لبنان بعد زيارة البابا لاوون غير ما قبله
محمود القيسي
Saturday, 06-Dec-2025 07:03

«الحياة الآن لا يحكمها مفهوم الحق والباطل ولا مفهوم الأخلاق والمبادئ والمثل العليا فقط. الحياة يحكمها أيضاً مفهوم القوّة والضعف، الذكاء والغباء، التكيّف أو الاندثار... فحقُكَ لا بُدّ أن تأخذه بالذكاء والتكيّف مع الواقع... فقد تطوّرنا عبر ملايين السنين، من كائنات تفترس بعضها البعض مادّياً إلى كائنات تفترس بعضها مادياً، معنوياً، نفسياً وحقوقياً أيضاً!». (أمبرتو إيكو)

بعد زيارة البابا لاوون إلى لبنان غير ما قبلها... شدّد البابا لاوون خلال زيارته، على أهمية السلام والوحدة الوطنية، ووجّه دعوةً إلى نزع السلاح من القلوب. كما أكّد على ضرورة الحوار والتفاهم بين الأديان والمذاهب، مشيراً إلى أنّ لبنان يبقى نموذجاً للتعايش والتعدُّدية والسلام.

 

أهم وأبرز المواضيع التي تناولها البابا لاوون في هذه الزيارة التاريخية وشدّد عليها:

 

- السلام والوحدة: دعا إلى السلام والوحدة الوطنية، مشدّداً على أهمية التعايش بين الأديان والمذاهب.

- نزع السلاح: دعا إلى نزع السلاح من القلوب، وتحويل القلوب إلى السلام.

- الحوار والتفاهم: أكّد على ضرورة الحوار والتفاهم بين الأديان والمذاهب.

- لبنان نموذج: أشاد بلبنان كونه نموذجاً للتعايش والتعدُّدية.

- الرجاء والأمل: دعا إلى عدم اليأس، وأكّد أنّ لبنان سيبقى رمزاً للرجاء والأمل.

- ترك السلاح والانخراط في الحوار: لفت البابا إلى أنّ الكنيسة تقترح على «حزب الله» اللبناني ترك السلاح والانخراط في الحوار.

- الفاتيكان يدعو الجميع إلى التخلّي عن السلاح: أوضح البابا أنّ «الفاتيكان يدعو جميع الأطراف المتصارعة إلى التخلّي عن السلاح والعنف، واللجوء إلى طاولة الحوار».

مباشرةً بعد مغادرة البابا لاوون مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت متوجّهاً إلى روما... أول ما توجّهت الأنظار إلى زيارة سفراء الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن، بدءاً من ليلة الثلاثاء.

 

وفي سياق الاهتمام الدولي الذي تزايد مباشرةً بعد مغادرة البابا، وضمن المتابعة نفسها التي قادها سفراء الدول الـ15 في مجلس الأمن، فقد وُصِفت الزيارة بأنّها بالغة الأهمية لكلّ من لبنان وسوريا، اللذَين يمرّان بمرحلة انتقالية حرجة على مستويات عدّة. هذا الزخم الديبلوماسي تزامن مع دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إسرائيل إلى المحافظة على «حوار قوي» مع دمشق، في ظلّ الأجواء المتوتّرة الناجمة عن التوغّلات العسكرية الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الاتصال به والتحدّث مطوّلاً حول التطوّرات.

 

وفي موازاة الاهتمام الذي استقطبه لبنان بعد الخطاب البابوي الداعي إلى السلام ونزع السلاح، تسعى الأمم المتحدة إلى إعادة ترسيخ وجودها في سوريا، بعدما رفع مجلس الأمن أخيراً العقوبات المفروضة على الرئيس أحمد الشرع، داعياً إياه إلى تنفيذ عملية انتقالية شاملة. ويُتوقّع أن يُركّز أعضاء مجلس الأمن على متابعة مسار الانتقال السياسي المتواصل في البلاد، وإصلاح العلاقات المتوتّرة بين مكوّنات المجتمع السوري، وتحقيق العدالة الانتقالية. كما يدفع المندوب الأميركي مايك والتز بقوّة لدعم جهود الأمم المتحدة «لتأمين الاستقرار في سوريا وإعادة إنعاشها اقتصادياً»، تطبيقاً للنهج الذي سبق أن أعلنه ترمب.

 

وبعد الانتهاء من جدول أعمالهم في دمشق، عاد السفراء إلى بيروت والتقوا المسؤولين و«اليونيفيل»، التي من المُقرَّر أن تُنهي مهمّتها في لبنان مع نهاية عام 2026، بعد عقود من العمل بين لبنان وإسرائيل منذ آذار 1978. وتأتي هذه المحطة في وقت تتحدّث فيه الأوساط الديبلوماسية عن أنّ نائبة المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، ستقود محادثات الوفد الأميركي في الشقّ المتصل بلبنان، في ظلّ التوترات الراهنة، إذ تواصل إسرائيل غاراتها ضدّ أهداف تقول إنّها تابعة لـ«حزب الله».

 

وفي سياق موازٍ للتحوّلات السياسية التي يشهدها المشرق، تُستعاد أفكار كتاب «البجعة السوداء» لنسيم نيكولاس طالب، بما يحمله من مقاربة فكرية لطبيعة المفاجآت التي تُعيد تشكيل الواقع، وتُظهر حجم المتغيّرات غير المتوقّعة التي تصنع التحوّلات الكبرى. فطالب لا يُقدّم دراسة في الاحتمالات، بل رحلة فكرية تهزّ اليقين، وتُعيد بناء نظرتنا للعشوائية والحظ والنجاح والفشل، مؤكّداً أنّ الأحداث النادرة قادرة على تغيير مسار الحياة أكثر من أيّ خطط دقيقة نضعها، وأنّ الفُرَص الكبرى تكمن دائماً في اللامتوقّع.

 

ويُبرز الكاتب حدود السرديات التي تمنح شعوراً زائفاً بالفهم، ويُفنّد الانحيازات في قراءة الوقائع عبر مفهوم الحدث «المستحيل في نماذجنا، الممكن في الواقع». يتوقف عند التجريب السطحي، الذاكرة الانتقائية، وخطأ الخلط بين الاستقرار الظاهر والقابلية للانهيار، مستشهداً بقصة «الديك الرومي» الذي يظنّ الحياة آمنة حتى يوم الذبح. ويعرض «المغالطة القصصية»، أي مَيل الإنسان لصياغة حكايات سببية مطمئنة لا تعكس حقيقة العالم، بالإضافة إلى مشكلة «الدليل الصامت» الذي يؤكّد أنّ ما لا نراه كثيراً ما يكون أهم ممّا نراه.

 

ويُقدّم طالب إرشادات عملية للتعامل مع عالم لا يمكن التنبّؤ به، عبر بناء استراتيجيات مضادّة للهشاشة، وتقليل الانكشاف للمخاطر القصوى، مع السعي إلى تحقيق تعادل في أسوأ الظروف، واستغلال الفرص الاستثنائية عندما تظهر. ويختتم بفكرة «البجعات البيضاء»، وهي الأحداث الإيجابية النادرة التي يمكن تحويلها إلى مكاسب إذا توفّرت النية وحُسن الاستعداد.

الأكثر قراءة