المقاومة الإسلامية في نيويورك
جوزف الهاشم
Friday, 14-Nov-2025 08:43

أنا مسلمٌ، أنا اشتراكي ديمقراطي...

هذا ما أعلنه زهران ممداني عندما انتُخب عمدةَ مدينةِ نيويورك، هي المدينة التي قصفَ أبراجَها مسلمون في 11 أيلول 2001، تنتخبُ مسلماً عمدةً لها.

هذا العمدةُ المسلم الشيعي من أصول هنديـة* والمتزوّج بامرأة سورية، تحاربُهُ كبرياتٌ الصحف، ويخوضُ معركة ضدّ الرئيس الأميركي ترامب... وينتصر.

 

ليس لأنّه مسلم، بل لأنّه مسلم إشتراكي ديمقراطي...

هل المسلم في أميركا ديمقراطي؟

والمسلم في العالم العربي ديكتاتوري؟

 

ملايين من الشعب الأميركي ينتخبون حاكماً مسلماً...

وملايين من الشعب العربي يموتون على أيدي حُكّام مسلمين...

 

ثلثُ الناخبين اليهود في المدينة انتخبوا المرشح المسلم ثأراً لدم الأبرياء المسلمين في قطاع غزة.

العالم المتحضّر، ينتصر للذبيح، والعالم المتخلّف ينتصر للسيف الذي يذبح، ويُقيم حفلات الرقص حول الضحيّة على طريقة الهنود الحمر.

 

هل الإسلام الذي يوحيهِ الله للنبي: «وما أرسلناك إلّا رحمةً للعالمين(1)»، هو الإسلام الذي يمارسهُ المسلمون: حكّاماً وأحكاماً وأحزاباً ومذاهب؟

هل يقرأ بعض الإسلام أنّ الديمقراطية في القرآن تتجلّى في أسمى معانيها في الآية: وقلِ الحقَّ من ربِّكم فمَنْ شاءَ فليؤمنْ ومَنْ شاءَ فليكفرْ...»(2).

 

وأنّ القرآن يدعو إلى الإصلاح بين فريقَين متنازعَين: «وإنْ طائفتان من المؤمنين اقتُتِلوا فأصلحوا بينهما...»(3).

وجاء في سورةِ المائدة: «لئن بَسَطْتَ إليَّ يدَكَ لتقتُلَني، ما أنا بباسطٍ يدي إليك لأقتلك، إني أخافُ ربَّ العالمين...»(4).

 

هذه هي الديمقراطية الإسلامية التي ينادي بها عمدة نيويورك، لأنّ الأديان عندما تتحوّل إلى إيديولوجية تنتفي كرسالة، وتقطَعَُ صِلتَها وارتباطَها بالله، وليس مطلوباً أنْ نجعل من الأوطان أوطاناً للآلهة، فالآلهةُ ليست في حاجة إلى أوطان.

 

إنّ زهران ممداني الإشتراكي الديمقراطي المسلم، استطاع أن يتخطّى هوية الدين والعِرق، وأن يُحرّك الشعور المكبوت لدى البروليتاريا الأميركية، وأن يقود انقلاباً يلجّ في نفوس الأجيال الصاعدة، ضدّ مسلكية الموت والعنف والفساد والفقر، في زمنٍ يشهد صراعاً دموياً بين حرب السلاح وحرب الخبز.

 

هناك مَن يجزم بأنَّ ما ساهم في فوز زهران، هو تنديُدهُ بما يعتبره «إبادة جماعية في غزة، وقد تعهّد بأن يقبض على نتنياهو إنْ هو زارَ نيويورك لينفّذ فيه الحُكم الذي صدر عن محكمة العدل الدولية».

 

هذا يعني، أنّ حقوق الإنسان إنْ هيَ سقطَتْ من أرْوِقَةِ الأمم المتحدة، فهي لا تزال حيَّةً في ضمير أجيال الأمم، وهذا يُظهرُ الفارقَ المخيف بين مواطنٍ في الدول الديمقراطية يتمتّع بحرّية التعبير، ومواطن في الدول الديكتاتورية الذي يفكّر عنه النظام.

 

لو أنّ بلداً من بلدان العالم في الغرب قد تعرّض شعبُهُ لمأساة إنسانية كمثل ما حصل في غزة، هل كانت الجماعات العربية تتظاهر دعماً لحق شعبٍ أجنبي مضطهد؟

 

وهل كان طلّاب الجامعات العربية يواجهون بشراسة قرارات حكوماتهم مثلما هبَّ طلابُ الجامعات في فرنسا وإنكلترا وأميركا وإسبانيا وغيرها دفاعاً عن شعب فلسطين؟ حتى أنّ السيد الشهيد حسن نصرالله قال: «إنّ تحرّك الطلاب في الجامعات الأميركية والغربية يشكّل جزءاً من الموقف الأخلاقي الشريف ضدّ الجرائم الإسرائيلية في غـزة...».

 

العالم المتطوّر يسمو في حضارته إلى محاكاة الله في شتى أديانه، فكان أيضاً «صادق خان» المسلم عمدةَ مدينة لندن، والعالم العربي، يتقهقر ألف عام إلى الوراء في محاكاة أبي العلاء المعرّي في قوله:

 

في اللاّذقيةِ ضجَّةٌ ما بينَ أحمدَ والمسيحْ

هذا بناقوسٍ يدقُّ وذا بمئذنةٍ يصيحْ*

 

تجدر الإشارة إلى أنّ إيران كانت تهتّم برعاية الجماعة الشيعية في الهند، وأذكر أنّني دُعيتُ إلى إلقاء محاضرة في نيودلهي بتاريخ 28 نيسان 1995 بعنوان: «نهج البلاغة ووحدة الأديان» برعاية السيد هاشمي رفسنجاني، إلى جانب محاضر لبناني آخر هو الأديب سليمان كتّاني.

 

1- سورة الأنبياء: 107

2- سورة الكهف 29

 

3- سورة الحجرات: 9

4- المائدة: 20

الأكثر قراءة