مانشيت "الجمهورية": المسارات والملفات معقّدة والأكثرية لردّ "الفجوة"... عون: الجيش لا يساوم على السيادة ولا ينحاز إلا للوطن
Tuesday, 30-Dec-2025 06:53

مع بداية السنة الجديدة، تدخل المنطقة في حال من الترقّب لارتدادات اللقاء بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وما يتقرّر فيه حيال نقاط التوتر المتعدّدة فيها، وأيّ مسار ستسلكه، سواء نحو التصعيد، وخصوصاً على جبهة إيران، أو الاتجاه المعاكس لسَيل التكهّنات السابقة لهذا اللقاء، والتي تغلّب المناخ الحربي على ما عداه. وأمّا في لبنان، فتتبدّى أمامه مجموعة مسارات معقّدة، بدءاً أولاً، بالمسار الأمني المرتبط بالاعتداءات الإسرائيلية، المجهولة وجهته، في ظل الغموض الذي يكتنف ما يستبطنه من تطوّرات وربما مفاجآت أكانت سلبية أو إيجابية، وغياب ما حُكيَ عن إنجازات سريعة للجنة «الميكانيزم». وثانياً الملف المالي المعقّد، أكان لجهة موازنة عامة تجمع القراءات حيالها أنّها قاصرة عن تلبية المتطلبات والضرورات، أو لجهة الفجوة المالية التي حفرت فجوات تُهدِّد بطمر أموال المودعين، ودفن حقوقهم في مشروع أقلّ ما يُقال فيه إنّه مرتجَل ومجحِف وبدعة غير مسبوقة. وثالثاً، الملف الإنتخابي، الذي تفصله 5 أشهر عن موعد إجراء الإنتخابات، وقصر هذه المدة، يعني بالتأكيد أنّ هذا الملف بات قاب قوسَين أو أدنى من أن يدخل إلى حلبة الإشتباك السياسي العنيف حوله، ربطاً بما يحوطه من تناقضات وانقسامات واعتراضات، من دون أن ننسى النكد السياسي وغير السياسي. وفيما تؤكّد مصادر رسمية «على إجراء الإنتخابات في موعدها، وأي طرح لتأجيلها مرفوض سلفاً»، أكّد مسؤول كبير لـ»الجمهورية» أنّه «مهما تعدّدت الطروحات والأفكار، فلن يكون هناك تعديل على جوهر القانون الإنتخابي، فلدينا قانون نافذ والمطلوب إجراء الإنتخابات وفق أحكامه».

على الصعيد الأمني، لا تغيير في الوضع، والإعتداءات الإسرائيلية تواصلت على أكثر من منطقة لبنانية، فيما ترتسم في الأجواء علامات استفهام كبيرة حول ما بعد انتهاء مهمّة الجيش اللبناني في جنوب الليطاني، المنتظر أن يصدر إعلان حولها من المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى الموقف الموحّد من قِبل الرؤساء الثلاثة جوزاف عون ونبيه بري ونواف سلام، حول هذا الأمر، المرجّح إعلانه مع مطلع السنة الجديدة، بالتأكيد على المسلّمات والثوابت اللبنانية التي تُركِّز على ثلاثية التزام إسرائيل باتفاق وقف الأعمال العدائية ووقف العدوان، والإنسحاب من الاراضي اللبنانية المحتلة وإطلاق الأسرى.

 

تطمين

المستويات الرسمية والسياسية على اختلافها، وفق ما يقول مسؤول رفيع لـ«الجمهورية»، تعتبر أنّ «لبنان ملتزم بالكامل بالقرار 1701 وباتفاق وقف الأعمال العدائية منذ الإعلان عنه في تشرين الثاني من العام الماضي، وأدّى ما عليه من موجبات حياله، وبالتالي يكون مع انتهاء مهمّة الجيش نهاية السنة الحالية، قد أنجز ما هو مطلوب منه بالكامل، إلّا أنّ ذلك على أهمّيته، يصطدم بالمنحى العدواني الذي تنتهجه إسرائيل، التي لا تُخفي مستوياتها الأمنية والسياسية هدفها الأساس بفرض واقع جديد في المنطقة الحدودية، أساسه ما تسمّى المنطقة العازلة غير المأهولة، وإلزام لبنان بقواعد جديدة في المنطقة تمسّ سيادته بالصميم».

 

وإذ يلفت المسؤول عينه إلى «أنّ لبنان عبّر بشكل واضح وأكيد بأنّه لا يُريد الحرب، ولا يسعى إليها، وأولويته تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة الجنوبية، ومن هنا كان الإلتزام بالاتفاق وعدم خرقه على الإطلاق»، وأضاف أنّ «الوضع لا يبعث على الإطمئنان لعدم وجود رادع لإسرائيل، أو بمعنى أدق، لعدم تبلور حتى الآن إرادة جدّية وملموسة، خصوصاً من قِبل رعاة لجنة «الميكانيزم»، على رغم من الوعود الكثيرة التي قُطِعت، بإلزام إسرائيل بوقف إطلاق النار وتطبيق الشق المتعلّق بها من الاتفاق».

 

ما يقوله المسؤول الرفيع، يتقاطع مع تقدير ديبلوماسي غربي يتوقع «ضغطاً إسرائيلياً على لبنان في المرحلة المقبلة، تحت عنوان نزع سلاح «حزب الله»، وللوصول إلى اتفاق مع لبنان لا يقتصر على البُعد الأمني فقط، بل يتعدّاه إلى البُعد السياسي، علماً أنّ الاتفاق بين لبنان وإسرائيل بشقَيه السياسي والأمني تُشجّع عليه الدول، وهو ما يمكن أن تؤسّس له لجنة «الميكانيزم» بنسختها الجديدة الأمنية والسياسية».

 

مرحلة حساسة

ويُنقَل في هذا الإطار عن سفير دولة كبرى قوله «إنّ المرحلة حساسة، قد تشهد مدّاً وجزراً بالمعنى الأمني، وقد يستمر هذا الجو المتقلّب لبعض الوقت، إلّا أنّ ذلك لا يعني بلوغ التصعيد الواسع والحرب، فوفق معطيات أكيدة، لا أحد يُريد الحرب والتصعيد، وهذا من شأنه أن يُبقي قنوات الحلول مفتوحة، وقابلة لأن تُختَتم بتفاهمات تُلبّي مصلحة كل الأطراف، ونأمل أن يتمّ ذلك في أسرع وقت». وأثنى على أداء الجيش اللبناني، مشدِّداً في الوقت نفسه، على أنّ «قرار حصر السلاح كما قرّرته الحكومة اللبنانية، يُشكِّل فرصة أكيدة لعودة الأمن والإستقرار إلى لبنان، وهذا يوجب على كل الأطراف تسهيل إنجاح هذه المهمّة، وخصوصاً في ما يتعلّق بالمرحلة الثانية من خطة الجيش اللبناني لنزع السلاح».

 

خماسية أم رباعية؟

وعلى رغم من النفي اللبناني لأيّ نقاشات خارج الإطار الأمني والثوابت المعروفة بوقف العدوان والإنسحاب وإطلاق الأسرى، وتأكيده بأنّ مهمّة المفاوض اللبناني في «الميكانيزم» محصورة بهذه الثوابت فقط، إلّا أنّ مرجعاً سياسياً، يقارب برَيبة بالغة الإعلان الإسرائيلي غداة كل اجتماع لـ«الميكانيزم»، بأنّ «البحث في اجتماع اللجنة تناول أموراً اقتصادية وسبل التعاون بين لبنان وإسرائيل في هذا المجال، ما يعني بوضوح إصرار إسرائيل على ما هو أبعد من الملف الأمني، بل على البُعد الإقتصادي وضمناً السياسي».

 

وأبلغ المرجع عينه إلى «الجمهورية» قوله، إنّه يخشى من محاولة إسرائيل، وبدعم مباشر من داعميها، نصب فخّ في مهمّة لجنة «الميكانيزم»، ومردّ هذه الخشية كما يقول، إلى «أجواء غير مشجّعة شاعت من الاجتماع الأخير للجنة».

 

ويلفت إلى ما سمّاه «همساً مقلقاً محاولة تدفع إليها إسرائيل للاستفراد بلبنان في اللجنة اقتصادياً وربما سياسياً، على أنّ هذا الهمس لا نستطيع أن نؤكّده أو ننفيه حتى الآن، لكن إن صحّ ما قيل، فهذا معناه نسف مهمّة اللجنة، وفحواه أنّ إسرائيل تتجاوز الملف الأمني وتريد أن تفرض «الملف الاقتصادي» بنداً وحيداً وجوهريّاً في اجتماعات «الميكانيزم»، مستندةً بذلك إلى أطراف أساسية في داخل «الميكانيزم» تماشي الطرح الإسرائيلي بالكامل، وأكثر من ذلك، ترغب هذه الأطراف في أن تتحوّل اللجنة من خماسية تضمّ الولايات المتحدة، فرنسا، «اليونيفيل»، لبنان، وإسرائيل، إلى رباعية بإخراج فرنسا منها، علماً أنّ اللجنة التي طُرِحَت «رباعية» تضمّ الولايات المتحدة، «اليونيفيل»، لبنان وإسرائيل، في زمن آموس هوكشتاين، لكنّها ما كانت لتتشكّل لو لم تُشرَك فرنسا فيها، وبإصرار أكيد من قِبل رئيس مجلس النواب نبيه بري على إشراكها، حتى ولو كانت قابلة بعدم مشاركتها في اللجنة، إذ كان له ما أراد، وأُشرِكت فرنسا في اللجنة في موقع نائب رئيسها».

 

وكان رئيس الجمهورية قد التقى، في القصر الجمهوري في بعبدا أمس، رئيس الوفد اللبناني في لجنة «الميكانيزم» السفير السابق سيمون كرم، وجرى عرض تقييمي للاجتماعات السابقة، وبعض التوجيهات، عشية الاجتماع المقبل للجنة المقرّر في السابع من شهر كانون الثاني المقبل.

 

السقوط في الفجوة!

مالياً، وقّع رئيس الجمهورية العماد جوزاف مرسوم إحالة مشروع القانون المتعلّق بالفجوة المالية إلى مجلس النواب. فيما هذا المشروع لا يبدو ميسّراً في المجلس وفق ما تشتهي الحكومة. وكشفت مصادر نيابية لـ«الجمهورية»: «بدا جلياً أنّ الحكومة لم يكن همّها إقرار مشروع قانون يعالج الفجوة المالية، بل أن تُزيح هذ الحمل عن ظهرها كيفما كان، وتلقي هذا المشروع كجمرة حارقة في يَد النواب». وأضافت المصادر: «ما هكذا تُعالج الأزمة، وتُرَدّ للمودعين حقوقهم وأموالهم، فبدل أن تعالج الفجوة المالية، حفرت فجوة وسقطت فيها، ولو فكّرت الحكومة مرّتَين قبل إقرار مثل هذا القانون، لوفّرت على نفسها هذه السقطة، ولما ارتكبت خطأ فادحاً بتبنّي مشروع أقل ما يُقال فيه إنّه مشروع مرتجل وظالم وزاخر بالشوائب والثغرات». وخَلُصَت المصادر إلى القول «بأنّ مشروع الحكومة وُلِدَ ميّتاً، لأنّ الأكثرية الساحقة من النواب تعارضه، ما يعني أنّ مصيره الحتمي هو الردّ إلى الحكومة، أولاً، لتعارضه مع الدستور، الذي يوجب التصويت على المواضيع الأساسية بثلثَي الحكومة، إذ إنّ الصويت عليه بالأكثرية العادية، وثانياً لمضمونه الذي يسلب المودعين أموالهم، وهو ما لن يسير به النواب على الإطلاق».

 

تهنئة أمنية

من جهة ثانية، استقبل رئيس الجمهورية، قائد الجيش العماد رودولف هيكل على رأس وفد من القيادة، والمدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير على رأس وفد من المديرية، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء رائد عبدالله على رأس وفد من المديرية. وهنأؤه لمناسبة الأعياد. وأكّد الرئيس عون «أنّ المؤسسات العسكرية والأمنية تُشكّل خط الدفاع الأول عن لبنان، ومن الواجب المحافظة عليها وعلى التنسيق القائم في ما بينها لتثبيت الأمن والإستقرار فيه». مشدّداً على «أهمّية أن تبقى الوحدة الوطنية»، ومؤكّداً أنّ «مصلحة لبنان فوق كل اعتبار».

 

وتوجّه إلى وفد قيادة الجيش قائلاً: «أنتم العمود الفقري للبنان، ولا أحد يستطيع إلغاء إنجازاتكم، على رغم من محاولات البعض انتقاد الجيش والمؤسسة العسكرية والتنظير عليها. حافظوا على هذه المؤسسة لنحافظ على لبنان. وعلينا العمل كجسم واحد، وأنا متفائل بكم وبحكمة قراراتكم والتزامكم وإيمانكم بالمؤسسة العسكرية، خصوصاً أنّكم تفرضون واقعاً معيّناً يساعدني على اتخاذ القرارات التي تساهم في تغيير نظرة الخارج للبنان». وختم مؤكّداً «إنّ الجيش سيبقى المؤسسة التي لا تساوم على السيادة ولا تنحاز إلّا للوطن»، معتبراً أنّ «حماية الجيش للحدود ضمانة مهمّة، وصمود الجيش في وجه العواصف هو الذي يمنح اللبنانيِّين الأمل في غدٍ أفضل».

 

وخلال لقائه وفد الأمن الداخلي أكّد عون «أنّ مسؤوليّتكم في الحفاظ على الأمن المجتمعي ومكافحة الجريمة هي الركيزة التي يشعر من خلالها المواطن بأنّ الدولة حاضرة في يومياته. وثقتنا بكم كبيرة في ترسيخ دولة المؤسسات والقانون».

 

وتمنّى أمام وفد الأمن العام «أن يختم لبنان في العام المقبل جرحه النازف في الجنوب، ويتحرّر جميع الأسرى ويعود أهل الجنوب إلى أرضهم». وأضاف: «إنّ احترافيّتكم في جمع المعلومة وتطوير الخدمات الإدارية إلى جانب دوركم في حماية الأمن السياسي والوطني، يجعل منكم ركناً أساسياً في حماية هوية لبنان وأمنه القومي».

 

إتفاق غازي

من جهة ثانية، رعى رئيس الحكومة نواف سلام بعد ظهر أمس، توقيع مذكرة تفاهم بين مصر ولبنان لتلبية احتياجات لبنان من الغاز الطبيعي المخصَّص لتوليد الطاقة الكهربائية. ووقّع عن الجانب اللبناني وزير الطاقة جو صدّي، وعن الجانب المصري وزير البترول والثروة المعدنية المهندس كريم بدوي، في حضور سفير مصر في لبنان علاء موسى. وكان الوفد المصري قد قام بزيارات إلى الرؤساء الثلاثة. وفي مؤتمر صحافي له، أكّد السفير المصري «العمل على تخفيض حدّة التوتر»، لافتاً إلى أنّ «وزير الخارجية المصري أجرى اتصالات مكثفة مع مختلف الأطراف الرئيسية المعنية بالملف، ومع مزيد من الجهود يمكن الوصول إلى نتيجة، ونتمنى أن تنخفض حدّة التوتر في الفترة المقبلة».

 

لقاء ترامب نتنياهو

من جهةٍ أخرى، عُقد لقاء بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في منتجع مارالاغو في فلوريدا، حيث استقبله ترامب مازحاً أمام الكاميرات، قبل أن يؤكّد أنّ جدول المحادثات يتضمّن 5 ملفات أساسية، في مقدّمها الوضع في قطاع غزة. وأعرب ترامب عن اعتقاده بأنّ عملية إعادة إعمار غزة ستنطلق «قريباً»، مثيراً جدلاً حين لفت إلى أنّ أي رهائن لم يُفرَج عنهم خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن، على رغم من أنّ هدنة عام 2023 شهدت إطلاق سراح 105 رهائن من جنسيات مختلفة.

 

وخلال تصريحات إعلامية، سُئل ترامب عن إمكانية حصول نتنياهو على عفو في قضايا الفساد التي يُلاحق فيها داخل إسرائيل، فأبدى قناعة بأنّ الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ سيمنحه العفو، واصفاً نتنياهو بـ«رئيس وزراء زمن حرب وبطل». غير أنّ مكتب هرتسوغ سارع إلى نفي وجود أي قرار في هذا الشأن، مؤكّداً أنّ الأمر لا يزال قيد البحث وقد يستغرق أسابيع. وعقب التصريحات، انتقل الطرفان إلى اجتماع مغلق في قاعة الطعام.

الأكثر قراءة