منذ فجر التاريخ، كانت السكّريات الطبيعية في الفواكه والخضار والنباتات مصدراً للطاقة الضرورية لعمل الجسم. لكن ما كان يوماً وقوداً صحياً صار اليوم عبئاً.
مع تحويل السُكّر إلى أشكال مركّزة وإضافته إلى المشروبات والأطعمة المصنّعة، أصبح الإنسان المعاصر يستهلك كمّيات تفوق قدرة جسده على التحمّل. والنتيجة: سلسلة من الاضطرابات التي تبدأ من الفَم ولا تنتهي قبل القلب والكبد.
في الفم تبدأ الحكاية. فالبكتيريا الموجودة فيه تتغذّى على السكّر وتُنتج أحماضاً تهاجم مينا الأسنان. وعلى رغم من أنّ اللُعاب يعمل على موازنة هذه الأحماض، إلّا أنّ الاستهلاك المستمر للحلويات والمشروبات المحلّاة يُبقي البيئة الفموية حامضية، ما يزيد احتمالات التسوّس ويخلّ بتوازن البكتيريا المفيدة.
أما في الأمعاء، فتُحلَّل السكّريات المعقّدة إلى غلوكوز وفركتوز. الغلوكوز يُمتَص بسهولة، لكنّ الفركتوز، خصوصاً في العصائر وشراب الذرة عالي الفركتوز، قد يُسبِّب انتفاخاً وألماً في البطن عند البعض نتيجة تخمّره بالبكتيريا. ومع الوقت، يمكن أن يفاقم أعراض القولون العصبي.
ينتقل التأثير إلى البنكرياس، المسؤول عن إفراز الإنسولين الذي يُدخل الغلوكوز إلى الخلايا. تناوُل كمّيات كبيرة من السكّر يؤدّي إلى ارتفاعات متكرّرة في مستوى السكّر في الدم، ما يُضعِف استجابة الخلايا للإنسولين ويؤدّي مع الزمن إلى ما يُعرف بمقاومة الإنسولين، وهي الطريق السريع نحو السكّري من النوع الثاني.
في الدماغ، يُعدّ الغلوكوز وقوده الأساسي. لكنّ الارتفاع المفاجئ في السكّر يعقبه انخفاض حاد، يُسبِّب التعب والعصبية والرغبة الشديدة في تناول المزيد من الحلوى. كما أنّ السكّر يُحفّز إفراز الدوبامين، هرمون المتعة، ما يخلق دائرة من التعلّق تشبه الإدمان وتزيد الحاجة المستمرة للمذاق الحلو.
أمّا الكبد، فيحوّل الفائض من السكر، وخصوصاً الفركتوز، إلى دهون تتراكم تدريجاً داخل الأنسجة الكبدية، مُسبِّبةً ما يُعرَف اليوم بـ«مرض الكبد الدهني المرتبط بخلل الأيض»، وهو من أسرع الأمراض انتشاراً في العالم.
هذا التراكم الدهني يمتد أيضاً إلى الدهون الحشوية في البطن، التي ترتبط بالتهابات مزمنة وأمراض القلب. كما أنّ السكّر الزائد يرفع ضغط الدم ومستويات الكوليسترول الضار، ما يسدّ الأوعية الدموية ويزيد احتمالات الجلطات.
حتى المفاصل ليست بمنأى عن الضرر؛ إذ يؤدّي تحلّل الفركتوز إلى إنتاج حمض اليوريك، الذي يُسبِّب مرض النقرس المؤلم.
الخبر الجيد أنّ القليل من السكر لا يضرّ. فتوصيات الصحة العالمية تُحدِّد الحدّ الأقصى بـ10% من السعرات اليومية (أي نحو 50 غراماً لِمَن يستهلك 2000 سعرة حرارية)، بينما توصي الجمعية الأميركية للقلب بخفض النسبة إلى 6% فقط. ومع ذلك، يستهلك الأميركيّون اليوم ما يقارب 67 غ من السكّر المضاف يومياً، معظمها من المشروبات الغازية والحلويات.
الاعتدال هو المفتاح. فملعقة عسل في الشاي لا تقتل، لكنّ زجاجة صودا يومية قد تفعل ذلك ببطء.