شرعية سيطرة روسيا على محافظة كالينينغراد مثار جدل
شرعية سيطرة روسيا على محافظة كالينينغراد مثار جدل
د. زياد منصور
جريدة الجمهورية
Wednesday, 09-Jul-2014 23:41
يبدو أنّ إرتدادات الإنفصال أو ضمّ الأراضي والإستقلال الذاتي للمقاطعات التي شرعنتها أو دعمتها روسيا، بدأت تتجلى بانعكاسات خطيرة على كامل الفضاء المسمى الإتحاد السوفياتي السابق، أو إتحاد الجمهوريات المستقلة، والتي سيُعاد في نتيجتها صياغة جديدة للجيوسياسة التي تكرّست في مؤتمرات القرم وطهران بعيد الحرب الثانية، وتلك التي ظهرت بعد سقوط جدار برلين.
آخر هذه الإرهاصات والتداعيات، كثرة التصريحات والمواقف المستعرة حول الوضعية القانونية لكالينينغراد كمحافظة والمؤلفة من مدن مهمة وهي: باغراشينوفسك، بالتييسك، تشيرنياخوفسك، غوريفسك، كالينينغراد سكايا أوبلاست، غوسيف، غفارديسك، كالينينغراد، كراسنوزنامينسك، لادوشكين، مامونوفو، نيمان، نستروف، اوزايورسك، بيونيرسكي، بوليسك، برافدينسك، سلافسك، سوفتسك، كالينينغراد أوبلاست، سفتلوغورسك، سفتلي، زيلينوغرادسك.

فلكالينينغراد واقع جغرافي مختلف، إذ أنّها ترتبط فقط بحراً بروسيا و براً بدول مجاورة لروسيا وهي بولندا من الجنوب ولتوانيا من الشمال والشرق، وتحيطها شمالاً مياه بحر البلطيق، وتفصلها مسافة قصيرة نسبياً عن موانئ ومراكز تجارية أوروبية كثيرة، وبينها:

فيلنيوس في لتوانيا - 350 كيلومتراً، ريغا في لاتفيا - 390 كيلومتراً، وارسو في بولندا -400 كيلومتر، مينسك في بيلوروسيا) - 550 كيلومتراً، برلين في ألمانيا- 600 كيلومتر، كوبنهاغن في الدنمارك- 680 كيلومتراً، اوسلو في النروج - 850 كيلومتراً.

أمام هذا الواقع، بدأت تظهر قوى سياسية في الدول المجاورة لها، تتساءل عن مدى قانونية كالينينغراد وإنتمائها إلى روسيا الإتحادية، وهو ما تخوّف منه نائب محافظ كالينينغراد مخائيل بلوخين في أكثر من مناسبة.

بلوخين يستند الى تصريحات صدرت عن رئيس ليتوانيا، قال فيها :»إنّ كالينينغراد هي مهد الثقافة والأدب والحضارة الليتوانية، وهي تنتمي إلينا».
كما لا يخفي بلوخين تخوّفه من قيام هذه الدول بخطوات تحدّ من النشاط التجاري والبري وتعزل المحافظة كليا عن موسكو الأم.

ويتعزّز خوف الإدارة السياسية للمحافظة من أن يتمّ تصدير ما يجري في الدول المجاورة من متغيرات وإنقلابات كما في أوكرانيا الى كالينينغراد، على رغم تأكيدها أنّه لا توجد أرضية لحراك شعبي مماثل يطالب بالإنضمام الى أوروبا أو دول البلطيق، إلاّ إذا حاول البعض من الجوار التدخل في شؤون المحافظة ونقل صراعاته إلينا، في إشارة الى أوكرانيا وليتوانيا وبولونيا. كما أنّه لم نلمس توجهات أو قوى في الداخل تعتقد أنّه في استطاعتها العيش خارج الحاضنة الروسية، بل ليس هناك أرضية لذلك.

وفي نظر هذه الإدارة على رغم كل هذه المناعة لا يمكن أن تسقط من حساباتها، أنّه وبناء لتقارير الجهات المختصة، لوحظ دخول وتدفق عدد كبير من الشبان الأوكرانيين عبر الحدود الأوكرانية الى كالينينغراد من دون أن تتضح الأهداف الحقيقية لزياراتهم، هؤلاء الوافدون لا يخفون لا انتماءاتهم السياسية باعتبارهم نشطاء في الميدان أو انتماءهم إلى شبكات نشطت في الأحداث الأوكرانية.

وإذ تعتبر الإدارة السياسية أنّه لا يمكن «منع زيارة كل من يرغب محافظتنا»، لكنّها تبدي «قلقها» من قيام البعض بتعليق أعلام دول أخرى على المباني الرسمية، كمحاولة تعليق العلم الألماني على مبنى المخابرات الفيدرالية في المدينة.

في المقابل تعتقد أوساط متابعة أنّ هذه المواقف للإدارة السياسية لكالينينغراد تأتي في سياق موجة التحريض الهادفة الى إستثارة الرأي العام الروسي والمتأججة بقوة هذه الأيام على خلفية الأحداث الدموية في أوكرانيا، والتي تتحمل مسؤوليتها إدارة بوتين التي قررت ضم القرم، فأدخلت كل الجمهوريات السابقة في موجة من الفوضى العبثية.

ويلفت مسؤولون في ليتوانيا على سبيل المثال إلى أنّ هذا هو جزء من الحرب الإعلامية، خصوصاً وأنّ روسيا تمرّ بوضع أدخلت نفسها في معمعتها، وهي حملة موجهة إلى الداخل لضبطه.

وتشيرهذه الأوساط إلى أنّ موضوع كالينينغراد له حساسيته المفرطة بالنسة لروسيا، فإذا كانت روسيا تتعاطى مع أوكرانيا وكأنها أراض روسيا تاريخياً، فهناك إعتقاد أقوى أنّ كالينينغراد لا تقلّ أهمية.

وتفيد هذه الأوساط أنّ السجال الهامد حول كالينينغراد سيستعر مخافة تمدّد الناتو أكثر الى العمق الروسي، وبالتالي فإنّ ما يجري هو محاولة روسية لتبرير عسكرة هذه المحافظة، حيث يتم الترويج لفكرة أنّ الغرب يهدف الى تحريك الأوضاع هناك كما في اوكرانيا.

فالقلق كبير من تمركز الناتو في الجوار بقوة كبيرة، وهو يجري مناورات عسكرية ضخمة ونحن لا يمكن هنا إلا أن نأخذ احتياطاتنا وتدابيرنا، فالتخلي عن مناطق إستراتيجية هو خيانة عظمى للتاريخ وللدماء التي سفكت هناك، كما يعني تقويض لفكرة الأمبراطورية الروسية الشاسعة التي عمرها من عمر التاريخ.

theme::common.loader_icon