نظام مالي عالمي مُتغيّر منذ 2008
نظام مالي عالمي مُتغيّر منذ 2008
اخبار مباشرة
المزيد
اقتصاد
بروفسور غريتا صعب
قد تكون الأزمة المالية التي بدأت في 2007 وما زالت تداعياتها على النظام المالي العالمي وعلى المصارف قد ألقت الضوء على تغييرات جذرية في النظام العالمي، ولا بدّ من دراسة أسبابه ومعالجة تداعياته - وليس التيسير الكمّي الذي يحصل حالياً في الدول الصناعية إلّا انعكاساً واضحاً لهذا التغيير الحاصل والذي قد لا يتيح أيّ عودة الى الوراء.
الغرض من التيسير الكمي الملقّب بـ"المال الرخيص"، هو تحفيز النمو الاقتصادي وأرباح الشركات، وهذا ما يساعد الولايات المتحدة والدول الأخرى التي تعاني مشاكل اقتصادية وبطالة مستمرة على محاولة الخروج من هذه الحلقة المفرغة.
واذا ما كان هذا بالفعل التيسير الكمي، كما درسناه، فإنه ليس سوى تقنية اصلاح موقتة يمكن التخلص منها بمجرد تحسّن الأسواق والاقتصادات- ولكنّ هذا السرد الشائع خطر وخاطئ اذ إنّ الغرض الأساسي من وراء هذه الاستراتيجية شيء آخر تماماً فالتيسير الكمي بدأ ويبقى محاولة دفاعية لتفادي إبادة للأسواق المالية العالمية.
لذلك قد يكون أيّ تفسير أكاديمي غير منطقي، لاسيما وانّ التيسير الكمي الذي بدأ في الولايات المتحدة في العام 2008 لم يكن لتحفيز الاقتصاد ولا لتخفيف نسبة البطالة بل جاء نتيجة حالة طوارئ لتفادي انهيار وول ستريت والنظام المصرفي الأوروبي.
لذلك تعتبر 2008، سنة تغيير جذري من اقتصاد السوق الى اقتصاد اكثر توجهاً تلعب فيه الحكومات دوراً ريادياً، إذ إنه ولغايته لم يطرأ ايّ شيء على الاقتصاد العالمي نعود معه الى ما كنا عليه قبل هذه الأزمة ما يستدعي دراسة الأمور ومعالجتها بشكل مختلف تماماً، لا سيما وانّ الدول ذات المديونية الواسعة تفتقر الى الموارد المالية اللازمة للتعامل مع أزمة مالية اخرى بالطرق التقليدية.
أظهرت السياسات المالية المتّبعة، ومثل جميع النماذج الاقتصادية أنها لا تفسّر تماماً او بالأحرى لا تتناسب مع الواقع الحقيقي- وهي في الواقع أعطت فكرة واضحة على محدوديتها في الأزمات المالية الكبيرة لا سيما الكساد العظيم الذي حدث عام 1929 وأخيراً الركود الكبير في العام 2008.
واذا كانت أسعار الفوائد تلعب دوراً استراتيجياً في هذا النوع من السياسات، إلّا أنها تبقى محدودة في مفاعيلها عندما تصل الى مستويات لا يمكن معها تغيير نسبها وبشكل مؤاتٍ، وعندها تبقى السياسات النقدية التوسعية او الانكماشية غير فعالة، وهذا ما حدث بالفعل عندما تدنّت اسعار الفوائد بنسب كبيرة حتى قاربت الصفر، وهذا ما يُسمّى ZERO Interest Rate Policy ZIRP- لذلك كان لا بدّ للفيديرالي الأميركي وللمركزي الأوروبي من اتباع سياسات غير تقليدية، ضخّا من خلالها اموالاً غير ممولة من الضرائب، وهي بكل بساطة طباعة المال، من أجل انتشال وول ستريت والنظام المصرفي بشكل عام من مخاطر وجودية وفي العام 2008.
وقد تمّ استعمال ما قدره 800 مليار دولار على سبيل الإعارة من قبل الاحتياطي الفيديرالي للمصارف والمؤسسات المالية، وهذا ما سمح لهذه المؤسسات المتعثرة بأن تبقى قابلة للحياة. وهذا ما لم يفهمه الجمهور بما سمح ببيع أسطورة ما يسمّى "المصارف الضعيفة" و"المصارف القوية".
اليوم، تُعتبر المشاكل الأساسية للمصارف كافة مزيجاً ساماً من 3 مخاطر:
• مخاطر الطرف المقابل Counterparty Risk
• مخاطر العدوى Contagion Risk
• مخاطر السيولة Liquidity Risk
يجب ان تُؤخذ هذه المخاطر بالاعتبار أكثر من أيّ وقت مضى ما يجعل خلق كميات غير محدودة من المال الاصطناعي- بطريقة مستقلة عن الضرائب والميزانيات- الحصن المنيع وخط الدفاع الرئيس ضد التهديدات الوجودية للأسواق المالية العالمية.
يبقى أن نلفت الى انّ التيسير الكمي الذي حدث في اليابان عام 2000 لم تكن اسبابه واهدافه كالتي حصلت في العام 2008 في الدول الصناعية ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية.
هذه المفارقة في الأحداث والمفاهيم تظهر، والى حد بعيد، انّ هناك نظاماً عالمياً متغيراً من حيث الرؤيا والأسباب والنتائج، وقد أدخل الناس في أسطورة، كما سبق وذكرنا، إذ إنه لا توجد مصارف قوية. وفي الواقع، ما يسمّى "البنوك القوية" نجت فقط لأنّ مجلس الاحتياطي الأتحادي أنشأ ما يزيد على 800 مليار دولار من العدم وأقرضها هذا المال منعاً لتعسرها الفوري.
وفي حين تكثر عناوين ايجابية في وسائل الأعلام حول ارتفاع اسواق الأسهم وتحسّن الأحوال، يرى موظفو"صندوق النقد الدولي" صورة مختلفة تماماً، إذ إنه وبالنسبة لهم يرون بالفعل مخاطر جدية للنظام المالي العالمي، والتي سببها المؤسسات المالية الكبرى والتي يسمونها "كبيرة جداً لكي تفشل" (too big to fail). وفي وثيقة لهم في العام 2012، شرح موظفو صندوق النقد الدولي هذه المخاطر، والتي يمكن أن تهدر والنظام العالمي بأكمله، وهي التالية:
I. الخطر الرئيسي الأول هو "مخاطر الطرف المقابل مباشرة" (Counterparty risk). وفيها شرحوا أنّ فشل مؤسسة مالية كبرى واحدة يمكن أن يؤدي الى سلسلة من ردود الفعل وخسائر سوف تنتشر مثل الدومينو فتؤثر سلباً في المؤسسات الأخرى، فضلاً عن غيرها من المصارف والمستثمرين في جميع أنحاء العالم.
II. الخطر الرئيسي الثاني هو خطر "السيولة" (Liquidity Risk) لا سيما وأنّ هذه المؤسسات المالية الكبرى تعتمد على الاقتراض في حال حدوث أيّ مشكلة يمكن لهذه المصادر أن تتهرّب ما يعرّض هذه المؤسسات لخطر نقص في السيولة بما يستدعي بيع الأصول الى المقترضين، ويهدّد بذلك النظام المالي العالمي.
III. الخطر الرئيسي الثالث وهو "خطر العدوى" (Contagion Risk) إذ إنّ فشل، أو حتى علامات فشل احدى هذه المؤسسات، يدخل ذعراً في الأسواق. وهذا في حد ذاته كافٍ لإسقاط النظام المالي العالمي.
ومن المفترض أن تكون هذه المخاطر قد أُخذت بالاعتبار بعد الأزمة المالية العالمية، من خلال تخفيف قدرة هذه المؤسسات على تحمّل المخاطر، كذلك تخفيف النسبة المئوية للأصول المالية التي تحملها هذه المؤسسات. ويبقى ذلك افتراضاً إذ إنه وبالممارسة لم تُؤخذ هذه الأمور بالاعتبار، وعلى العكس، كان هنالك، وأكثر من ايّ وقت مضى، دمجٌ أكبر للأصول في هذه المؤسسات.
ومن جملة اقتراحات قدمتها هذه الوثيقة، أنّ العالم حالياً في حاجة الى تغييرات رئيسة في القوانين. وقد وضعوا خطة جريئة حول كيفية الخروج من هذا المأزق مشدّدين على دور "التأمين" في مثل هذه الأوضاع.
وقد تكون هذه الوثيقة الغامضة التي صدرت عن صندوق النقد الدولي بداية لثورة مالية قد تفيد عالم الاستثمار والمال ولكنها تلقي الضوء على أمور لا بدّ من الامعان في دراستها وتحليلها، لا سيما وأنّ ما كُتب عن المؤسسات المالية هو بالتحديد غير مجدٍ، ورهان الدول على بقائها يتعلق وبشكل كبير بإمكانيات هذه الدول في كفالتها ودعمها.
علماً أنّ الدول الصناعية ومنذ 2008، تفعل ذلك. ولكن الى متى؟ إذ لا بدّ من تغيير في مجريات الأمور والتعاطي مع التغيير في النظام المالي العالمي بشكل جدّي، وإبعاد السياسة، وتوفير أدوات كافية لإدارة المخاطر التي يتعرّض لها الاستقرار المالي العالمي.
واذا ما كان هذا بالفعل التيسير الكمي، كما درسناه، فإنه ليس سوى تقنية اصلاح موقتة يمكن التخلص منها بمجرد تحسّن الأسواق والاقتصادات- ولكنّ هذا السرد الشائع خطر وخاطئ اذ إنّ الغرض الأساسي من وراء هذه الاستراتيجية شيء آخر تماماً فالتيسير الكمي بدأ ويبقى محاولة دفاعية لتفادي إبادة للأسواق المالية العالمية.
لذلك قد يكون أيّ تفسير أكاديمي غير منطقي، لاسيما وانّ التيسير الكمي الذي بدأ في الولايات المتحدة في العام 2008 لم يكن لتحفيز الاقتصاد ولا لتخفيف نسبة البطالة بل جاء نتيجة حالة طوارئ لتفادي انهيار وول ستريت والنظام المصرفي الأوروبي.
لذلك تعتبر 2008، سنة تغيير جذري من اقتصاد السوق الى اقتصاد اكثر توجهاً تلعب فيه الحكومات دوراً ريادياً، إذ إنه ولغايته لم يطرأ ايّ شيء على الاقتصاد العالمي نعود معه الى ما كنا عليه قبل هذه الأزمة ما يستدعي دراسة الأمور ومعالجتها بشكل مختلف تماماً، لا سيما وانّ الدول ذات المديونية الواسعة تفتقر الى الموارد المالية اللازمة للتعامل مع أزمة مالية اخرى بالطرق التقليدية.
أظهرت السياسات المالية المتّبعة، ومثل جميع النماذج الاقتصادية أنها لا تفسّر تماماً او بالأحرى لا تتناسب مع الواقع الحقيقي- وهي في الواقع أعطت فكرة واضحة على محدوديتها في الأزمات المالية الكبيرة لا سيما الكساد العظيم الذي حدث عام 1929 وأخيراً الركود الكبير في العام 2008.
واذا كانت أسعار الفوائد تلعب دوراً استراتيجياً في هذا النوع من السياسات، إلّا أنها تبقى محدودة في مفاعيلها عندما تصل الى مستويات لا يمكن معها تغيير نسبها وبشكل مؤاتٍ، وعندها تبقى السياسات النقدية التوسعية او الانكماشية غير فعالة، وهذا ما حدث بالفعل عندما تدنّت اسعار الفوائد بنسب كبيرة حتى قاربت الصفر، وهذا ما يُسمّى ZERO Interest Rate Policy ZIRP- لذلك كان لا بدّ للفيديرالي الأميركي وللمركزي الأوروبي من اتباع سياسات غير تقليدية، ضخّا من خلالها اموالاً غير ممولة من الضرائب، وهي بكل بساطة طباعة المال، من أجل انتشال وول ستريت والنظام المصرفي بشكل عام من مخاطر وجودية وفي العام 2008.
وقد تمّ استعمال ما قدره 800 مليار دولار على سبيل الإعارة من قبل الاحتياطي الفيديرالي للمصارف والمؤسسات المالية، وهذا ما سمح لهذه المؤسسات المتعثرة بأن تبقى قابلة للحياة. وهذا ما لم يفهمه الجمهور بما سمح ببيع أسطورة ما يسمّى "المصارف الضعيفة" و"المصارف القوية".
اليوم، تُعتبر المشاكل الأساسية للمصارف كافة مزيجاً ساماً من 3 مخاطر:
• مخاطر الطرف المقابل Counterparty Risk
• مخاطر العدوى Contagion Risk
• مخاطر السيولة Liquidity Risk
يجب ان تُؤخذ هذه المخاطر بالاعتبار أكثر من أيّ وقت مضى ما يجعل خلق كميات غير محدودة من المال الاصطناعي- بطريقة مستقلة عن الضرائب والميزانيات- الحصن المنيع وخط الدفاع الرئيس ضد التهديدات الوجودية للأسواق المالية العالمية.
يبقى أن نلفت الى انّ التيسير الكمي الذي حدث في اليابان عام 2000 لم تكن اسبابه واهدافه كالتي حصلت في العام 2008 في الدول الصناعية ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية.
هذه المفارقة في الأحداث والمفاهيم تظهر، والى حد بعيد، انّ هناك نظاماً عالمياً متغيراً من حيث الرؤيا والأسباب والنتائج، وقد أدخل الناس في أسطورة، كما سبق وذكرنا، إذ إنه لا توجد مصارف قوية. وفي الواقع، ما يسمّى "البنوك القوية" نجت فقط لأنّ مجلس الاحتياطي الأتحادي أنشأ ما يزيد على 800 مليار دولار من العدم وأقرضها هذا المال منعاً لتعسرها الفوري.
وفي حين تكثر عناوين ايجابية في وسائل الأعلام حول ارتفاع اسواق الأسهم وتحسّن الأحوال، يرى موظفو"صندوق النقد الدولي" صورة مختلفة تماماً، إذ إنه وبالنسبة لهم يرون بالفعل مخاطر جدية للنظام المالي العالمي، والتي سببها المؤسسات المالية الكبرى والتي يسمونها "كبيرة جداً لكي تفشل" (too big to fail). وفي وثيقة لهم في العام 2012، شرح موظفو صندوق النقد الدولي هذه المخاطر، والتي يمكن أن تهدر والنظام العالمي بأكمله، وهي التالية:
I. الخطر الرئيسي الأول هو "مخاطر الطرف المقابل مباشرة" (Counterparty risk). وفيها شرحوا أنّ فشل مؤسسة مالية كبرى واحدة يمكن أن يؤدي الى سلسلة من ردود الفعل وخسائر سوف تنتشر مثل الدومينو فتؤثر سلباً في المؤسسات الأخرى، فضلاً عن غيرها من المصارف والمستثمرين في جميع أنحاء العالم.
II. الخطر الرئيسي الثاني هو خطر "السيولة" (Liquidity Risk) لا سيما وأنّ هذه المؤسسات المالية الكبرى تعتمد على الاقتراض في حال حدوث أيّ مشكلة يمكن لهذه المصادر أن تتهرّب ما يعرّض هذه المؤسسات لخطر نقص في السيولة بما يستدعي بيع الأصول الى المقترضين، ويهدّد بذلك النظام المالي العالمي.
III. الخطر الرئيسي الثالث وهو "خطر العدوى" (Contagion Risk) إذ إنّ فشل، أو حتى علامات فشل احدى هذه المؤسسات، يدخل ذعراً في الأسواق. وهذا في حد ذاته كافٍ لإسقاط النظام المالي العالمي.
ومن المفترض أن تكون هذه المخاطر قد أُخذت بالاعتبار بعد الأزمة المالية العالمية، من خلال تخفيف قدرة هذه المؤسسات على تحمّل المخاطر، كذلك تخفيف النسبة المئوية للأصول المالية التي تحملها هذه المؤسسات. ويبقى ذلك افتراضاً إذ إنه وبالممارسة لم تُؤخذ هذه الأمور بالاعتبار، وعلى العكس، كان هنالك، وأكثر من ايّ وقت مضى، دمجٌ أكبر للأصول في هذه المؤسسات.
ومن جملة اقتراحات قدمتها هذه الوثيقة، أنّ العالم حالياً في حاجة الى تغييرات رئيسة في القوانين. وقد وضعوا خطة جريئة حول كيفية الخروج من هذا المأزق مشدّدين على دور "التأمين" في مثل هذه الأوضاع.
وقد تكون هذه الوثيقة الغامضة التي صدرت عن صندوق النقد الدولي بداية لثورة مالية قد تفيد عالم الاستثمار والمال ولكنها تلقي الضوء على أمور لا بدّ من الامعان في دراستها وتحليلها، لا سيما وأنّ ما كُتب عن المؤسسات المالية هو بالتحديد غير مجدٍ، ورهان الدول على بقائها يتعلق وبشكل كبير بإمكانيات هذه الدول في كفالتها ودعمها.
علماً أنّ الدول الصناعية ومنذ 2008، تفعل ذلك. ولكن الى متى؟ إذ لا بدّ من تغيير في مجريات الأمور والتعاطي مع التغيير في النظام المالي العالمي بشكل جدّي، وإبعاد السياسة، وتوفير أدوات كافية لإدارة المخاطر التي يتعرّض لها الاستقرار المالي العالمي.
الأكثر قراءة
الأكثر قراءة
07:20
المرحلة الثانية: وفق أي قرار؟
1
Dec 21
إحباطُ عملية "بيع عقار" بمستندات مزوّرة... إليكم التفاصيل!
2
Dec 21
"مسؤول أميركي" يكشف: "الحزب" حافظ على شبكات تُهرّب السلاح
3
17:28
غراهام يتهم "حماس" و"حزب الله" بمحاولة إعادة تسليح نفسيهما
4
15:19
الجيش الإسرائيلي: استهدفنا عنصرين من "حزب الله" في ياطر
5
Dec 21
عملية أمنية محكمة في منطقة داريا السورية استهدفت وكراً لتنظيم "داعش"
6
16:39
تفكيك جهاز تجسس إسرائيلي في يارون - بنت جبيل
7
16:13
مسؤول أمني إسرائيلي: الحساب مع "حزب الله" لا يزال مفتوحاً
8