الإرهاق المزمن بات حالة شائعة أكثر مما نتصوّر، لكنّه في الوقت عينه ليس قدراً محتوماً. كثيرون ينامون ساعات كافية، ومع ذلك يستيقظون وهم يشعرون بأنّ بطارياتهم الداخلية لم تُشحَن. فما الذي يحدث فعلاً؟
تفسير التعب المستمر يتطلّب أحياناً عملاً يشبه التحقيق الطبي، كما توضّح الدكتورة شانون سوليفان، اختصاصية طب النوم في جامعة ستانفورد. أحياناً يكون الخلل بسيطاً ويتعلّق بروتين النوم نفسه، وأحياناً أخرى تقف خلفه مشكلات صحية أو أدوية تؤثر في الجسم بصمت. الخبر المطمئن أنّ تحديد السبب غالباً ما يفتح الباب أمام العلاج والتحسن، فمجال اضطرابات النوم، بحسب ما تشرح سوليفان، مليء بالأمل.
مراجعة عادات النوم
البداية المنطقية تكون دائماً مع مراجعة عادات النوم. هل تُغيّر توقيت النوم والاستيقاظ؟ هل تعيش ضغطاً نفسياً متواصلاً؟ حتى لو لم يكن الجواب واضحاً، فقد يحتاج روتينك اليومي إلى بعض التعديل.
فمعظم البالغين يحتاجون إلى 7 ساعات نوم على الأقل، وبعضهم أكثر من ذلك، مع أهمّية الالتزام بمواعيد ثابتة للنوم والاستيقاظ. انتظام النوم، كما هو الحال عند الأطفال، يُحسّن جودته بشكل ملحوظ.
تفاصيل صغيرة قد تُحدث فرقاً كبيراً: القهوة بعد الظهر، كأس من الكحول مساءً، تصفّح الهاتف قبل النوم أو تناول وجبة متأخّرة كلّها عوامل تُقلّل من عمق النوم. يُفضّل إنهاء العشاء قبل ساعتَين أو 3 من موعد النوم، ومنح الجسد فرصة للهدوء التدريجي.
فعالية العلاج المعرفي تفوق الأدوية
إذا استمرّ التعب، ينصح الأطباء بمراجعة اختصاصي نوم، كما تؤكّد الدكتورة كارا دوبوي-ماكولي من «مايو كلينك». فالتعب خلال النهار قد يكون مؤشراً إلى اضطرابات شائعة.
الأرق، مثلاً، يُصيب نحو 30% من البالغين حول العالم، وقد يكون موقتاً أو مزمناً. وفي كثير من الحالات، يُثبت العلاج السلوكي المعرفي فعالية تفوق الأدوية.
هناك أيضاً انقطاع النَفَس الانسدادي أثناء النوم، إذ تنغلق مجاري الهواء موقتاً، ما يقطع التنفّس ويُفقد النوم جودته. وقد يؤدّي إهماله إلى أمراض خطيرة، بينما يُعدّ تشخيصه وعلاجه متاحَين نسبياً. كذلك متلازمة تململ الساقين، التي تُسبِّب شعوراً مزعجاً يدفع إلى تحريك الساقَين ليلاً، ما يُصعّب النوم.
ولا يقتصر الأمر على النوم وحده. اختلال الهرمونات، مثل قصور الغدة الدرقية، ونقص الحديد أو فيتامينَي D وB12، بالإضافة إلى أمراض مزمنة كالسكّري والاكتئاب وكوفيد طويل الأمد، كلّها قد تفسر الإرهاق. حتى بعض الأدوية الشائعة قد تكون سبباً خفياً.
قد يبدو التفكير في كل هذه الاحتمالات مرهقاً بحدّ ذاته، لكنّ الخبراء يُجمعون على أنّ الوصول إلى السبب الحقيقي غالباً ممكن. والقاعدة الذهبية بسيطة: عندما يصبح التعب أسلوب حياة، زيارة الطبيب ليست ترفاً، بل خطوة أولى نحو استعادة الطاقة.