العنوان الذي يظلّل الاتصالات الجارية حالياً هو التحضير لاجتماع المفاوضات الثاني في الناقورة، في 19 من الجاري. وقد غادر الموفد الفرنسي جان ايف لودريان، بعدما مشى على خطى الجانب المصري، فجال وحذّر واستطلع ودعم، وإن كان مصوباً أكثر في اتجاه الجيش اللبناني، كونه أحد طرفي رعاة اتفاق وقف إطلاق النار.
وأكّد مصدر سياسي رفيع لـ«الجمهورية»، انّ المفاوضات ومساعي الموفدين أحرزت صفر تقدّم على خط الحل. كاشفاً «انّ الكلام الأخير للسفير الأميركي ميشال عيسى لا يُصرف في الداخل، إذ لا يمكن الفصل بين الحرب العسكرية على «حزب الله» ومسار التفاوض مع الدولة اللبنانية، والإسرائيلي يكذب، فهو لا يهتم بإدخال المدني ولم يثمّن خطوة لبنان المتقدّمة، لأنّه يريد استمرارية العدوان من دون توقف، وهذا ما وصلنا بشكل واضح وصريح».
وقلّل المصدر من التهويل بالحرب الكبرى، لافتاً إلى «انّ الجميع في حالة انتظار في ظل فراغ سياسي شامل في البلد، حيث لا أحد يملك تصوراً للحل». وسأل: «من يتحدث عن طروحات ومبادرات فليكشف لنا الورقة التي تسلّمها لبنان؟ أين هي الورقة التي يُعمل عليها لنقول إنّ هناك أخذاً ورداً وتقدّماً هنا أو تعسراً هناك، أو هناك عقد تنتظر الحلحلة». وأضاف المصدر: «على أي أساس يريدون من «حزب الله» تسليم سلاحه؟ أين هو العرض، وماذا عن الضمانات؟ وعملياً أين هو المشروع الذي نضعه أمام الحزب على الطاولة لنفاوضه على السلاح؟».
وكشف المصدر «انّ «حزب الله» وافق على التفاوض، وأبلغ إلى رئيس الجمهورية أن لا مانع لديه من تطعيم «الميكانيزم»، وطلب في المقابل أن توقف إسرائيل اعتداءاتها، الأمر الذي لم ولن يحصل طالما انّ نتنياهو يتنفس حرباً، وطالما انّ الأميركي لا يتدخّل في شكل صارم للجمه»...
الجلسات المقبلة
وإلى ذلك، قالت مصادر سياسية لـ«الجمهورية»، انّ تسريبات عدة صدرت من واشنطن وتل أبيب في الأيام الأخيرة، تتضمن رؤيتهما لما ستتضمنه جلسات التفاوض المقبلة في الناقورة، وتتركّز خصوصاً حول استكمال تنفيذ بنود اتفاق وقف النار في جنوب نهر الليطاني، والحصول على ضمانات رسمية لبنانية حول الشق المتعلق بحصر السلاح في يد الجيش اللبناني كاملاً، في شمال الليطاني أيضاً، بدءاً من السنة المقبلة.
وأشارت المصادر إلى أنّ تسمية لبنان للسفير السابق في واشنطن سيمون كرم رئيساً لوفده المفاوض في لجنة «الميكانيزم»، بموافقة رئيس مجلس النواب نبيه بري، تؤسس لمرحلة جديدة هي اليوم قيد التبلور، بوساطة أميركية وفرنسية وعربية. وأبرز محطاتها قيام السفير الأميركي بزيارة برّي للمرّة الثانية خلال 24 ساعة. وقرأت المصادر في ذلك مدلولين مهمّين: الأول هو تأكيد دور بري كمحاور أساسي في هذا الملف، والثاني هو وجود أفكار معينة قيد النقاش، تحضيراً للجلسة المقبلة، يشارك فيها الأميركيون في شكل حثيث بالتنسيق مع رئيس المجلس.
وقد علّق بري خلال استقباله مجلس نقابة الصحافة أمس على ما صدر عن الموفد الأميركي توم برّاك حول ضمّ لبنان إلى سوريا، فقال: «ما حدا يهدّد اللبنانيين»، واعتبر ما قاله الأخير بأنّه «غلطة كبيرة غير مقبولة على الإطلاق». وحدّد بري المسلمات التي يفاوض عليها لبنان في إطار لجنة «الميكانيزم» بـ«الانسحاب الإسرائيلي، إنتشار الجيش اللبناني، وحصر السلاح في منطقة جنوب الليطاني بيد الجيش اللبناني».
مجلس كنائس الشرق الأوسط
أكد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أن زيارة الأب الأقدس لاوون الرابع عشر لم تكن لكنيسة لبنان او للبنانيين فحسب، بل لكافة مسيحيي الشرق الذين هم أبناء هذه الأرض التي يتجسدون فيها، ودعا وفد مجلس كنائس الشرق الأوسط الذي استقبله قبل ظهر أمس في قصر بعبدا، إلى العمل ليكون الحضور المسيحي في الشرق فاعلاً ومؤثراً وثابتاً في خدمة قضية الإنسان وحاضر الإنسانية ومستقبلها.
وصدر عن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بيانٌ في الذكرى العشرين لاغتيال جبران تويني والثامنة عشرة لاستشهاد اللواء فرانسوا الحاج، مؤكداً أن اغتيالهما كان استهدافاً مباشراً للوطن. وذكّر بدور جبران كصوت للحرية، وبفرانسوا كرمز للمؤسسة العسكرية وتضحياتها. وشدّد على أن «لا سيادة إلا للدولة»، وأن دماء الشهداء أثمرت جيشاً يعزز حضوره رغم محاولات التشكيك. ودعا إلى احترام غاية الشأن العام وخدمة اللبنانيين، والتمسّك بنهج التضحية من أجل الوطن لا من أجل المناصب.
مزيدٌ من الوقت
وفيما غادر لودريان لبنان منهياً محادثات شملت المسؤولين الكبار وعدداً من القيادات السياسية والحزبية، أعلن عوفر برونشتاين، المستشار غير الرسمي للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لشؤون العلاقات الإسرائيلية ـ الفلسطينية، أنّ فرنسا تدعم سيادة لبنان، وعلى إسرائيل الامتناع عن قصف أراضيه. وقال برونشتاين لوكالة «نوفوستي»، إنّ فرنسا عقدت العام الماضي مؤتمرًا لدعم لبنان تمكّن من جمع أكثر من مليار دولار، ذهب معظمها إلى الجيش اللبناني. وأضاف، «ندعم سيادة لبنان وفرض سيطرة جيشه على حدوده وجميع أنحاء أراضيه. من المستحيل وجود جيشين ودولة داخل الدولة في لبنان. أعتقد أنّه ينبغي على إسرائيل في الوقت الحالي الامتناع عن قصف الأراضي اللبنانية، ومنح الجيش اللبناني مزيدًا من الوقت لنزع سلاح حزب الله».
وشكّك برونشتاين في إنجاز نزع سلاح «حزب الله» قبل نهاية السنة قائلاً: «لا أعتقد أنّهم سيتمكنون من إنجاز هذه المهمّة بحلول نهاية السنة. يجب منحهم المزيد من الوقت، بضعة أشهر أخرى، وبعد ذلك ستتعامل إسرائيل مع الحكومة اللبنانية». وقال: «إنّ إسرائيل لا تملك سببًا للدخول في مواجهة مع لبنان، خلافًا للفلسطينيين وسوريا، حيث توجد نزاعات إقليمية». وأضاف أنّ مزارع شبعا «هي أرض تحتلها إسرائيل ومتنازع عليها ليس فقط بين إسرائيل ولبنان، بل أيضًا بين لبنان وسوريا»، معتبرًا أنّه «لا ينبغي أن يموت آلاف الأشخاص من أجل بضعة أمتار من الأرض». ودعا إلى اتفاق حول مزارع شبعا تشارك فيه الولايات المتحدة وفرنسا إلى جانب لبنان وسوريا وإسرائيل.
وأعرب المستشار الفرنسي عن ارتياحه «لإجراء أول اتصال مباشر بين مسؤولين لبنانيين وإسرائيليين منذ ثلاثين عامًا»، معتبرًا أنّ «المفاوضات عبر وسيط أمرٌ عبثي، وأنّها غالبًا مصدر للأخطاء وسوء الفهم»، مشدّدًا على «ضرورة إجراء مفاوضات مباشرة في ظل وجود وقف لإطلاق النار».
«كتلة الوفاء»
وفي المواقف أمس، وصفت كتلة «الوفاء للمقاومة» بعد اجتماعها أمس برئاسة النائب محمد رعد، تسمية مدني للمشاركة في لجنة «الميكانيزم» بأنّها «سقطة أخرى ارتكبتها السلطة في لبنان»، واعتبرتها «مخالفة حتّى للمواقف الرسمية السابقة التي ربطت مشاركة المدنيين بوقف الأعمال العدائية». وقالت «إنَّ الدولة اللبنانية قدّمت تنازلاً مجانياً لن يوقف العدوان، لأنّ إسرائيل تريد إبقاء لبنان تحت النار بتغطية ودعم من الولايات المتحدة الاميركية». واكّدت «انّ الفرصة لا تزال متاحة بيد السلطة اللبنانية لفرملة تنازلاتها المجانية المتسارعة أمام العدو، من خلال حزم أمرها واشتراط التزام العدو بالاتفاق أولاً».