مَن هم الأكثر تسديداً بكلتا القدمَين
مارك كاري- نيويورك تايمز
Tuesday, 04-Nov-2025 06:58

مع بلوغ الدقيقة المئة من المباراة، كانت أمام ليفربول فرصة أخيرة للبحث عن هدف التعادل في مواجهته مع برنتفورد الأسبوع الماضي. تلقّى أليكسيس ماك أليستر الكرة في الجهة اليسرى، وفتح جسده ليطلق عرضية متقنة نحو القائم البعيد. تابع محمد صلاح الكرة بكل تركيز، بل إنّه لمسها لكنّه أخطأ تماماً في حساب الزاوية.

بدلاً من أن يهاجم العرضية بجسده المفتوح، قرّر صلاح أن يلوّي جسده ليقابلها بقدمه اليسرى الأقوى، فأرسل الكرة عالياً بطريقة غريبة، وأبقاها في الملعب من زاوية بدت شبه مستحيلة. هذه اللقطة ليست انتقاداً لصلاح، إذ إنّه سجّل قبل دقائق هدفاً رائعاً بقدمه اليمنى الأضعف، بتسديدة غريزية إلى سقف المرمى.

 

لكنّ الهدف من المثال هو إظهار مدى استعداد اللاعبين للالتواء والتصرّف بطريقة غير طبيعية لمجرّد التسديد بالقدم المفضّلة لديهم. هناك نقاش دائري حول مدى ضرورة أن يكون اللاعبون النخبة متقنين للتسديد بكلتا القدمَين أمام المرمى. فمن جهة، القدم الأقوى قادرة على إرسال الكرة إلى الشباك بدقة تشريحية تقريباً مقارنةً بالقدم غير المسَيطِرة. ومن جهة أخرى، استخدام القدم الأضعف بشكل أكبر قد يفتح زوايا تسديد أوسع ويمنح اللاعب تنوّعاً أكبر في طرق التسجيل.

 

أظهرت أبحاث في الدوريات الـ5 الكبرى في أوروبا، أنّ اعتماد اللاعب على قدمه الأقوى يمكن قياسه من موقع تسديده. وليس مفاجئاً أنّ اللاعبين كلّما ابتعدوا عن المرمى، زادت احتمالية استخدامهم للقدم الأقوى. أمّا مَن يُسدِّدون من الجهة اليسرى للملعب فغالباً يستخدمون القدم اليمنى، والعكس بالعكس.

 

من المتعارف عليه أنّ أغلبية اللاعبين في العالم يُفضّلون القدم اليمنى، والأرقام في الدوري الإنكليزي الممتاز تؤكّد ذلك. فمنذ موسم 2018-2019، اعتُبر 70% من اللاعبين أيمن القدم (لأنّهم سدّدوا 60% على الأقل من كراتهم باليمنى)، مقابل 26% أعسر القدم. أمّا الـ4% المتبقية فهم «ثنائيّو القدمَين» أو «المتوازنون»، ويُحسبون على هذا الأساس عندما تكون نسبة تسديداتهم متقاربة ضمن 10% بين القدمَين اليمنى واليسرى.

 

تحليل مدى اعتماد اللاعب على قدمه الأقوى يمكن أن يكون مفيداً لمحللي الخصوم. فمعرفة أنّ لاعباً معيّناً سيحوّل الكرة حتماً إلى قدمه المفضّلة تُتيح للمدافعين إغلاق الزوايا التي قد يُسدِّد منها.

 

منذ بداية الموسم الماضي، سجّل إيثان نوانيري (أرسنال) أعلى نسبة تسديدات بقدمه اليسرى (96%)، يليه تايلر ديبلينغ وكول بالمر (92% لكل منهما). في المقابل، كان ماتيو كوفاسيتش ورايان خرافنبرخ الأكثر اعتماداً على القدم اليمنى (97% لكل منهما)، مع وجود كالوم هدسون-أودوي (93%) وكودي خاكبو (92%) ضمن المهاجمين الأكثر مَيلاً إلى التسديد بقدمهم الأقوى عندما يقطعون من الجهة اليسرى.

 

لكنّ الحالات الأكثر إثارة للاهتمام هي تلك التي تقع في المنتصف. ويُعدّ دانغو واتارا (برنتفورد) من أكثر لاعبي الـ»بريميرليغ» تسديداً بكلتا القدمَين بين مَن سدّدوا أكثر من 25 كرة منذ الموسم الماضي (55% باليسرى و45% باليمنى). أمّا أنطوان سيمينيو (بورنموث) فهو الأكثر توازناً: 54% باليسرى و46% باليمنى.

 

ومنذ بداية الموسم الماضي، لم يُسدِّد أي لاعب عدد كرات غير جزائية أكثر من سيمينيو (144 تسديدة)، ما يُبرز قدرته على التسديد من كل الزوايا الممكنة، حتى الأكثر صعوبة منها.

 

تفضيل صلاح لقدمه اليسرى الأقوى يُناقِض الحكمة السائدة بأنّ اللاعبين ثنائيّي القدمَين يتمتّعون بفُرَص تسديد أكبر. إذ أحرز صلاح 29 هدفاً في الدوري، ليحصل على جائزة الحذاء الذهبي للمرّة الرابعة في مسيرته (رقم قياسي مشترك)، على رغم من أنّ 15% فقط من محاولاته على المرمى كانت بقدمه اليمنى الأضعف (باستثناء الرأسيات).

 

ومقارنةً مع أفضل 3 هدّافين في أوروبا في السنوات الأخيرة، يظهر تبايُن واضح في مَيل صلاح لاستخدام قدمه غير المسيطرة. فتمركزه في الجناح الأيمن عامل أساسي في ذلك، لكنّه لم يستخدم قدمه اليمنى لأكثر من 20% من تسديداته سوى مرّة واحدة خلال المواسم الـ7 الأخيرة.

 

في الـ»بريميرليغ»، لم تُسجّل سوى 4 حالات فقط للاعبين كانت تسديداتهم متساوية تماماً بين القدمين منذ موسم 2018-2019. من بين مَن سدّدوا 25 كرة أو أكثر، كان ماتي فيدرا (بيرنلي، 2020-2021)، داني ويلبيك (برايتون - 2020-2021)، ولياندرو تروسار (برايتون، 2020-2021 و2022-2023) ضمن القائمة.

 

على مستوى أوروبا، يُعتبر عثمان ديمبيلي (باريس سان جيرمان) أبرز مثال على اللاعب القادر على التسديد بكلتا القدمَين بسهولة متساوية. فعندما كان لا يزال ناشئاً في رين، أكّد للصحافيِّين بشكل متناقض أنّه أعسر القدم، لكنّه يُسدِّد أفضل بقدمه اليمنى، وهي ميزة نادرة جداً لدى المهاجمين.

 

والمثير أنّ ديمبيلي يُعدّ من القلائل الذين غيّروا القدم المهيمنة لديهم من موسم إلى آخر. فمنذ موسم 2020-2021، تنقّل بين نسب أعلى للتسديد بالقدم اليمنى وأخرى باليسرى، محافظاً غالباً على توازن يقارب 50% لكل قدم، ما يؤكّد طبيعته المتوازنة.

 

ويرجع ذلك جزئياً إلى تعدّد المراكز التي لعب فيها مع برشلونة وسان جيرمان، وقدرته على الأداء في أي موقع هجومي، من دون أن يفقد خصائصه الأساسية في التسديد بكلتا القدمَين.

 

تعديل لويس إنريكي التكتيكي بوضع ديمبيلي كمهاجم وهمي حرّ الحركة كان الشرارة التي أشعلت تألّقه بتسجيله 35 هدفاً في مختلف المسابقات. وأبرز مثال على مهارته في التسديد بكلتا القدمَين كان في ركلات الترجيح ضدّ ليفربول في ثمن نهائي دوري الأبطال. إذ اصطفّ لتنفيذ الركلة كما لَو كان سيُسدِّد بقدمه اليسرى، ثم دار حول الكرة ليحوّلها إلى اليمنى، مخادعاً أليسون قبل أن يُسكِن الكرة بثقة في الزاوية اليسرى.

 

قد يكون ديمبيلي حالة فريدة في كرة القدم الأوروبية، لكنّه ربما رسم بالفعل خريطة طريق للمهاجم العصري في المستقبل.

الأكثر قراءة