مفاوضاتٌ مباشرة أو غير مباشر مع العدوّ، ليس هذا هو المهمّ...
المهمّ، أنْ تتمكّن المفاوضات من تحقيق ما عجزتْ عنهُ الساحات.
كلُّ حربٍ في التاريخ، لا يمكن أنْ تنتهي بذاتها... بلْ: إمّا بمعاهدات صلح، وإمّا بانتصار فريق على فريق، أوْ بمعاهدة هدنة.
إذا شئتمْ مثلاً عربياً: نعودُ بكم إلى عمق التاريخ في الجاهلية، منذ حرب «البسوس» بين قبيلتَي: «بكر وتغلب» التي استمرّت 40 سنة، وانتهت بمفاوضات بواسطة ملك الحيرة.
وإذا شئتم مثلاً عربياً - إيرانياً، نعود بكم إلى حرب إيران والعراق، التي انتهت نتيجة رضوخ الطرفَين لقرار مجلس الأمن 598، وفشل الهجوم الإيراني على البصرة.
والأمثال الدولية كثيرة ومنها: الحرب العالمية الأولى انتهت بتوقيع معاهدة «فرساي» التي وضعت حلاً لنهاية الحرب بين ألمانيا والحلفاء.
والحرب العالمية الثانية انتهت باستسلام ألمانيا واليابان رسمياً.
ولم تندلعْ حربٌ في التاريخ إلّا كان هناك مرجع يُؤدّي إلى إطفائها بهدف السلم، وبهذا يقول القرآن: «إنْ جَنَحوا للسَلْم فاجنحْ لها»(1).
إذا كانت المقاومة لا تزال الورقة القوية في مواجهة العدو ونتخلّى عنها بالمفاوضات، نكون من المجانين...
وإذا كانت ورقة المقاومة غير قوية ونريد أن نحارب بها العدوّ، نكون أيضاً من المجانين...
وإذا كنّا نعوِّلُ على مواجهةٍ نتلقّى بها الإسناد والدعم من القوى الخارجية ووحدة الساحات، نكون أيضاً مجانين جداً.
إذاً، ما هو الحل؟
الحلّ باللّاحل، هو استمرارٌ لحالة من المراوحة مشحونةٍ: بالقذائف والصواريخ والإغتيال، ونحن نكتفي بلعْنِ المسيّرات، ونسير من دمار إلى دمار، ومن تفجيرٍ إلى تفجير، ومن موت إلى موت.
إسرائيل لا تخشى أعظم سلاح عندنا، ونحن متفرّقون، وتهابُنا ولو من دون سلاح ونحن متّحدون.
عندما نعود مثلاً إلى خطبة للأستاذ محمود قماطي، نائب رئيس المجلس السياسي لـ«حزب الله» في 25 تموز الماضي، والذي يقول فيها: «إنّنا لسنا ذراعاً لخدمة أي دولة فـي العالم، نحن ذراع الوطن وسندافع عن هذا الوطن بكل مكوّناته وشعبه...».
هذا كلامٌ يجعل اللبنانيين جميعاً بيئةً حاضنةً لـ«حزب الله»، وبيئةً حاضنة للبيئة الحاضنة.
وهذا كلامٌ، لو استمرّت عليه قيادة المقاومة فقد يؤمّن الوحدة الوطنية التي طالب بها الرئيس نبيه بري في لقائه مع نقابة المحرّرين بقوله: «أعطوني وحدة اللبنانيِّين وانتظروا مني خروج إسرائيل من لبنان».
أمّا أن يقول السيد علي لاريجاني، أمين الأمن القومي الإيراني، وفي تموز الماضي أيضاً، «إنّ سلاح «حزب الله» هو جزء من الأمن القومي الإيراني» فهذا قول يفرّق اللبنانيِّين، ويجعل إسرائيل تُبرّر عدوانها علينا بذريعة أنّها تحارب حزباً إيرانياً في لبنان.
لا يضيرنا أن يقول مستشار المرشد الإيراني الأعلى، «إنّ وجود «حزب الله» أكثر ضرورة للبنان من الخبز والماء».
ولكن، كيف نسمع في المقابل الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، في خطاب ألقاه أمام مجلس الشورى في 11 تشرين الماضي، ويقول: «لا يمكننا أن نحكم والشعب جائع»، في الوقت الذي تسعى السلطة في إيران أن تنقل العاصمة طهران إلى مكان آخر بسبب جفاف الماء.
الدولة الإيرانية تتدفَّق فيها ينابيع النفط، والشعب جائع ولا خبز عنده ولا ماء.
الشعبُ الجائع لا يستطيع أن يكون مقاوماً...
والسلاحُ بلا خبز ولا ماء لا يستطيع أن يمنح الشعب تأشيرة دخول إلى السماء.
1 ـ سورة : الإنتقال القرآنية : 61