أنسي الحاج ... لا يُناقَش
أنسي الحاج ... لا يُناقَش
طوني نجم
جريدة الجمهورية
Wednesday, 19-Feb-2014 00:13
«كنتُ أنتظره عندما كان يأتي إلى منزلنا لزيارة والدي، وإذا أردتُ وصفه، أعجزُ عن إيجاد الكلمة المناسبة، ولكنّني أستطيع القول إنّه إنسان مرهف الإحساس، وجميلٌ روحاً وشكلاً»، هكذا وصفَت الكاتبة مايا حبشي الأشقر الراحل أنسي الحاج.
مايا حبشي الأشقر هي ابنة الروائي والكاتب يوسف حبشي الأشقر، صديق أنسي الحاج، الذي كان يشاطره الأفكار الوجدانية والفكرية الجميلة نفسها، بعيداً من التنظيرات التي كانت تحوم حول جلسات المفكّرين في ثمانينات القرن الماضي، وتقول في حديث لـ»الجمهورية»: «الشعور الذي تملّكني أوّل مرّة قابلتُ فيها أنسي هو الحشريّة، حشريّة معرفة هذا الإنسان الذي يتحدّث شعراً سهلاً، وحديثاً، وعندما تعرّفت إليه أكثر، صارت كلماته تحضُّني على الكتابة، وأنا أدين له بأولى قصائدي وكتاباتي، وهو كان ينقّحها لي، ويلفت نظري إلى الألاعيب اللغوية المحبّبة التي اعتمَدتُها لاحقاً في معظم كتاباتي. وبدأتُ الكتابة، وبدأ أنسي ينشر لي مقالاتي، وكان يتّصل بوالدي ليُذكّرني عندما كنت أتقاعس أحياناً عن الكتابة».

وتُضيف مايا: «أنسي يُحبّ التجديد، ويؤمن بالشباب، وهو عندما يتعرّف إلى موهبة شابّة يتمسّك بها ويحرص على أن تُتابعَ إنتاجها، وهذا ما حصل معي».

وتُتابع: «أنسي المُدافع الأوّل عن المرأة، وهو يدعو الرجل للانسحاق أمامها، إذا دعت الحاجة، حتّى لو لم يفهمها. فدفاعه عن السيّدة فيروز، وعن كلّ ما تُمثِّله من ثوابت وقيَم، وعن كونها «امرأةً» عانت ما عانته، خير دليل على احترامه الشديد لما تُمثّله المرأة في آرائه وشعره. خواطره في المرأة لا تُحصى، منها:

«المعرفة بين رجل وامرأة هي النظرة الأولى. لا تذهب أبعد. أَبقِ المرأة غريبة». أو عندما يقول: «لحظةُ المرأةِ أقْصَر. أعطِها في لحظةٍ ما تستطيع اكتنازه طوال العمر. هي تعطيكَ في لحظتها الأبد».

وعندما عبّر عن دور المرأة الفعّال في حياة الرجل، قال:

«أحبُّ غيابكِ. أحبّ حضوركِ كثيراً، لكنّ غيابكِ أحبّه أكثر. أنْقصُ من دونكِ، أزدادُ اكتمالاً في حضورك، لكنّني أشعر بنقصي من دونك، أقوى من إحساسي بالاكتمال في حضورك. أحبّ غيابكِ».

ويقول أيضاً: «ذاتي الجامحة إليك لن يؤذيها شرٌّ بعدَ الآن، لأنّها حيث تنظر عبر وجهك، لا تسمع غير شوقها ولا ترى غير حلمها، ولا تخاف... ما دمت اللحظة وراء اللحظة وراء اللحظة... إلى أن يسكتَ العصفور».

ويغار على الحبيبة، فيقول: «أغارُ عليك من الطفل الذي كُنتِ ستلدينه لي، من المرآة التي ترسل لك تهديدك بجمالك، من شُعوري بالنقص أمامك، من حُبّك لي، من فنائيَ فيك، ممّا أكتب عنك كأنّني أرتكب فضيحة، مِن العذاب الذي أُعانيه فيك، من العذاب الأكثر بلاغة من المُتعذّبين، من صوتكِ، من نومكِ، من وضع يديك في يدي، من لفظ اسمك، من جهل الآخرين أنّني أُحبّك، من معرفة الآخرين أنّني أُحبّك، من جهل الآخرين أنّني أغار عليك، من معرفة الآخرين أنّني أغار عليك».

ومع أنّه كتبَ مقالات سياسيّة، كان يقول: «الشاعر لا يُلطّخ يدَيه بالسياسة، لكنّ ظهره ينكسر من سكوته عنها وقلبُه يتحطّم. الشاعر لا يلطّخ يديه بالسياسة، لكنّ روحه مطعونة بكلّ حربة».

أجملُ ما قيلَ في الراحل ما كتبهُ شكري جرجس في مجلّة «أخبار الأدب المصريّة»: «أقرأ شعر أنسي الحاج في صمت، ولا أناقش الآخرين في شأنهِ، لا أتحدّث مع أحد عن شعره، وكأنّه طقس سرّي مُمتع، أتأمّله، أفكّر في هذه السطور، وأهمس لنفسي بكلام أنساه بعد لحظات، وأقول: لا تكتب عن أنسي، ولا تتحدّث عنه، إحفظهُ كمحبّة لا تسقط أبداً».
theme::common.loader_icon