله أو أقوله.

فإنني أشكّك في نفسي دائماً وأحاول أن أجد التنازلات الملائمة في الحياة. وأحياناً أجد صعوبة في القيام بذلك لأنني أشعر بأنني مصابٌ بانفصام الشخصية، ولكن في غالبيّة الأوقات تساعدني ازدواجية ثقافتي في فهم الأمور والتغلّب على الصعوبات كذلك فإنَّ هذا الأمر يُساعد الأشخاص الذين أحبّهم أيضاً»، على حَدّ قوله.

ويتابع قائلاً: «بالنسبة إليّ فإنّ لبنان وطني وليس بلدي. إنني لبناني 100% وفرنسي 100%. ومن الصعب جداً تفسير الأمر إلى شخص لم يختبر هذه الإزدواجية يوماً.

مثلاً، في هذه الأثناء، أجد صعوبة في قيامي بمقابلات لأنني أفهم تقريباً كل ما يُطرح عليّ من أسئلة في اللهجة اللبنانية ولكن عندما أتكلّم بالكاد يفهمون عليّ ومن الواضح أنني لا أتكلّم اللهجة اللبنانية جيداً. أما في ما يتعلّق بالمفردات والمصطلحات العربية، فإنّ معرفتي محدودة لأنني لم أعش يوماً في لبنان».

وأنهى حديثه قائلاً: «إنّ ثقافتي لبنانية - عربية بامتياز. فعندما أعزف الموسيقى، خصوصاً التقسيم، لا يمكن للجمهور معرفة أنني لم أعش يوماً في لبنان. فبعد انتهاء حفلاتي، خصوصاً في البلاد الغربية، يتهافت العرب إليّ ويتكلمون معي ظناً منهم أنني جزائري أو تونسي. ولكنني لا أفهم أيّ كلمة ممّا يقولون فيسألونني: «ألست جزائرياً أو تونسياً؟» وفي كل مرة أضطرّ للإعتذار عن عدم قدرتي على الإجابة باللغة العربية.

إنما اليوم أعمل على تغيير هذا الأمر، فابنتي ستبلغ الخامسة قريباً ولا يمكنني أن أعيش دقيقة أخرى من دون توريثها هذه الثقافة. لذا أبذل جهدي الآن لكي أتعلّم كتابة اللغة العربية وقراءتها مجدداً، وسأقوم بكلّ ما يلزم لكي أعطيها الجنسية اللبنانية».

إفتخرت قلعة جبيل أمس عندما سمعت ابن لبنان يعزف الموسيقى على أرضها. فحبّه للبنان دفعه للتعرُّف إليه من دون زيارته فاكتفى بموهبته الفطرية التي انبثقت موسيقى عربية عزفها على آلة لا يتطابق أسلوبها مع هذا اللون.
theme::common.loader_icon