«ضربة معلّم»... في التوقيت الصحيح والمكان المناسب
عمر الصلح
Tuesday, 10-Sep-2013 00:44
يُجمع المراقبون على أهمية زيارة وزير الخارجية السورية وليد المعلم الى موسكو في هذا التوقيت بالذات، لأنها تأتي في ربع الساعة الاخير قبل بدء الضربة العسكرية الأميركية المحتملة لسوريا.
القراءة الاولية لوقائع المؤتمر الصحافي المشترك عقب محادثات وزير الخارجية الروسية لافروف والمعلم في موسكو لا تشير الى ايّ جديد في مواقف الطرفين، فالجانب الروسي كرر التشديد على ضرورة انتهاج طرق الحلّ السلمي للأزمة السورية عبر "جنيف ـ 2"، اما الجانب السوري فكرر معزوفة تحويل سوريا ملجأً لعناصر تنظيم "القاعدة" واذرعتها المتمثلة بـ"جبهة النصرة" وما يعرف بـ"الدولة الاسلامية في الشام والعراق".

ولكن مما لا شك فيه انّ تكرار المواقف ليس سوى مادة للاستهلاك الاعلامي، لأنّ ما جرى خلف كواليس الخارجية الروسية كان أعمق وأكثر تفصيلاً مما ورد على لسان الوزيرين، لأنّ من غير الممكن اجترار المواقف في الوقت الذي باتت اصداء طبول الحرب تعمّ فضاءات منطقة الشرق الاوسط.
بالطبع لم يأتِ المعلم الى موسكو لتكرار مواقف بلاده، او ليستمع من قرب الى مواقف روسيا المتكررة منذ بدء الازمة، بل جاء بناء على صيغة معيّنة قد إتُفق عليها مسبقاً بين الاميركيين والروس.

وهذا ما بدا واضحاً في "ضربة المعلم"، اذ إنّ الرجل أجاب على عرض وزير الخارجية الاميركية جون كيري قبل عشر دقائق من اطلاقه من لندن هذا العرض الذي يجنّب سوريا الضربة الاميركية، وهو انه "يمكن للأسد تفادي التعرض لهجوم اذا سلّم كل الأسلحة الكيماوية للمجتمع الدولي خلال الأسبوع المقبل"، في حين كان المعلّم يعلن قبيل العرض الاميركي من على منبر الخارجية الروسية انّ "دمشق تتعاون مع موسكو في مسألة استخدام الكيماوي لنزع الذرائع وحماية الشعب السوري". الامر الذي يشير في وضوح الى انّ سيناريوهات المؤتمَرين الصحافيَين في لندن وموسكو، يندرجان ضمن توافق اميركي ـ روسي مسبق وغير معلن.

وهذا ما تجسّد في المؤتمر الصحافي للافروف بعد ساعات قليلة من طلب كيري من دمشق "وضع مخزونها من الاسلحة الكيماوية تحت الرقابة الدولية". وما هي الّا دقائق وكان المعلم يعلن موافقة بلاده على المقترح الروسي.

اذاً المعلم ضرب ضربته في التوقيت الصحيح والمكان المناسب، فهو اخذ بـ"ذريعة الكيماوي" التي انهكت قيادته وجعلت منها هدفاً لمسلسل الحروب الاميركية في الشرق الاوسط، ورمى بها على كاهل موسكو التي لم تتوانَ يوماً عن تحمل ايّ مسؤولية في سبيل الحؤول دون توجية ضربة عسكرية الى سوريا منذ بدء الازمة السورية في آذار 2011، زد على ذلك فإنّ ايّ طرف خارجي لا يمكنه أن يشكل ضماناً دولياً لـ"الكيماوي السوري" اكثر من الروس. وانطلاقاً من ذلك جاء تفاؤل لافروف في امكان "دعوة كافة الاطراف المعنية بالتسوية السياسية في سوريا الى موسكو".

ما يعني انّ معالم الصفقة الدولية ستظهر جلية خلال الاسبوع المقبل، اي خلال المهلة المحددة التي أعطاها كيري للنظام السوري لتفادي الضربة العسكرية. ولكنّ هذا التحول الاميركي المفاجئ في اتجاه الحلّ السياسي بعدما دفع اوباما بقواته البحرية في اتجاه سوريا خلال الاسبوع الماضي يثير كثيراً من التساؤلات حول الاهداف غير المعلنة من هذا الحراك المتنقل من لغة العسكر الى لغة السياسة؟

وبحسب مراقبين فإنّ ليس جديداً على الادارة الاميركية اعتماد سياسة "العصى والجزرة"، لأنّ رضوخ النظام السوري للمطلب الاميركي يشكل انتصاراً للولايات المتحدة ويجعلها اللاعب الرئيس على طاولة "جنيف ـ 2 " في اعتبار انّ الرئيس بشار الاسد قد خضع لشروطها، ومن جهة أُخرى يشكل أيضاً انتصاراً للجهود الديبلوماسية الروسية التي تبنّت الحلّ السياسي عبر التفاوض المباشر.
الأكثر قراءة