لا تهدر المخرجة كاثرين بيغلو أي وقت في تحريك فيلمها الجديد «بَيت من الديناميت» - إنّه ينطلق بلا توقف.
فيلمها التشويقي الأخير يقوم على احتمال وقوع كارثة نووية ذات قدرة تدميرية هائلة إلى حدٍّ يصعب تصديقه، على رغم من أنّه يبدو معقولاً تماماً. فالحياة العادية قاسية بما يكفي من دون الحاجة إلى التفكير في حقيقة أنّ شخصاً ما، في أي لحظة وفي أي مكان، يمكنه أن يطلق ضربة نووية. ليس من المستغرب أنّ شبح نهاية العالم ألهم عدداً قليلاً جداً من الأفلام الباقية في الذاكرة؛ فالحقيقة مظلمة إلى حدٍّ لا يُطاق وسخيفة إلى حدّ لا يُصدّق.
لا يوجد الكثير من المزاح أو الابتسامات في «بيت من الديناميت»، وهو فيلم جاد تماماً من نوع «ماذا لو»، يتتبّع موظّفين حكوميِّين وعسكريِّين أميركيِّين وغيرهم، بعد دخول صاروخ باليستي مجهول الهوية المجال الجوي الوطني. هذا الرصد يُثير بعض الحواجب، لكنّه لا يبدو مقلقاً جداً لأحد، حتى بالنسبة إلى الجنرال برادي (ترايسي ليتس)، الذي يهتم أكثر بالدردشة عن مباراة الليلة الماضية.
تحدث أمور، تظهر ومضات على شاشات الرادار، ويتصرّف المهنيّون الأكفاء بسرعة مطمئنة لإنقاذنا، أو هكذا يُفترض. في مكان آخر، يقول الأدميرال ميلر (جيسون كلارك) لأحد مرؤوسيه: «أعلمني إذا كانت نهاية العالم قريبة»، قبل أن يعود متبختراً إلى مكتبه في قاعة الموقف في البيت الأبيض.
لكن هذا الهدوء يتلاشى فجأة وبحدّة. في لحظة، الجميع يحتسون القهوة ويتبادلون المجاملات استعداداً ليوم جديد من الحفاظ على الأمن القومي. إيقاع أحاديثهم يبدو روتينياً، سواء مازح أحدهم زميلاً حول عرض زواج، أو ذكر أسماء إيران وكوريا الشمالية. لكن في اللحظة التالية، يعلن أحدهم أنّ الصاروخ على وشك أن يُصبح شبه مداري وسيسقط على الولايات المتحدة، فينقلب العالم رأساً على عقب.
كل شيء، الأحاديث، الإيماءات، التحرّكات، وإيقاع الفيلم نفسه تتسارع، بينما يحلّ الاستثنائي محلّ العادي. المشهد متوتر وغريب، ثم تتوقف القصة، لتُستأنف من زاوية أخرى.
الفيلم من تأليف نواه أوبنهايم، وهو مقسّم إلى أقسام منفصلة تدفع السرد من زوايا مختلفة. الجزء الأول يضعك جغرافياً وسردياً بينما تتنقل القصة بين الشخصيات والمواقع. الفجر يبزغ في فورت غريلي بألاسكا (موقع إطلاق دفاع صاروخي)، حيث يتلقّى الرائد غونزاليس (أنتوني راموس) مكالمة شخصية قبل أن يجلس لمراقبة الجنود الآخرين المتابعين للشاشات بتركيز.
في واشنطن العاصمة، وفي منتصف الليل، تودّع الكابتن الجادة والعملية ووكر (ريبيكا فيرغسون) زوجها وطفلها قبل التوجّه إلى غرفة الموقف. أحد المسلّمات، على رغم من بساطتها، هي أنّهم جميعاً يؤدّون وظائفهم لخدمة الوطن؛ غياب السياسة الحزبية الصارخة يعطي الفيلم طابعاً قديماً بعض الشيء.
بسرعة وتركيز، يجذبك الفيلم أكثر فأكثر، وكذلك طاقم الممثلين الواسع. على رغم من أنّ إدريس إلبا يتصدّر الأسماء، وأنّ بعض الممثلين لهم أدوار أكبر من غيرهم، لا يوجد بطل مركزي. القسم الأول يقدّم عشرات الشخصيات، بعضها يتبيّن لاحقاً أنّه ثانوي.
موظفة جديدة في البيت الأبيض (ويلا فيتزجيرالد) تبدو موجودة فقط لتبدو مشوّشة أمام أفراد الأمن المسلّحين الذين يهرعون لنقل «المهمّين» إلى أماكن يُفترض أنّها آمنة. أمّا نائب مستشار الأمن القومي المتلعثم والمتأخّر دوماً جاك (غابرييل باسّو)، فيجد نفسه سريعاً في مكالمة عصبية مع روسيا.
لطالما أدمنت السينما الأميركية الكوارث، والنجاة في اللحظات الأخيرة، والبطولات الرخيصة، فالعنف مربح تجارياً. وقد ازداد هذا الإدمان خلال العقود الأخيرة، مع صعود أفلام الأبطال الخارقين وحروبهم المستمرة وعنفهم المفرط. أمّا بيغلو، وهي مخرجة بارعة في أفلام الأكشن المعقّدة، فقد قدّمت نصيبها من الأفلام الكارثية، مثل «K-19: صانعة الأرامل»، وهو فيلم مشوّق يستعيد حادثة واقعية مرعبة عام 1961 على غواصة سوفياتية تعمل بالطاقة النووية. فشل ذلك الفيلم تجارياً، لكنّها واصلت صنع أفلام عن المواقف القصوى والشخصيات على الحافة، أبرزها «خزانة الألم» عن الجنود الأميركيِّين في العراق.
عمل بيغلو هنا رائع بحق. فهي تضع الأجزاء الكثيرة المتحرّكة في تناغم منسجم وتُبقيها تدور بوضوح حتى أثناء تبديل العناصر وإدخال أخرى جديدة؛ لا تسقط منها أي قطعة. أحياناً تعوقها الحبكة، كما يحدث أحياناً في أفلامها، خصوصاً عندما تحاول القصة إضفاء طابع إنساني على الكارثة عبر مشاهد عاطفية.
ومع تصاعد الأزمة، يتواصل بعض الشخصيات مع بعضهم البعض، ويتحدّث وزير الدفاع (بأداء قوي من جاريد هاريس) مع ابنته (كايتلين ديفر) في مشهد محرج وغير مقنع. الأكثر تأثيراً بكثير هي اللحظات التي تلتقط فيها الكاميرا الشخصيات في صمت متوتر خانق.
في الجوهر، بيغلو أقل اهتماماً بإثارة الدموع، أو بالتلويح بالأعلام، من اهتمامها بإخافتك حتى العظم. وهي تفعل ذلك منذ البداية بصخب من الآلات النحاسية ونصوص مخيفة عن الأسلحة النووية تقفز على الشاشة كالصراخ. فإلى أي مدى يبدو فيلم «بيت من الديناميت» واقعياً؟ لقد تحققت: في 28 كانون الثاني، أعادت منظمة نشرة العلماء الذريّين ضبط عقارب «ساعة يوم القيامة» لتقترب أكثر من منتصف الليل.
هذه الساعة، التي صُمِّمت عام 1947 بعد عامَين من قصف هيروشيما وناغازاكي، تمثل رسومياً مدى اقتراب البشرية من تدمير نفسها. كانت مضبوطة على 7 دقائق قبل منتصف الليل؛ أمّا الآن فهي عند 89 ثانية فقط قبل منتصف الليل.
الفيلم نفسه يبدو كأنّه ساعة يوم القيامة تتسارع عقاربها بلا توقف، بإيقاعه السريع، وتصويره المفعم بالحركة، ومونتاجه الدافع، وشاشاته الإلكترونية المتلألئة.
حتى عندما تعود القصة بالزمن لتعيد ضبط «الساعة السردية»، أو عندما تتوقف بيغلو لتضيف تفصيلاً إنسانياً، فهي تحافظ على إحساس قوي بالحركة إلى الأمام يستحوذ على الجسد كلّه. إنّها تطرح رؤية عن العالم كما هو وكما يمكن أن يكون، وتفعل ذلك بلغة سينمائية خالصة، لا عبر خطب.