لماذا أثار كلام أزعور وأفرام حفيظة المالية؟
لماذا أثار كلام أزعور وأفرام حفيظة المالية؟
أنطوان فرح
جريدة الجمهورية
Monday, 13-Jan-2014 00:09
يثير وضع المالية العامّة القلق بين أوساط الاقتصاديين، على اعتبار انّ الاستحقاقات في العام 2014 لا تبدو سهلة، خصوصاً اذا لم يساعد الوضع السياسي على تغيير المشهد القائم حالياً. بل انّ الامور قد تسوء اكثر اذا كانت المخاوف من فراغ على مستوى رئاسة الجمهورية في محلها، واذا لم يتمّ التوافق على حكومة أصيلة تُنهي الوضع الشاذ لحكومة تصريف الأعمال المستمر منذ حوالى عشرة أشهر.
لسبب أو لآخر، استفزَّت المواقف المُعبّرة عن مخاوف حيال الوضع المالي العام في البلد، وزارة المالية التي اعتبرت نفسها معنيّة بالردّ على هذا النوع من الكلام. وكان واضحاً انّ البيان الأخير الذي أصدرته يستهدِف بصورة خاصّة الردّ على كلّ من وزير المالية السابق جهاد أزعور، ورئيس جمعية الصناعيين نعمة افرام.

الاوّل تحدث على ضرورة بَرمجة جديدة للإنفاق بطريقة صارمة أكثر ممّا اعتمد عام 2013، ورَفع مستوى السيولة في الخزينة، وتمويل مُسبق لاستحقاقات الدولة عام 2014 من خلال عمليات استبدال للدين، وبرمجة وتنسيق اكبر للعلاقة بين المصرف المركزي ووزارة المالية وضبط الانفاق في ملف الكهرباء.

أمّا رئيس جمعية الصناعيين، فأشار الى عام جديد مُخيف ومقلق وكارثيّ، "إقتصادنا يَنزف ونحن ندفع حوالى 3 مليارات و700 مليون دولار لخدمة الدين العام، ونُنفق على قطاع الكهرباء حوالى مليارين و100 مليون دولار.

وثمّة مشكلة أساسية لدينا تتمَثّل في تصاعد المديونية بوتيرة أعلى بكثير من النمو الاقتصادي... والدولة ستواجه واقعاً صعباً في الاستدانة، الأمر الذي سيُنتج معدلات فائدة أعلى من جهة وانكماشاً إضافياً في الاقتصاد العام وصولاً إلى الركود، ولا سمح الله إلى الانهيار الكبير".

جاء ردّ وزارة المالية من خلال التأكيد على مجموعة أمور، منها أنّ السيولة هي الأعلى تاريخياً في الخزينة، وانّ الإنفاق على الكهرباء تراجَع، والتنسيق قائم بين الوزراة والمصرف المركزي، والعجز في المالية العامّة لسنة 2013 بقيَ هو نفسه تقريباً عمّا كان عليه في العام 2012.

بصَرف النظر عن بعض الخلفيات السياسية التي قد تكون ساهمت في تحريك هذه النقاشات حول ماليّة الدولة، وسواء كان من يُحذّر يبالِغ في تكبير المشكلة، ومن يُطمئن يُبالغ في تصغيرها، فإنّ الأرقام والوقائع لا يمكن الّا أن تشير بوضوح الى وجود أزمة في الأفق، خصوصاً اذا لم تُسعِف السياسة الاقتصاد.

واستخدام وزارة المالية لعبارة انّ العجز "تقريباً" باقٍ كما هو، لا يُقلّل من خطورة الأرقام التي أعلنتها الوزارة نفسها قبل فترة، والتي توضِح أنّ العجز الإجمالي (الموازنة وعمليات الخزينة) بلغ لغاية تشرين الأول 2013 نحو 5,304 مليار ليرة، أي ما نسبته 30.76 في المئة من إجمالي النفقات المحقّقة خلال هذه الفترة، مسجلاً ارتفاعاً قدره 1,269 مليار ليرة، في حين بلغ العجز المحقّق خلال الفترة نفسها من العام الفائت 4,035 مليار ليرة، أي ما نسبته 24.84 في المئة من إجمالي النفقات. وهكذا تعني عبارة "تقريباً" عجزاً إضافياً في العام 2013 يصِل الى نحو مليار دولار مقارنة مع العام 2012.

وفي ظلّ نموّ يتراوح بين 1 و2 في المئة، وتراجُع في الواردات قد يصِل الى 2,5 في المئة، لا يمكن التعاطي مع هذا الرقم بخِفّة، أو التقليل من خطورته، لا سيما انّ أداء الاقتصاد الوطني هو الى تراجع على كل المستويات. وقد اكّد جديّة هذه المخاطر، ما قاله رئيس جمعية المصارف فرانسوا باسيل، في شأن تأثُر المصارف بالوضع القائم، وتأكيده أنّ واردات البنوك ستتقلّص حتماً وتضطر الادارات في المصارف الى اتخاذ الاحتياطات اللازمة.

في موازاة هذه التحذيرات والمخاوف، كلام مُطمئن لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة أدلى به عقب خروجه من السراي، فهو أكّد ثبات الليرة، مشيراً الى ارتفاع حجم الودائع المصرفية الى حوالى 140 مليار دولار، وهذا يعني انّ المصارف لا تزال قادرة على تمويل الدولة.

من خلال استعراض هذه المواقف والأرقام، قد يبدو للوهلة الأولى وجود تناقضات نافرة بين فئة متفائلة وأخرى متشائمة في نظرتها الى وضع المالية العامة في الحقبة المقبلة.

لكنّ التعمّق في المواقف والأرقام في آن، يشير الى انّ فئة تتحدث عن النصف الملآن من الكوب، وفئة تتحدث عن النصف الفارغ. إذ لا يُخفى على أحد انّ المالية العامّة ليست في أحسن أحوالها، ووزارة المال طبعاً ليست مسؤولة عن هذا الوضع، بل تكمن المشكلة في نقطتين: وَضع اقتصادي متأزّم بسبب الاوضاع المحلية والاقليمية، وسياسة إنفاق لا يمكن ضبطها في ظل التوازنات السياسية القائمة.

في المقابل، لا يمكن الاستهانة بأهمية استمرار تدفّق الاموال الى لبنان، والتي تشكّل المصدر الرئيسي لمواصلة تمويل حاجات الدولة. هذه الأموال المودعة في المصارف هي صمّام أمان إضافيّ للمالية العامة، من دون أن يُلغي ذلك مخاطر استمرار نموّ نسَب العجز على مجموع الإنفاق، وبالتالي ارتفاع نسبة الدين العام على الدخل الوطني.

في الخلاصة، يرتبط وَضع المالية العامّة بوَضع الدولة. وهو أشبَه اليوم بممارسة هواية الرقص على حافة الهاوية. اذا تحسّن المناخ السياسي، يُفترض أن يواكبه انفراج اقتصادي، واذا زادت الأزمة السياسية تعقيداً، لا يُستبعَد أن يتعرّض البلد الى أزمة مالية خطيرة.
theme::common.loader_icon